in

الملفات السريَّة في رواية “حضرة الجنرال” للروائي الجزائري كمال قرور

وجيهة عبد الرحمن*

قد يعتبر وضع الرواية في إطار تاريخي بمقاربة فلسفية استحضاراً لرمزية مجتمعية متزامنة مع الحدث المعاصر، وقد تتسرب تلك الرؤية المجتمعية إلى رؤيا تاريخية وفق منطق الأفكار السياسية والإقتصادية وبموجب النظام الطبقي السائد في كل مرحلة أو عصر. لذا قد تكون رواية “حضرة الجنرال” نموذجاً لرواية المقاربة التاريخية، إذ استطاع الروائي “كمال قرور” اللعب بمفاصل روايته وفق منظوره العميق وغير السائد عموماً في كتابة السير الذاتية لشخصيات ملهمة.

الجنرال في رواية “حضرة الجنرال” ليس إلا شخصية افتراضية، صُنعت في المعمل الأدبي للروائي كرغبةٍ منه في كتابة واقع عربي هزيل بدكتاتوريات أطاحت ببعضها البعض وفق مبدأ الإنقلابات.

في الرواية تتناوب الأحداث بين دكتاتور من الماضي، متمثل بالجنرال “ذياب الزغبي”، وبين دكتاتوريات معاصرة تمثلت في دكتاتوريات بلدان الربيع العربي، استمدّت جذورها الثقافية وتطلعاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية من خلال إسقاط الحاضر على الماضي، بربط زمنين لم يختلفا إلا بقليل من تكنولوجيا وظَّفتها دكتاتوريات الراهن للإمعان في الاستبداد، سيَّما وأنَّ الراهن هو عالم متعدد الثقافات تختلف الصراعات فيه باختلاف المشارب الاجتماعية وتكالب الأجندات الدولية للسيطرة، واللبنة الأساسية هي رأس المال العالمي واقتصاد باذخ في التمدُّد.

“كمال قرور” لم يدَّخر توصيفاً واحداً لتاريخ يعيد نفسه في الحاضر بلبوس أكثر تماسكاً وإتقاناً في التحايل على الصورة النمطية للأحداث. لم يستخدم الروائي مفردات كانت سائدة في الماضي، بل استخدم مفردات معاصرة للإيحاء إلى الماضي، بهذا يكون الربط قد تمّ بإحكام بين الأزمنة المختلفة في النمط الإجتماعي ومايترتب عليه من استخدامات لفظية وتراكيب مدمَّجة أو ثقيلة، لكن التراكيب المتزنة والمفيدة التي استخدمها كانت طريقته في الربط، ثم إدماج العامية في بعض الحوارات لمعايشة أجواء واقعية بأسلوب فانتازي. ولم ينفك يشير في روايته إلى دور الشعب في صنع الدكتاتوريات، ص145: (الشعب هو الذي يقهر نفسه بنفسه، وهو الذي ملك الخيار مابين الرِّق والعتق، فترك الخلاص وأخذ الغلّ).

يشير الروائي إلى إنّ الشعب أشبه بقطيع، فالأنبياء استطاعوا قيادة البشر لأنَّهم كانوا رعياناً قبل رسالتهم، والجنرال “ذياب الزغبي” يسرد سيرته مخاطباً “غابرييل غارسيا ماركيز”، الأمر الذي يضفي شيئاً من الغرابة والتشويق، فهل أراد الروائي لروايته الشهرة بمخاطبة روائي عالمي مثل ماركيز، أم لأنَّ لماركيز تجربة وافرة في الكتابة عن الدكتاتوريات؟ أسئلة سنتركها معلقة لحين ما! ونرى كيف يحدث “الجنرال” “ماركيز” عن مسيرته الذاتية وسنوات سجنه، السجن الذي قد يمنح السجين خبرة وتجربة ووقت فراغ ليبحث عن ذاته، والجنرال يبدأ في السجن بقراءة الكتب! ص142: (من الاعتقادات الشائعة الخاطئة لدى العامة أن الدكتاتوريين والمستبدين لايقرأون وهذا جهل مابعده جهل…) ويذكر بعض الكتب التي قرأها في السجن وغيرت حياته: زعيم الأقلية الساحقة للروائي “عزيز غرمول”، جمهورية الخراب لكاتب مغمور اسمه “كمال فنتازيا”، كفاهي لهتلر، كليلة ودمنة لابن المقفع، الجنرال في متاهة لغارسيا ماركيز، الإلياذة لهوميروس، هكذا تكلم زردشت لنيتشه، 84 لجورج أورويل. واعتبر الجنرال تلك الكتب فاكهة أدبية أوقدت خياله، وألهمته خوض تجربة تأليف كتاب سماه (الكتاب الأبيض)، سجّل فيه تصوره عن تسيير شؤون الحكم والرعية، ووضع الخطط الإستراتيجية للحكم قبل وبعد الاستيلاء على السلطة، ص146: (لن تحكم لحظة وهذه المؤسسات قائمة، لن تحكم لحظة واحدة وخصومك على قيد الحياة، إذاً عليك تحطيم المؤسسات القائمة، وتصفية جميع الخصوم وشراء ذمم المترددين).

كما يشير في موضع آخر إلى استئثار الحكام الدكتاتورين بالحكم ص176: (قررت أن احتفل بعيد ميلاد جلوسي على عرش الإمبراطورية وتسجيل اسمي في كتاب غينس للأرقام القياسية كأكبر معمر على كرسي الإمبراطورية).

أما المرأة فقد صورها الروائي على منحيين، المنحى الأول: شجاعة، جميلة، بعيون ذكية وقامة ممشوقة، قادرة على تسلم سدة الحكم بفضل بأسها وشجاعتها وعاطفتها التي لن تخبو إلا بالثأر والانتقام لمفقوديها، ص129: (فشلت فرسان بني هلال في قتل الزناتي وفشل الفارس والجنرال ذياب، والله ستقاتل نساء بني هلال هذا الطاغية حتى يثقتل ونحن نقاتل ونثأر لقتلانا…)، والمنحى الثاني هو صورة المرأة الشرقية المتعارف عليها: المرأة التي تبكي وتنوح، لكنه أشار إلى خطورة المرأة في حياة الدكتاتور ص144: (انتبهت إلى خطورة المرأة في حياة ومصير الدكتاتور وكان علي الاحتياط مستقبلاً من المرأة، فالدكتاتور عقلاني ولايتبع هوى قلبه إلا حين يشم عطرها… فعلى يدها تكون النهاية المأساوية).

قد يلاحظ القارىء لدى قراءته للرواية أنَّها اتكأت على عدة مرتكزات أهمها الإشارة إلى أن استلام السلطة لا يتم إلا بالخيانة والمراوغة والتواطؤ، ص168: (من يطعن أصدقاؤه ورفقاء دربه في الظهر فليهيء ظهره..).

بالمحصلة فإن رواية “حضرة الجنرال” للروائي “كمال قرور” تستحق وقوفاً أطول، لما فيها من ملفات سريَّة للتاريخ والحاضر الذي لم يكن ليتفاقم لولا المؤامرات السرية من دكتاتوريات القرن الحالي.

هي رواية المفردة البسيطة والفكرة الشيفرة، إذا ماتمَّ فكُّ رموزها فإننا سنقرأ رواية باذخة بالإعترافات والمسكوت عنه.

*شاعرة وروائية سورية

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتبة:

إرث

قصيدة الوطن

المغرب: حملة ضد فحوصات العذرية البدائية بعنوان “فرجي ملك لي”

بالفيديو: الإجراءات والمواعيد للحصول على الجنسية الألمانية