in

عن لقاء بلا موعد

نور فليحان

نور فليحان | معلّمة سورية، وطالبة ماجستير في مجال العمل الاجتماعي وحقوق الإنسان  

  1.  
  • من أعطاك الوردة؟ 
  • لا أحد، سرقتها.. 
  • لديك ابتسامة جميلة، لكن لماذا كنت تبتسمين للكتاب؟ 
  • وفى بطل الرواية بوعده لحبيبته. أليس من الجميل أن نفي بوعودنا؟ 
  • الأجمل ألا نقطعها، الحب الصادق لا يحتاج وعودا.. 

 متناسية الشجرة، أطلت يومها تأمل ورقة خضراء الّلون، أطرافها صفراء ممزقة بعض الشيء، كانت قد سقطت من الشجرة التي لجأت إلى ظلّها التماسا للهدوء والوحدة، واستعدادا لقراءة كتابي الذي رافقني وانتظرني لفترة طويلة على المقعد. دعتني الورقة إلى التفكير في الجمال الذي قد يسكن على حافة نافذة قديمة، في قلب صدفة على شاطئ، أمام عتبة باب قديم أو على سقف بيت يحتاج إلى الكثير من الترميم.. خبّأتها في كتابي ورحت أقرأ..  

جاءني صوته في اللحظة التي كنت أقلب فيها الصفحة بلهفة، يسألني إن كان بإمكانه أن يشاركني المقعد، أبتعد لأفسح له مجالا و أفكر في ملامحه المتعبة، إن كان جسده العجوز يتكئ على عكاز خشبي، فعلى أي شيء تتكئ روحه يا ترى؟ 

لم يستغرق الكثير من الوقت ليعرف أنّي لست أجنبية، تشي بي عناوين كتبي دائما.. 

 (2) 

  • هي المرة الأولى التي أراك فيها في حيّنا، أين هو بيتك؟ 
  • البيت الذي أسكن فيه بعيد، لكن “بيتي” قريب. 
  • لم أفهم..  
  • “لا شأن للجدران والأبواب يا ابنتي، بيتي الحقيقي هنا”. أجاب مشيرًا إلى قلبه. 

تركت كتابي، وبشغف طفلة لحكاية الجدة أصغيت لبوحه عن الرحيل و الغياب، عن الخوف من اليابسة والبحر، عن حرصه على شرب الشاي يوميا بنفس الوقت الذي اعتاد فيه أن يجلس على كرسي من القش أمام دكانه في حمص، يتشارك شرب الشاي والشكوى وبعض النميمة مع أصدقائه، يسرع بعدها ليعود إلى بيته الذي ما كان يطيق الابتعاد عنه، عن بيته أطال الحديث، موضحا بصوته المشتاق كيف لبعض البيوت أن تسكننا بدلا من أن نسكنها، اليوم لا يقوى على البقاء في غرفته الجديدة في برلين، لذا يجوب شوارع المدينة بحثا عن رائحة خبز غادر للتو فرنا يشبه فرن الحارة القديمة، أو أملا بسماع نداء يقول “تفضّل يا جار”، ويحدث في كل مرّة أنه لا يجد ما يبحث عنه، فيزيد الضغط على عكازه التي تحمل الآن وزن جسده والخيبة، ويمضي..  

في فترات الصمت تذكرت القصص العالمية، هانسل وغريتل ينثران قطع الخبز على الطريق في الغابة خشية أن يضلا طريق العودة إلى البيت، والأميرات لا يلتمسن الأمان إلا برؤية الكوخ الصغير الذي تبدأ من بعده الحكاية، سواء سكن فيه أقزام، دببة، أم عجوز وحيدة. 

في الأفلام، نترقب قبلة بين حبيبين عند عتبة باب البيت، أو في البيت الخشبي الصغير على شجرة في ارتفاعها تبدو كأنها تعانق السماء. 

في الطفولة، “بيت وبيت” هي لعبتنا، من الوسائد، من الشراشف النظيفة نبني بيوتا، ونعلم أن القصاص ليس بيسير، لكن لا نأبه فنحن نملك الآن بيتا!  

في الصفّ، البيوت أول ما يرسمه صغاري على ورقة بيضاء، هي لهم الأرض، يشيّدون البيت الذي يحاكي بيتا قد تهدّم ويشبه بيتا لم يحصلوا عليه بعد..   

في الأغنية، فيروز تحكي عن بيت “ستّا الختيارة”، تحلم ب “بيت صغير بكندا”، وبصوتها تغني أمنيتي عن أبعد بيت في قلب الثلج و الضباب، لم أحب الثلج يوما، ربما فقط في هذه الأغنية، أحبه  السحر الذي  يسكن لحظة انطفاء القنديل، قد أنسى عندها خوفي من البرد، وقد تروق لي تلك العتمة، فربما استرقت مني قبلة.. أو راقصتني.. أو قد أكتفي بيقيني أنك لن ترحل ..أتعلم أي جمال هو أن تبقى؟
و ربما لاستحالة الأمر، كان من الضروري أن تنتهي الأغنية بـ: “يا ريت …” 

في الغربة، ربما نحن لا نحب البيوت بل نحب ما نرسمه في ذهننا عنها، نصنع وطننا الصغير خلف الأبواب المغلقة، ونفرح بوردة على الشباك لأنها تشبه وردة جوريّة، بسطاء نحن في خيالنا، نضحك حين نتساءل إن كان من الممكن أن تكون هذه السطوح مكانا ملائما لنصنع المربى أو لنجفف التين.. نحب بيتا لا نسكنه، لأنه يشبه بيتا يسكن في الذاكرة، وتغرينا حديقة بيت آخر، لأننا نعشق حاكورة بيتنا القديم. 

 (3) 

  • تحب ابنتي القراءة أيضا، هل أنت متزوجة؟ 
  • لا يا عم.. 
  • ستخلقين من جديد لحظة احتضانك لطفلك، ستنهار حروبك في إخفاء هشاشتك  

 في حكايتي، سماء برلين في جعبتها الكثير من الدموع، يودعني العم و يتركني على المقعد وحيدة، أحتضن كتابي وأعود في ذاكرتي إلى الأرجوحة الخشبية، تحت ظل شجرة التفاح وغيمة من الياسمين في بيت جدّي، أتأرجح بين الأمس واليوم،  العم يبتعد، وأنا كما المطر.. أنهمر ..  

EXILLITERATUR, Lieben vor und nach der Haft

إياك والرقص في السعودية