in

افتتاحية العدد 33 من أبواب: تبادل ثقافي أم حرب مضمرة؟!

روزا ياسين حسن*

لأسباب مختلفة يطول الخوض فيها، يحاول عديد الباحثين اليوم مقارنة ظاهرة الإسلاموفوبيا، والعداء المتصاعد في الغرب ضد القادمين الجدد من الدول العربية، بما حصل قبلاً مع اليهود في ألمانيا العهد النازي.

فالباحث الألماني فولفغانغ بنتس Wolfgang Benz مثلاً يشير إلى أوجه تشابه هيكلية بين معاداة السامية أواخر القرن التاسع عشر وانتقاد الإسلام مطلع القرن الحالي، بما فيها تمظهرات الهلع الذي عاشه ويعيشه جزء من الألمان في مواجهة ما يسمّونه “الخطر الكبير” الذي يتهدّد حيواتهم، والمتمثّل بقدوم (اللاجئين) إلى بلدانهم.

لكن ثمة فرق شاسع بين الحالتين باعتقادي، فبالإضافة إلى التباين الحضاري بين الزمنين، ووجود أصوات عقلانية ورادعة اليوم لكثير من التصرفات العنصرية ضد (اللاجئين)، فقد طُبّق على اليهود عنف مباشر طال الحديث فيه، فيما يواجه القادمون الجدد عنفاً رمزياً مبطناً، أساسه الخوف منهم! فحالة جهل الآخر أهم مسببات الخوف منه. هذا الجهل تستغله وسائل الإعلام اليمينية، كما تستغله جهات أخرى، لتسويق الدعوات العنصرية ضد اللاجئين، تماماً كما تستغل الأزمات الاقتصادية والسياسية لتغذّي حالة قطيعية عند جزء من الألمان بحجة أن القادمين الجدد سيغيرون نمط الحياة والثقافة الأوروبية.

الحالة نفسها تتفاعل في الجانب الآخر بين القادمين الجدد، فيتمّ تكريس إيديولوجيا المؤامرة، كما تكريس الألمان كتلة واحدة رافضة لـ(اللاجئين)، مهدّدة لخصوصياتهم الثقافية والدينية، بدون تمييز وفهم بتنوع واختلاف الثقافة الألمانية.

يتحمّل الإنتماء الضيق والأحادي جزءاً كبيراً من المسؤولية عن سوء الفهم المتبادل بين الثقافتين الألمانية والعربية، حين يتمترس كل طرف وراء انتماءاته الأحادية، ويجعل الآخر شيطاناً ينبغي معاداته لحفظ هذه الانتماءات. سوء الفهم هذا لا يسمح بأي تبادل منفعي بين هاتين الثقافتين! فالتعدد والغنى الثقافي مناقض للانتماءات الضيقة، يعني أن نكون منفتحين على الآخر وثقافته قابلين للتعلّم منه وتعليمه، وبالتالي قابلين لتوسيع انتماءاتنا باتجاهات أكثر تعدداً.

التقوقع والأحكام المسبقة من قبل بعض اللاجئين تجاه الألمان تشبه ما يفعله بعض الألمان بالنظر إلى القادمين الجدد ككتلة واحدة مغلقة مرعبة، فالأفعال تنتج ردود أفعال، وردود الأفعال تنتج ردوداً أخرى وهكذا، يتحوّل العيش المشترك إلى ما يشبه حرباً ثقافية مضمرة تمنع التمازج والتبادل الإيجابي بين الثقافات المتعددة في بلد متعدّد الثقافات كألمانيا، وتهدّد بحالة من التوتر والعداء تشبه تاريخاً مشيناً يحاول الألمان منذ سبعين عاماً محوه من ذاكرتهم.

*روزا ياسين حسن. روائية سورية مقيمة في ألمانيا

اقرأ/ي أيضاً:

افتتاحية العدد 32 من أبواب: ملف اللجوء.. ملجأً الحكومات!..

افتتاحية العدد 31 من أبواب: “فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ”.. لاجئ في دائرة الشبهات

افتتاحية العدد 30 من أبواب: تساؤلات المنفى والوطن

تقرأون في العدد 33 من أبواب عن التبادل الثقافي في ألمانيا ومواد أخرى متنوعة

العمالة المتخصصة في ألمانيا: أكثر من نصف الشركات تعاني من نقص العمال المهرة

قانون الهجرة الجديد في ألمانيا: هل سيتمكن من سد نقص العمالة أم أنه تخبط آخر للحكومة؟