in

رسالة من الأهل . . من الوطن

عبود سعيد *

بسم الله الرحمن الرحيم تحية وبعد. .

تعرفنا لا نحب هذه المقدمات، لكنك الآن في ألمانيا، وأخشى أن تقرأ هذه الرسالة أمام أصدقائك، وقد يحرجك أن نقول لك: مشتاقينلك يا ابن الحرام.
نرسل لك أشواقنا بالأبيض والأسود بحكم المرحلة، فالألوان محرمة عندنا. نحن بخير، لا جديد، حركة الليل والنهار مملة، وبقرة عمتك ماتت، لذلك لا جبنة هذه السنة.
خزانتك على حالها، لكن محمد ارتدى كل جواربك التي تركتها، وطبعاً ثقبها كلها. اشترينا الكثير من الجيلاتين الأبيض الشفاف، ليس من أجل أن نغلف الكتب، بل لنضعها بدل الزجاج المحطم. أختك أنجبت طفلة، كدنا أن نسميها درعا أو جرجناز، لكن أمي (أمك) امتعضت من كل الثورة واعتبرت أن هذا إجحافاً بحقها، فما كان أمامنا إلا أن نسميها على اسمها، فالثورة تحت أقدام الأمهات كما تعلم.

نتابع أخبار المونديال ونتمنى أن يخسر الجميع. جارنا الكذاب عادل ما زال يذهب إلى الصلاة الساعة الخامسة صباحاً، وازدادت ملاحظاته عن الثورة لدرجة أنه صار يقول: هذه المؤامرة مذكورة في القرآن.
أبو ياسين بياع الخضار، أتذكره؟، تقدم لخطبة أختك سوسن لكن سوسن اعترضت ولم توافق، تطمح بأن ترسل لها أنت لم شمل، فتذهب إلى ألمانيا وتخلع النقاب، تصبغ شعرها، وتصبح لاجئة.
ساعة الحائط التي علقتها أنت في الصالون، تحت السقف مباشرة، توقفت منذ أشهر، تحتاج إلى تبديل بطارية لكنها أعلى من الموعد، وأعلى من الانتظار وأعلى من الأشواق، كلما حاول أحد إخوتك أن يستعين بأكتاف الآخر ليصل إليها يصرخ الثاني في وجهه ممنّناً: شو بدك تطلع عكتافي كمان؟ فيحدث شجار ولا يصل أحد إلى الساعة.

لا جديد تحت الشمس، على الأقل شمسنا، أمي اشترت الكثير من الكرز، تريد أن تصنع منه المربى وترسله لك، وأخوك محمد يصرخ: كرز أقل يا أمي كرز أقل! ساحة الحرية، أتذكرها؟ أصبحت ساحة للإعدام، وابن أخيك سعيد انحصر مرة في الطريق وتبول في منتصفها.
رجعت إلى أولاد الحارة عادة اللعب بالسيوف الخشبية، وهم يصرخون: جوارح! جوارح! وأحيانا: روافض! روافض! وضعت أمي صورتك على الخزانة في برواز على شكل قلب حب، وأخفت كل أعلام الجيش الحر. على كل حال اطمئن، الأحلام ما زالت على حالها، رغماً عن أنف شرشبيل وفتيان النينجا.
لك التحية والسلام عائلتك الكريمة جداً.

ملاحظة: أرسل لنا 200 يورو بأسرع وقت ممكن لنشتري حلويات العيد، ولا تنسى! حذاء إيطالي وبوكليس لزوج أختك، وكمبيوتر وطيارة لأولاد أخيك، ومكياج من ماركة Mac لسوسن، وهاتف ذكي لأخوك يوسف، وأخوك محمود يقول لك لا تنسى الأمانة اللي وصيتك عليها (حبوب الفياغرا) خليهن أصليات على كيف كيفك.

* عبود سعيد : كاتب من سوريا.

اقرأ أيضاً للكاتب عبود سعيد :

إهداء إلى الشوايا

100 سبب يجعلني أحب برلين

أليكس في بلاد العجائب

الصندوق الأسود المفقود

تراجع غير مسبوق في شعبية أقدم حزب ألماني؛ “الاشتراكي الديمقراطي”

حارتنا ضيقة يا سيدة أنغيلا ميركل