in

“آلام ذئب الجنوب” للشاعر محمد المطرود.. النص والمدى المفتوحان

فايز العباس. شاعر وكاتب سوري مقيم في ألمانيا

أن تكون ذئباً فذلك يحتم عليك ألا تكون نمطياً، وألا تكرر نفسك، وألا يكون فعلك أقل حدةً من صوتك، وكذلك إن كنت بدوياً، أقول هذا لمعرفتي بكلتا الثيمتين اللتين شكلتا فضاء العتبة النصية الأولى لما يدار من سيرةٍ ميتاروائية بين دفتي “آلام ذئب الجنوب” والجنوب هنا سمتٌ وسمةٌ..

امتداد واسع لريف يكاد يكون منسيّاً لولا أن يجيء من يدوّن ذاكرة أهله الجمعية، وذاكرة المكان، وهو من حيث ذلك يحيل القارئ إلى البدوي الذي في نفس وفعل ونص الشاعر محمد المطرود.

يحاول محمد المطرود في هذا المنجز الصادر عن دار ميسلون نهاية 2018 أن يمنح نصوصه المشكِّلَة لفضاء كتابه تجنيساً لا يخلو من المغامرة لما لهذا التجنيس “ميتا رواية” من فهم سابق منطلق من المعنى المتداول حول “الميتا” التي تحيل إلى الـ”ما بعد” بينما يرى البعض أن هذه الصيغة في الرواية عادة تحيل إلى ما يدع للشخصيات الروائية التفلّت من قبضة الراوي وخلق أحداث تقلب الرواية وتضرب بمنطقها عرض الحائط، لذا فإن اختيار المطرود لهذا التجنيس يعني أنه يجبر القارئ والناقد معًا على اكتشاف المعنى الإحالي الجديد لتجنيسه، ويختار الدفاع عن مقترحه، وعن مشروعية التوصيف والتأصيل للتجنيس، وهذا يندرج ضمن الثيمتين اللتين تحدثت عنهما، البدوي الذي يعرف كيف يسمي الأشياء والكائنات الجديدة بناء على فطرته، والذئب الذي لا ينفك يبحث عن طريدة جديدة لا أثر فيها لصياد قبله.

إذن اختار محمد المطرود أن يتحدث في تجنيسه الجديد عن شكل النص السردي الماورائي للرواية، ذلك النص الذي يحمل كل مقومات الرواية ولكن دون الشروع في بناء حكائي متشعب، فالبناء في نصوص المطرود متمحور حول أبطاله، إذ لكل نص بطله، وحكايته التي تمنح القارئ الإحالات والمقولات دون تكلّفٍ، ضمن نصٍّ مفتوح، والنص المفتوح هنا ما هو إلا محاكاة للمدى المفتوح للجنوب، “جنوب الرد” كما يطلق عليه قاطنوه في أقاصي سوريا.

أبطال السرد لدى محمد المطرود

وأبطال السرد الميتاروائي في “آلام ذئب الجنوب” ثلاثة واضحون وهم: الأنثى التي تمثلها “فتنة”، والمكان الذي يمثله “الجنوب”، والراوي الذي يرى “الذئب” معادله الموضوعي، أما الزمان فهو الرابط أو الناظم للنصوص مما يجعل بينها ارتباطا وثيقا يمنعها من أن تكون نصوصا غير متكاملة، ويمنح أحقية التفرد لكل نص منها على حدة، حيث الانتقال بين الحنين، والحنين هنا إحالة زمانية بالإضافة للإحالة النفسية، وبين الراهن وما يعانيه الذئب من ابتعاده عن مكانه الذي يحن إليه.

واللافت أن محمد المطرود لم يغير جلد لغته، إذ لم يزل يكتب نصه بعجينته اللغوية العالية، وبقاموسه الكتابي الذي يزخر بالبداوة المعرّقة بالمدنية، مما يمنح النص الجزالة دون تحجر، والليونة دون انحلال، محافظا بذلك على متانة السبك، وجمال التناسق، ويروح أحيانا كثيرة نصه نحو التموسق اللامقصود بذاته لترى نفسك وأنت تقرأه تغنيه دون حرج.

ولا يترك المطرود نصه للقراءة دون أن يمنح القارئ متعة الشعرية، إضافة للاستعارات، والكنايات، إذ لغة الكاتب هنا لغة تصويرية تبرز فيها قدرة الذئب على إدراك المشهد بعمومه، وتجسيده من خلال حواسه مجتمعة، مما يمنح المُستقبِل مشهدا متكاملا يستطيع أن يتذوق فيه وأن يسمع ويشاهد ويشم ويلمس ما يصفه الراوي/الناص /الشاعر/الذئب.

كما يقدم المطرود فلسفته الخاصة حول موصوفاته، حول نفسه والموت، وحول علاقته بالمكان، والأشخاص، والأجواء التي يتناولها في آلام ذئبه الجنوبي والجنوبية.

ولا يفوتني في معرض الحديث عن اللغة في نصوص محمد المطرود أن أعرّج على انتقائيته المتمايزة والمميزة للعناوين، تلك التي يؤمن الكاتب المتمرس أنها الأبواب السحرية للنصوص وعتباتها التي لن تكشف النصوص لك عن فتنتها دون أن تدخلها من باب عنوانها.

ختاماً:

يضع الشاعر والناقد محمد المطرود بين يدي قارئه مشروعه الجديد من حيث الاصطلاح والمُشتَغَل عليه بجدية من حيث فترة الكتابة، ويقترح بروح الناقد تجنيسه الجديد وعليه تقع مسؤولية الدفاع عن هذا المقترح، والعمل على التأصيل له والتقعيد إن صحّ أن نضع ونلتزم بالقواعد دائما!

فايز العباس. شاعر وكاتب سوري مقيم في ألمانيا

اقرأ/ي أيضاً:

المسكوت عنه ونرجسيّة التلقّي… “لا ماء يرويها” لنجاة عبد الصمد

مكالمة فائتة… قراءة في رواية لناهد العيسى

عبدالله القصير لـ”أبواب”: حالة الانتقال من الخاص إلى العام دفعتني لكتابة “كوابيس مستعملة”

الأميرة هيا بنت الحسين تهرب بطفليها من زوجها حاكم دبي ولا تأكيدات عن مكانها

هل هو إصلاح قانون الجنسية الألمانية أم “تصعيب” في الحصول عليها؟