in

شخصية العدد : حنة آرنت – Johanna Arendt

مثلها كمثل الكثيرين من المثقفين المعارضين للحكم النازي، اضطرت الفيلسوفة والمنظرة السياسية العلمانية يهودية الأصل “حنة آرنت”، إلى الهرب من ألمانيا النازية إلى باريس بعد اعتقالها في سنة 1933، ومن ثمّ إلى نيويورك التي اتخذتها وطناً بديلاً.

من منفاها بدأت العمل على مشروعها السياسي كما عملت كصحفية ومحاضرة جامعية. حنة آرنت المولودة في مدينة ليندن عام 1906، حاولت في الفترة الأولى في منفاها العمل مع الكثير من المنظمات اليهودية لتسهيل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. لكنها بعد فترة قصيرة انفصلت عن تلك المنظمات، ودبّ خلاف شديد بينهما وصل إلى حدّ اتهامها هي اليهودية بأنها “معادية للسامية” وللدولة الإسرائيلية.

فقد رأت آرنت أن الدولة الإسرائيلية الوليدة بدأت تستعمل “الهولوكوست” كأداة ضغط سياسية، وراحت تغرق في مستنقع “السياسة الواقعية” كما أسمتها، والتي تسعى للاستقواء بالقوى العظمى بينما يجب أن تكون على العكس، سياسة تحالفية مع الشعوب المتوسطية الأخرى وبعلاقات قوية مع الجيران. فقد رأت حنة أن شرعية اليهود في فلسطين لا تأتي إلا بمقدار إنجازاتهم وأعمالهم هناك، باعتبارهم مواطنين وهو ما يشكل نقطة الالتقاء الضرورية مع العرب كذلك.

وحسب رأي آرنت فالقوة لا تجعل من الأرض بلداً، ولكن العمل و”ثمرة رؤوسهم وأيديهم”، فحق الشعب اليهودي في فلسطين “مماثل لحقِّ كلِّ إنسان في حيازة ثمرة عمله”، سواء أكان يهودياً أم عربياً.

درست حنة آرنت الفلسفة في جامعة ماربورغ، وكانت علاقتها العاطفية طويلة الأمد مع أستاذها الفيلسوف الشهير “مارتن هايدغر Martin Heidegger” موضعَ استهجان، وذلك بسبب من دعم هايدغر للحزب النازي حين كان عميداً لجامعة فرايبورغ. وقد نُشر كتابٌ ضمّ رسائلهما بعنوان: رسائل حنة آرندت ومارتن هايدغر (1925-1975).

أنتجت آرنت مجموعة من الكتب المهمة للغاية مثل “في الثورة”، “في السياسة”، و”أصول الشمولية” أو “أسس التوتاليتارية”، التي درست فيها النظامين الأكثر وضوحاً للشمولية وهما النازية الألمانية والستالينية الروسية، باعتبارهما ظاهرين خطيرتين جديدتين وانعطافة نكوصية لم يشهدها التاريخ الأوروبي قبلاً، والخطر الكبير الكامن في تلك الأنظمة هي هدفها، الذي لا يقتصر على الاستيلاء على السلطة فحسب، بل يمتد ليشمل كل المجتمع ويرسّخ التماثل الكامل بين الحزب الحاكم وعموم الدولة، مستخدمةً العنف والإرهاب كأدوات اعتيادية وواسعة الاستخدام لقيادة الجماهير وتدمير المجال العام.

كما عملت تلك الأنظمة على تمزيق الروابط بين الناس وعزلها عن بعضها، ومنعها من الانخراط في علاقات تحكمها المصالح المشتركة كالأحزاب السياسية، أو المجالس البلدية، أو التنظيمات المهنية والنقابية. فالقوة تأتي من الاجتماع، أما المنعزلون فمغلوبون على أمرهم. الوحدة الإنسانية الممهدة للعزلة السياسية هي السلاح الذي تستخدمه الأنظمة الشمولية.

أما في كتابها “في العنف”، فترى آرنت أن السياسة والعنف أمران يتعارضان جوهرياً، بمعنى أن السلطة والعنف يتعارضان: “فحين يحكم أحدهما بشكل مطلق يكون الآخر غائباً. ويظهر العنف “حين تكون السلطة مهددة، وإن ترك على سجيته سينتهي الأمر باختفاء السلطة”.

حتى اليوم الذي توفيت فيه عام 1975، ظلت “حنة أرندت” مصرةً على اعتبارها منظرة سياسية وليست فيلسوفة لأنها لا تعمل كما الفلسفة على الفرد وحده، بل تعمل على عموم البشر الذين يعيشون على هذه الأرض. كما ظلت حتى اليوم ملهمةً للكثير من البشر الذين عملت من أجلهم، مرسخة مفاهيم الحرية والعدالة ضد البروباغاندات الإعلامية للأنظمة الاستبدادية والأيديولوجيات القمعية للإنسان.

 

اقرأ أيضاً

شخصية العدد: فرانز كافكا – Franz Kafka

شخصية العدد: الكاتب الألماني توماس مان – Thomas Mann

شخصية العدد: غونتر غراس – Günter Grass

سقوط عشرات الضحايا في الغوطة الشرقية، والمجتمع الدولي يدعو لإنهاء القتال

الألمان وعقدة الذنب.. متى النهاية؟