in

العمل غير النظامي “العمل بالأسود” مساوئه وأضراره

ريما القاق: ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة

 يمكن مبدئياً تناول سبل معيشة اللاجئين في ألمانيا وفق ثلاثة محاور عامة: العمل النظامي، المساعدات الاجتماعية، أو العمل بالأسود أي العمل دون وجود عقد نظامي بين صاحب العمل والعامل.

يتأرجح بعض اللاجئين بين الاحتمالين الثاني والثالث، فقد يواجهون صعوبة في الاندماج بسوق العمل لأسباب عدة كاللغة والمنافسة وصعوبة إيجاد عمل مناسب. لكن المثير للانتباه هو انتشار ذهنية لدى البعض تشجع على العمل بالأسود والبطالة الخيارية وتذمّ العمل النظامي باعتباره أمراً “غبياً”، فيما العمل بالأسود “شطارة وحربئة”.

أظهرت نتائج بحث أجرته محطة الإذاعة الوطنية المستقلة (NDR) عام ٢٠١٦ أن حوالي مئة ألف لاجئ يعملون بشكل غير نظامي. في مجالات متنوعة بين خدمات التنظيف، الخدمات اللوجستية، الأعمال الحرة كالنجارة، السمكرة، النقل، والعمل في المطاعم.
فما الذي يشجّع هذه الذهنية ويدفع أصحابها لتلافي العمل النظامي؟

  • التهرب من الضرائب:

وهي جريمة لا يستهان بها في ألمانيا على مستويات رسمية وشعبية، فالدولة تعتمد كثيراً على الضرائب في نظامها. ولكن بالطبع لها مبرراتها لدى مرتكبيها، فبعد إجراء الحسابات وحسم أجرة البيت والمصاريف وما يتم إرساله إلى العائلة في الداخل السوري، يجدون أنه من غير المجدي اقتصادياً العمل بشكل نظامي، بل الحفاظ على مساعدات مركز العمل “الجوب سنتر” والحصول على مبالغ صافية “إكسترا” من العمل بالأسود.

ولاشك أن طبيعة الحياة والنظام الاقتصادي والمعاشات المحددة في ألمانيا تفرض ضرورة عمل كلا الزوجين، كما يستقل الأبناء مادياً حين يبلغون الثامنة عشر، ما يعني استقلالية كل فرد في مورده المادي. بينما قد يكون احتمال عمل الزوجة غير مطروح في بعض العائلات العربية، ويبقى الأب مسؤولاً عن كامل الأسرة حتى بعد أن يكبر الأبناء وكذا عن والديه وأفراد آخرين من أسرته.

  • الجوب سنتر يقوم بكل شيء:

يواجه قسم آخر الخوف من الانفصال عن الجوب سنتر، فهو ينجز لهم الكثير من المعاملات ويرشدهم في عدة أمور كالتأمين الصحي، التعليم، عقود الإيجار، بطاقات النقل وغيرها. وبالتالي الانفصال عن الجوب سنتر يعني أن على الشخص القيام بكل الأمور وحده، وتحمّل مسؤولية قد لا يقدر عليها.

الآثار السيئة للعمل بالأسود:

  • على الصعيد الفردي

العمل بالأسود هو جريمة يعاقب عليها القانون، تبدأ العقوبة بغرامة خمسة آلاف يورو، وقد تصل للسجن، الترحيل، عدم تجديد الإقامة أو عدم الحصول على الإقامة الدائمة وبالتالي الجنسية.
والمستفيد الأكبر من العمل بالأسود صاحب العمل، وذلك لعدم دفعه الضرائب والضمانات الاجتماعية. بينما يخسر العامل بالأسود الكثير من الميزات التي يقدمها العمل النظامي على المدى الطويل، ومنها:

  • التقاعدية؛ في حال الوصول إلى سن التقاعد، يتم الحصول على راتب يتناسب مع راتب العمل وعدد سنواته.
  • الإجازات المرضية المدفوعة.
  • الإجازات السنوية المدفوعة.
  • التعويض المالي لساعات العمل الإضافية في حال موافقة الموظف على العمل الإضافي.
  • ضمان الحقوق الكاملة للموظف وقدرته على الاشتكاء أو المطالبة بحقوقه بشكل قانوني ما يضمن عدم استغلاله.
  • الحصول على راتب يتناسب مع الشهادات والخبرة وطبيعة وساعات العمل، فالرواتب مراقبة ولا يمكن أن تكون أقل من 9,50 يورو للساعة، بينما قد يهبط أجر العمل بالأسود إلى ٨٠ سنت للساعة!
  • عدم التهديد بخسارة العمل حتى انتهاء العقد، إلا لأسباب خاصة مثل مخالفة القوانين أو ارتكاب جرم.
  • تأمين ضد فقدان العمل؛ ففي حال انتهاء عقد العمل يحصل العامل على إعانة مادية تتناسب وسنوات العمل وتبلغ ٦٠٪ من الراتب أو أكثر في حال وجود أولاد.
  • إجازة الأمومة المدفوعة وهي ستة أسابيع قبل الولادة وثمانية أسابيع بعدها.
  • إجازة الاعتناء بالمولود ٣ سنوات، يمكن للوالدين تقاسمها بالطريقة التي يريدانها، كما قد يحصلا على حوالي٦٠ إلى ٧٠٪ من الراتب لمدة عام من هذه الإجازة مع وجود مساعدات اجتماعية للأم.
  • على الصعيد الجمعي:

لا يجد الكثير من دافعي الضرائب الأمر منصفاً أن يدفعوا وحدهم الضرائب والتأمينات الاجتماعية، بينما الآخر لا يقوم بذلك، ويستمر بأخذ المعونات الاجتماعية. لذا تكثر الحملات الإعلامية المركزة على العائلات اللاجئة كبيرة العدد وكمية المساعدات التي تنالها بينما يقوم المواطنون بالدفع. ولعل هذه الحجة أهم أسباب ازدياد العدوانية تجاه اللاجئين، وتراجع حركات الترحيب بهم ودعمهم.

فالاستمرار بالعزوف عن العمل يسيء لقضية اللاجئين ويصوّرهم كمستغلين للنظام. فنظام التأمين الاجتماعي نظام تكافلي، يشبه صندوق جمعية، يضع القادر على العمل فيه المال حسب دخله، ويوزع على المحتاج والعاطل عن العمل، المتقاعدين، وذوي الاحتياجات الخاصة. وعلى كل فرد قادر على العمل المساهمة في هذا الصندوق، وعند عدم قدرته على العمل لسبب صحي أو التقدم بالعمر يمكنه أن يأخذ بدوره من الصندوق. وبالتالي فإن نية الأخذ من الصندوق دون المساهمة به أمر غير مقبول قانونياً وأخلاقياً.

من جهة أخرى، يُفترض أن يكون دعم الجوب سنتر مؤقتاً؛ ففي حالة اللاجئين مهمته دعمهم للحصول على عمل، وكونهم غير ناطقين بالألمانية فهو يدعمهم لتعلم اللغة. لذا فإن مرور ما يزيد عن خمس سنوات على بقاء البعض معتمدين عليه دون عمل، يطرح الكثير من الأسئلة حول إمكانية نجاح عملية الاندماج وبالتالي بقاء اللاجئين أو ترحيلهم.

نهاية أقول، إن العمل بالأسود ليس خياراً متاحاً، بل هو خرق للقوانين، ولن يؤدي إلا إلى أذية من يعمل به، ناهيك عن الخبرات والثقافة التي سيكتسبها من يخوض تجربة العمل النظامي.

خاص أبواب

اقرأ/ي أيضاً للكاتبة:

الثقافة الجنسية في المدارس الألمانية وقلق الأهل الصامت

بعد سنوات من اللجوء في ألمانيا، أي العقدتين أصعب الزواج أم B1؟ – الجزء الثاني  

العنف اللغوي والثقافي وتأثيره على لاوعي المجتمعات

طائفة سورية تقرر إلغاء مهور الزواج نهائياً، عسى أن تتبعها باقي الطوائف…

ما لا تعرفه عن ملابسك الداخلية.. حقائق صادمة ونصائح صحية