in

رحلة طويلة ما بين خوفين

اللوحة للفنان ياسر صافي / www.yasersafi.com

ابراهيم حسو*

لم أترك سوريا كرهاً بها ولا حباً بأوروبا، سفري لم يكن مخططاً له، ولم يكن على لائحة حياتي المقبلة، سافرت لأمنح نفسي مشقة مغامرة ملتبسة، مغامرة البقاء على قيد وطن يذوب وينهار ككمشة تراب في يد طفل.

أنا الذي حاربت كل الذين تركوا سوريا وخاصة هؤلاء المبدعين، كنت أعيش كل لحظات الحرب في دمشق مع قذائف الهأون ولعبة القنص المسلية على اطرافها، عائداً إلى القامشلي حيث تجربة اخرى مع الإرهاب الأسود (داعش) عشت خوفين طويلين، نزفت وقتها حياةً بكاملها عبر كتاب أصدرته في بيروت لم احصل منه على نسخة لظروف التنقل إلى هناك.

عشت تجربتي في السفر الدائم إلى دمشق كزائر يفترض به أن يعود بعد أن ينال نصيبه من حنين وحب الحارات الدمشقية القديمة والانشطة الثقافية الصعبة التي كانت زاخرة ومشوقة ومشبعة بكل الطيف الجمالي وبعدها بحكمة شاعر مغامر أحمق انتقلت إلى أوروبا تائهاً في غابات بلغاريا وجبال صربيا حاملاً في حقيبتي كتاباً شعرياً لمحمود درويش (اثر الفراشة) وبضع أوراقٍ عبارة عن نصوص مختارة من قصائد كتبتها بين دمشق والقامشلي وتركيا.

هكذا خضت تجربة الانتقال إلى بلاد أو متاهة نادرة هي ألمانيا، حيث تتمة الحكاية الأليمة التي أرويها لروحي اليابسة، حكاية شاعر يريد صياغة حياة أخرى، وقصص أخرى عن وطن وأرض وسماء تائهة، وبلمحة خيال اقتحمت متاهات الارض كلها، أنا الذي كنت اتنعم بحرية شخصية في بلدي رغم هجرة الكثير من عايشني كشعراء ومثقفين.

اليوم أنا في طريق آخر أكثر وعورة من طرق بلادي، أحقق حريةً ليست حريتي، حريةً بمقاس ليس مقاسي، لقد كان ميلي أن أجد ضالتي في الكتابة هنا، حيث ثقافات متعددة في تحتدِ لا ينتهي، أن أجدد حياتي وحياة أسرتي وأبدو كاتباً صحفياً جديراً في صحيفة مغمورة.

مغمورة؟ لا بأس طالما هي التي ستنتشلني من متاهتي وتعيدني إلى داخلي بوصفي كائناً متنقلاً من كارثة إلى اخرى، من أرض إلى أرض.

*ابراهيم حسو – كاتب صحفي من سوريا مقيم في ألمانيا

اقرأ أيضاً:

قاعدة الخوف الذهبية

خوفٌ مؤنث على هامش الحرب والمنفى

بالفيديو: إدوارد غاليانو: عن الحياة بلا خوف، والكتابة، والأحلام الخطرة

شخصية العدد: يوهان فولفغانغ غوته Johann Wolfgang von Goethe

كروس هو ميسي ورونالدو ألمانيا