in

نصف الكوب: الغرب المنافق..!!

الغرب المنافق
الغرب المنافق

حنان جاد. كاتبة مصرية مقيمة في أمريكا
في تسعينيات القرن الماضي احتفى العالم الإسلامي بدخول الباحث الفرنسي روجيه غارودي إلى الإسلام. غيّر روجيه اسمه إلى رجاء. الاحتفاء لم يقتصر على الإسلاميين، إذ انضم القوميون العرب، وحتى الشيوعيون.

غارودي كان قد نشر للتو كتابه الأشهر (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) والذي بسببه حكمت عليه محكمة فرنسية بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وغرامة مالية؛ بتهمة إنكار الهولوكوست. من يومها ونحن نندد في كل مناسبة بالغرب المنافق، وباللوبي الصهيوني، وقانون إنكار الهولوكوست الذي يقمع حرية التعبير وحرية الفكر. اليوم، وبعد حادثة اغتيال المدرس الفرنسي وما تلاها يعاود المسلمون الحديث عن قانون إنكار الهولوكوست. هذه المرة ليس للمطالبة بإلغائه بسبب تعارضه مع مبدأ حرية التعبير، بل لمطالبة الغرب بتفصيل واحد مثله لمنع الناس من انتقاد الدين الإسلامي والنبي محمد. 

عاش غارودي حياةً حافلة بين الغرب المنافق والشرق المحتفي، انتقل من الكاثوليكية إلى البروتستانتية في صباه، ثم إلى الإلحاد في شبابه قبل أن يمن الله عليه بالإسلام. كان عضواً بارزاً في الحزب الشيوعي، (أمريكا طليعة الانحطاط) عنوان أحد كتبه، انحاز إلى القضية الفلسطينية. لم يتعرض إلى الفصل أو الإيقاف مثل أستاذ الجامعة المصري الذي قدم فيه طلابه مؤخراً تقريراً يتهمونه بازدراء الإسلام. وبالطبع لم تفرق المحكمة الفرنسية بينه وبين زوجته مثل نصر حامد أبو زيد، لم يضطر إلى مغادرة بلاده أو السير تحت حماية الشرطة بسبب اعتناقه الإسلام، ولم يقتل مثل فرج فودة. هذا لا يعني أنه تمتع بكافة حقوقه كمواطن فرنسي، لقد وجد الغرب المنافق دائماً طرقاً ملتوية لمعاقبة المختلفين مع نمط فكره منها تضييق سبل النشر وفرص العمل عليهم، بالنسبة لغارودي عوضته الحفاوة العربية بالنشر والترجمة والجوائز.

ينسب الغرب الإرهاب إلى الدين الإسلامي والدين منه براء، فليقرأوا كيف تعامل الرسول الكريم مع اليهودي الذي كان يضع القاذورات في طريقه متعمداً. ليقرأوا كيف ضربنا المثل وراء الآخر عبر التاريخ في التعايش. نحن ندين قتل الأبرياء بالطبع، لكن هل صحيفة شارل ايبدو بريئة من إهانة مقدساتنا؟ وهل إعادة نشر رسومها واستفزاز مشاعر المسلمين بحجة ما يسمى حرية التعبير عمل بريء؟

نحن لا نتحدث فقط عن مقدساتنا ومشاعرنا، نحن إنسانيون، ونطالب على لسان زعمائنا بعدم المساس بالأديان عموماً أو الإساءة إلى الأنبياء والمقدسات كلها. ولعل الغرب المنافق يقول لنا مثلاً لماذا تسخرون من شخصية الحاكم بأمر الله إذن وهو شخصية مقدسة عند 2 مليون درزي. لعله يطالبنا بمنع رواية الكاتب المغربي سالم حميش (مجنون الحكم)، أو فزورة سمير غانم التي صورت الحاكم بأمر الله كمختل عقلياً في أحد مواسم الفوازير في التسعينيات، لعله يطالبنا بإعادة طبع كتابه الذي أمر صلاح الدين الأيوبي بجمع نسخه ودعس عليها بآلات الدرس في المكان الذي سيعرف بعد ذلك باسم حي الدراسة، بل ربما تحت ذريعة حقوق الإنسان التي يحب الغرب أن يستخدمها للتدخل في شؤوننا يقرر أن يفتح ملف البهائيين، البعض منهم يعيش خارج السجون في بعض البلاد الإسلامية التي تتسامح مع وجودهم، لكن يمكن للغرب المنافق أن يستغل مطالبتنا باحترام الأديان ويطلب منا أن نسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية علناً، أو السماح لهم ببناء معبد!

ربما ينبغي أن نكون أكثر تحديداً. المشكلة إذا قلنا لهم نحن نقصد الأديان السماوية سيقولون هذه وجهة نظر، كل متدين يظن أن دينه قادم من السماء. ممكن كحل بديل أن نقول إننا سنركز مرحلياً على الأديان الأوسع انتشاراً، بحيث نستبعد الأقليات الدينية من مسألة احترام المقدسات، لنقل مثلاً أن النبي يجب أن يكون لديه مليار متابع على الأقل ليحظى بحماية القانون. هكذا سيخرج النبي موسى لكن لا بأس، أكيد سيتدخل اللوبي الصهيوني بقانون خاص لحمايته. لكن المشكلة الحقيقية التي ستواجهنا هي الهندوسية، مليار ومئتي ألف يقدسون البقرة. ماذا سنفعل؟! 

مشكلةٌ أخرى، ماذا لو طلب منا الغرب المنافق السماح بالتبشير بالمسيحية في بلادنا بحرية على غرار سماحهم لنا بالدعوة الإسلامية؟، ماذا لو طلب منا أن نقبل بدورنا ارتداد بعض المسلمين من ضعاف النفوس إلى المسيحية؟
لم يهتم الغرب المنافق عندما أصدر قانون إنكار الهولوكوست بضحايا المجازر الأخرى فلماذا علينا نحن أن نفكر بالأديان الأخرى! اليوم نكتشف حدوداً جديدة لقوتنا؛ المقاطعة، تلك التي لم نستخدمها لكي تسمح لنا الصين بإدخال مراقبين إلى معسكرات التربية والتأهيل التي تضع فيها الأقلية المسلمة، ولا ضد الهند لتطلعنا على ملف حقوق الأقلية المسلمة التي تتعرض لاضطهاد منظم، لكننا استخدمناها بنجاح لنمنع السخرية.

اقرأ/ي أيضاً للكاتبة:

نصف الكوب.. الرابط العجيب
نصف الكوب.. ما الذي سيحدث في نهاية أكتوبر ؟

إصابة محمد صلاح بفيروس كورونا

إصابة محمد صلاح بفيروس كورونا بعد أيام قليلة من حضوره حفل زفاف شقيقه

وفاة وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري

وفاة وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري وأحد أكبر مؤيدي حملة الأسد الدموية على المحتجين السلميين