in

أوروبا واحدة أم اثنتان؟! تعليق على الوضع الراهن في أوروبا

 حكم عبد الهادي*

أصبحنا نسمع مؤخراً من مسؤولين أوروبيين أنه بات من الصعوبة بمكان بقاء الاتحاد الأوروبي على ما هو عليه الآن. أي أن الوحدة الأوروبية أصبحت مهدّدة بالانهيار!

 ويبدو أن برلين وباريس، وغيرهما البعض من العواصم الأوروبية، تبحث عن حلّ قد يحفظ على الأقل السوق الأوروبية المشتركة، وذلك صوناً للتجارة الخارجية وحرية نقل البضائع بدون ضرائب جمركية كما عليه الحال الآن. 

في الوضع الأوروبي الحالي تعمل الدول الغنية على مدّ الدول الأفقر بالعطايا، وكذلك تساعد برلين بودابست، وكذلك كلاً من براغ وفارشاو وأثينا، بمقابل ذلك تبيع ألمانيا مئات آلاف السيارات إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبي وبدون تعقيدات. وهذا يعني أن الجميع حتى الآن مستفيدون من هذه “العِشرة”! وهنا يمكننا أن نتذكر جملة لينين الشهيرة: “الاقتصاد سياسة مكثفة”.

يبدو الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي أصبحت أكبر من المصالح الاقتصادية بينها، فالعلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي يحكمها، أو على الأقل ينسّقها، البرلمان الأوروبي بالإضافة إلى عدد كبير من السياسيين الكبار، كالمفوّضين والرؤساء والمدراء والموظفين في المؤسسات الأوروبية الأخطبوطية. ولكن ما هي حقيقة الاختلاف والخلاف بينهم، وعلى ماذا؟!

يمكننا القول وباختصار شديد أن الخلاف يدور حول قضيتين أساسيتين: أولاً، دولة القانون وعلى رأسها الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيدية والقضائية. وثانياً، معضلة اللاجئين.

يتّضح من خلال هذا الخلاف أن هناك، شئنا أو أبينا، قيماً أوروبية حقيقية يتمثّل أهمها بالتمسك بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ما عدا ذلك يتعيّن علينا أن نعلم أن أوروبا، وما تكتنفه من نزعة استعمارية قديمة، تتعامل مع العالم الثالث ببراجماتية عالية وحسبما يتوافق مع مصالحها. فهي تبيع على سبيل المثال الأسلحة للسعودية، التي تفتك يومياً بأهل اليمن، بالإضافة إلى الكثير من الأمثلة الأخرى، أي أن هناك فصلاً غير مبدئي بين السياسة الأوروبية الداخلية وبين السياسة الخارجية التي تنظم علاقتها مع الدول الأخرى.

في هذا الوقت يمكننا أن نرى في أوروبا، وفي آن معاً، دولاً كبولندة لا فصل لديها بين السلطات تشريعية كانت أم تنفيذية وقضائية، ودولاً مسيّجة كالمجر، وهذا أمر يتناقض تماماً مع حقوق الإنسان، كما نجد دولاً ترفض استقبال لاجئ واحد على أراضيها، وقد نتفاجأ كم أن عددها كبير، على الرغم من أنها تأخذ مساعدات من الدول الأوروبية الغنية ولكن دون أن تتضامن معها في مسألة اللاجئين!

على ضوء هذه التناقضات بين دول الاتحاد الأوروبي، وعلى ضوء التطورات المتسارعة والمفاجئة أحياناً التي تخرج من خلال تصريحات أو مواقف أو أحداث، ليس غريباً أن تعود أوروبا إلى حالة الانقسام السابق على وحدتها في الاتحاد الأوروبي، وأن نستيقظ يوماً ما لنرى أوروبا وقد أصبحت اثنتين!

* حكم عبد الهادي. كاتب فلسطيني ألماني

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

من روائع الأدب الألماني

الكفاح ضد كتاب “كفاحي” لهتلر ما زال مستمرا

بالصور: هل نعتقد أن “السيلفي” وليدة عصرنا؟ لنبحث في تاريخ الفن لمعرفة ذلك…

القوارض الإندونيسية تجبر وفداً حكومياً ألمانياً على البقاء في بالي بعد تعطيل طائرته