in

لا أريد أن أكون رئيساً …!

العمل الفني: محمد خياطة
حسام قلعه جي. كاتب من سوريا

لأنّ مهنةَ الرئاسة مهنةٌ صعبة فقد آمنّا منذ الصغر أنّ بإمكان أيٍّ منّا أن يكون إلهاً له أتباعه ومريدوه على أن يكون رئيساً فهذا المطمح خارجٌ عن اليد والعقل والتخيل.

يقول أبي دوماً للسياسة أهلُها، أمي تستعيذ بالشيطان الرجيم إن ذُكر أمامها موضوع الرئاسة ولا تتحدث فيه أمّا مدرسي فقد كان يفتخر بي على الدوام كلما سألني عن طموحاتي المستقبلية، حينها أجبته باعتزاز ذاك الجواب الأبدي: لا أريد أن أكون رئيساً ، أثنى عليّ وابتسم واصفاً إيّايَ بالعاقل المنطقيّ وأمر كل التلاميذ ذوي الوجوه الباهتة بالتصفيق حتى احمرت أكفهم.

كلُنا مؤمنون بأنّ الرئاسة عمل لا يطاق.

أنا حرٌّ تماماً، أسهر حتّى وقت متأخر وأمشي في الطريق دون أن يرافقني رجال مضحكون تتدلّى أسلاك رفيعة من آذانهم ومؤخراتهم.

لست مجبراً على خوض الانتخابات الرئاسية المتعبة والتفكير بالمنافسين الافتراضيين، ولا تعنيني نتائج استطلاعات الرأي الأولية، كما لا يتوجّب عليّ إدلاء التصريحات وتوزيع الابتسامات البليدة أمام الكاميرات وإلقاء النكات الفجّة أثناء لقاء الرؤساء..

وجهي أقل صرامة مما يجب أن يكون عليه وجه قائد، ولا يصلح للصور الفوتوغرافية الملهمة، وجهي أكثر وداعةً ربّما، ولا يحمل تقاطيع الوجه القاسية المخصصة للرؤساء والملوك، وجهي لا يليق بنصب مهيب يوضع في الساحات العامة والحدائق حيث تحطّ عليه الغربان لتلقي عليه فضلاتها.

تحية العلم والمشي بهدوء أمام جوقة الشرف أمر مرهق بالنسبة لي، كما أنّ بطني الممتلئة بالغازات ستسبب لي الكثير من الإحراج في المؤتمرات الصحافية.

لن أكون مراقباً من أحد ولن أتجسس على أحد أبداً ولن أعد شعبي العظيم بالتدخل للمحافظة على سعر برميل النفط، لن أكون مجبراً على تحمل انتقادات الرأي العام بسبب إعلاني لحرب هنا أو هناك لا مبرر لها في الأصل.

أنا حرٌ تماماً قد أضع قدمي في بركة المياه الملأى بروث الطيور في الحديقة العامة، أستلقي على العشب الأخضر، أبتسم لكل الأقمار الصناعية المعلقة في السماء وأشير لها: ها أنا، ها هنا دون أن أخشى تحديد موقعي، أتناول البيتزا، أضيف إليها كمية الملح التي تناسبني، أدخّن ثلاثين سيجارة يومياً وعلبة إضافية على سبيل التغيير ولا أبالي بصحتي من أجل ولاية رئاسية جديدة.

أنا حرٌ تماماً أجلس مع العاطلين عن العمل في المقاهي وفي الساحات العامة، نتقاسم السجائر كمحاربين قدامى ونحن نثرثر عن السياسات الفاشلة للحكومات، وعندما يأخذني الحماس أدفع الحساب عن بقية الأصدقاء غير مكترث ببطني الخاوية.

أنا حرٌ تماماً أشتري بطاقة سينما لي وحدي وربما أنام في الفيلم إن كان خالياً من القبل والنساء، ولست مضطراً لأن يشتمّ مرافقي الضخم رائحة الأدرينالين في دمي.

حرٌ تماماً ألتقط صورة سيلفي مع امرأة لا أعرفها لأرسلها لها في عيد رأس السنة مع بطاقة بريدية مزينة بقلب أحمر. 

أنا مجرد لاجئ بسيط ولا أطمح في يوم أن أكون رئيساً .

مواد أخرى للكاتب:

الانفلونزا، الرصاص والسيدة آنّـا

هكذا شاركت أمي في الحرب…

بسكليتة كورس 83

جامعة برلين الحرة.. أوكسفورد ألمانيا في القرن العشرين

في ريال مدريد.. المسبب مجهول والضحية الجماهير