in

السينما الألمانية: معالجات جريئة للواقع والتاريخ ج2

بوستر فلم Run Lola Run

يكتبها محمد عبيدو*

عبر هذه السلسلة من المقالات التي يكتبها الكاتب والناقد السينمائي السوري محمد عبيدو سنسلط الضوء على تفاصيل السينما الألمانية تاريخها وواقعها واه أفلامها ومخرجيها. وهذه المقالات ستنشر في كتاب سيصدر قريباً.

 

بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت السينما الألمانية في المرتبة الرابعة من حيث الإنتاج عالمياً، وقد انقسمت إلى قسمين:

* سينما ألمانيا الشرقية: وهي سينما حيوية بالمقارنة مع جارتها الألمانية الغربية، وهذا راجع إلى ضخّ الأموال من الاتحاد السوفيتي الذي ساهم في الترويج لهذه السينما، وأصبحت الدولة تستحوذ على كل وسائل الإنتاج، بواسطة عدة مؤسسات ذات طابع رقابي وتجاري في نفس الوقت، وأصبحت السينما تسير وفق برنامج الحزب الشيوعي الألماني.

* سينما ألمانيا الغربية: في هذه الجهة من ألمانيا كان للإنتاج والتوزيع والعرض مهام منقسمة ومستقلة عن بعضها البعض، وأصبحت السياسة السينمائية في ألمانيا الغربية تتجه نحو محو آثار الحرب العالمية الثانية والنازية، والانفتاح أكثر على العالم الغربي بتصوير واقع الحياة الألمانية والجهود المبذولة من أجل إعادة بناء الوطن.

في هذه الفترة قام 26 مخرجاً شاباً بوضع بيان للسينما الألمانية أسموه: “بيان أوبرهاوزن”، طرح مواضيع علاقة الفرد بالمجتمع والحالة النفسية للجماعات والعلاقة بالسلطة، وأعلن من خلاله جيل جديد من السينمائيين 1962 نهاية سينما الآباء وبداية سينما جديدة في ألمانيا، كما تضمن مطالبتهم بالحريات والتحرر من التقاليد المهيمنة على صناعة السينما والضغوط التجارية.

إن الفجوة التي تفصل سينمائي المدرسة القديمة عن السينمائيين الشبان، ولم يكن معظمهم وقتذاك قد صنع أي فيلم روائي، تعبر عن الصراع بين جيلين، الأول كان شاهداً وخارجاً من سنوات النازية والحرب وإعادة البناء، في حين ولد الجيل الثاني أثناء الحرب وبدأ في الستينات سيره باتجاه القطيعة مع الواقعية التي قام آباؤهم بخلقها، فالهوة التي أحدثتها النازية في الثقافة السينمائية كانت بالغة الاتساع، بدأ السينمائيون الجدد بعدها دون معلمين ودون تقاليد سينمائية!

لم تنجح هذه المدرسة تجارياً، لكنها لاقت رواجاً لا بأس به عند محبي السينما والنوادي السينمائية في كل أنحاء العالم، لأن السينما الأمريكية كانت تستحوذ على 80% من دور العرض في ألمانيا، ولأن الإنتاج السينمائي الألماني أثبت قوته من حيث الكم والمضمون.

الموجة الجديدة الألمانية:

إنها السينما الملتزمة والمرافقة لأحداث 1968 وأهم مخرجي هذه المدرسة: راينر فاسبندر، فيم فندرز، وهرتزوغ وشولوندروف وبيتر هاندك اللذان يعود لهما الفضل في إخراج عدة أفلام نالت شهرة عالمية.

دخل الفيلم الألماني معركة المنافسة العالمية في ثمانينيات القرن الماضي بمساعدة قوية من الوكالة العالمية لدعم وتسويق الأفلام الألمانية، وذلك من خلال دعوة المنتجين والمسوقين الأجانب إلى ألمانيا لحضور العروض التمهيدية والافتتاحية لأحدث ما أنتجته السينما الألمانية في مدينة كولونيا كل عام.

السينما الألمانية منذ 1989:

بعد سقوط جدار برلين ظهر عدد من المخرجين الشباب من الضفتين الغربية والشرقية، سمّيوا “الموجة الجديدة” أو “مدرسة برلين”، وقد عرفت هذه المدرسة نجاحاً خارجياً وداخلياً وأبدعت في المزج بين تصوّرات المخرجين الفنية والنجاح التجاري.

عمل الفيلم الألماني “لولا تجري” 1998 للمخرج “توم تيكفير” على إيقاظ السينما الألمانية من سبات عميق. هذه الكوميديا التجريبية حول “لولا” ذات الشعر الأحمر، حول القدر والحب والصدفة، تلاءمت مع الشعور الجديد بالحياة الذي ساد في أواخر التسعينيات. السباق الجريء الذي عاشته “لولا” مع الزمن في مدينة برلين، تم فهمه في مختلف أرجاء العالم كتعبير عن عصر اللهاث وراء شؤون الحياة بدون هوادة. مع فيلم “لولا تجري” تمكن المخرج مع بطلة الفيلم “فرانكا بوتنته” من تحقيق نجاح عالمي باهر شكّل انطلاقة مرحلة جديدة للسينما الألمانية.

يرى العديد من المتابعين للساحة الفنية في ألمانيا بأن صناعة الأفلام الألمانية في الوقت الحالي تستعيد أيام فترتها الذهبية، التي تندرج في إطار نهضة يصنعها مخرجون موهوبون، لم يكونوا معروفين من قبل، يؤكدون حضوراً عالمياً مدهشاً. فهؤلاء يستطيعون الجمع من خلال أفلامهم بين الحرفية العالية والرؤية المبتكرة، فتتجه أنظار العالم باهتمام وفضول مجدداً نحو السينما الألمانية التي بدأت تحقق نجاحات عالمية من جديد: جائزة الأوسكار لفيلم “في لا مكان في أفريقيا” (كارولين لينك 2002)، والدب الذهبي في مهرجان برلين، البرلينالة لفيلم “ضد الجدار” (فاتح أكين، 2004). والذي يغادر فيه “دورسون” تركيا إلى ألمانيا من أجل العمل. وفي ألمانيا يترك زوجته الشابة “تورنا” حبيسة الشقة التي يسكناها بأحد العمائر العالية، وذلك بحجة حمايتها من التأثير السيء للثقافة الغربية. ولا تلقى رغبات “تورنا” في الخروج والاتصال بالبشر أي قبول لديه، فالأمر يتعلق نهاية المطاف بشرفه، وعلى المرأة التي تزوجت في الأناضول برجل أكبر منها بكثير أن تدفن حلمها بمزيد من الحرية في الوطن الجديد، فهي سجينة أربعين متراً مربعاً. ثم تأتي اللحظة التي يصاب فيها “دورسون” بنوبة صرع وهو يستحم، ويموت في ردهة البيت. لتجلس “تورنا” أمام جثته طويلاً، قبل أن تزيح الجثة وتغادر البيت.

*كاتب وناقد سينمائي سوري مقيم في الجزائر

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً للكاتب:

السينما الألمانية: معالجات جريئة للواقع والتاريخ ج1

المخرجة مي المصري: الجرح الفلسطيني سينمائياً

المخرجة السورية “سؤدد كعدان” تفوز بجائزة فينيسيا عن فيلمها: “يوم أضعت ظلّي”

الدراسات الفنية والمهنية في ألمانيا… فوائدها وسلبياتها

بالصور: أخبار 2018 عن أسفار وسياح وأماكن…