in ,

كنان العظمة: أفضل التفاعل على الاندماج

حوار: وسيم مقداد

قدّم عازف الكلارينيت والمؤلف الموسيقي السوري كنان العظمة حفلتين متتاليتين الشهر الماضي في العاصمة الألمانية برلين ضمن فعاليات “معهد غوتة دمشق في المهجر”. في هذه المناسبة، التقت أبواب بكنان العظمة الذي انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2000 والحاصل على دكتوراه في الموسيقى من جامعة نيويورك، وكان معه الحوار التالي: 

بدأ كنان بعزف الموسيقى في عمر الخمس سنوات، حين كان يرافق شقيقته التي تكبره بثلاث سنوات إلى دروس الأوكورديون والصولفيج، ثم بدأ دراسته وتخصصه في آلة الكلارينيت عندما كان في السابعة في المعهد العربي للموسيقا بدمشق (حاليًا معهد صلحي الوادي) مع الأستاذ شكري شوقي، ودرس الصولفيج مع الأساتذة خضر جنيد وإلهام أبو السعود. بعدها درس في المعهد العالي للموسيقا بدمشق بين عامي 1993 – 1998 بالتزامن مع دراسته في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية 1993 – 1999 باختصاص إلكترونيات قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة.

مشاريع موسيقية

لم ينقطع كنان عن زيارة سوريا بعد انتقاله إلى أمريكا إلّا بعد العام 2012، “لأنني اخترت آنذاك ألا أتحول إلى مغترب” يقول كنان، ولذلك فإننا لا يمكننا أن نتحدث عن مرحلة ما قبل انتقاله أو ما بعدها، فهي واحدة ومتصلة: “بدأ مشروعي مبكرًا كعازف في أوركسترا الأطفال الرديفة للأوركسترا السيمفونية الوطنية ، ثم في الأوركسترا الأساسية بقيادة المايسترو صلحي الوادي، كما شاركت مرات عديدة كعازف منفرد (صولو) في كونشيرتوات كلارينيت بمرافقة الأوركسترا بالإضافة لتقديم العديد من حفلات موسيقا الحجرة وحفلات كلارينيت بمرافقة بيانو”.

من المشاريع التي عمل عليها أيضًا: مشروع “حوار” مع المغنية ديمة أورشو وعازف العود عصام رافع يتابع كنان: “بدأنا في تموز عام 2000 في بيت عربي بمنطقة جرمانا، وأول حفلة رسمية لحوار كانت في أيلول عام 2003 في كنيسة الزيتون بدمشق القديمة”.

أما حاليًا، فيعمل كنان على مشاريع كثيرة بالإضافة إلى حوار والأوركسترا كعازف فيها أو كمؤلف وعازف منفرد، مثل مشروعه “مع عازف بيانو دينوك ويجراتنة Dinuk Wijaratne من سيريلانكا حيث نعزف موسيقا من تأليفنا، هناك مشروع موسيقي آخر هو “كنان العظمة سيتي باند” الذي قدم حفلة مؤخرًا في برلين ضمن فعاليات معهد غوتة دمشق في المنفى، وهذا المشروع بدأ من نيويورك ويحمل كلّ ما تحمله هذه المدينة من تنوع موسيقي، بالإضافة إلى ذلك، هناك مشروع آخر أعمل عليه مع الرسام كيفورك مراد هو “الوطن داخلاً The Home Within” منذ آذار 2012 وهو استمرار لمشروع كبير بدأناه سوية على ملحمة جلجامش منذ 2003 وفيه مزج بين موسيقى الكلارينيت الحية والإلكترونية ومزجها مع الرسم الحي والمسجل، وقدمناه أيضًا في برلين ضمن الاحتفالية ذاتها”.

 كنان العظمة: لا وجود لمشروع فردي

يقول كنان العظمة: “بتصوري لا وجود لمشروع فردي، فالموسيقي بحاجة للتعاون مع الآخرين دائمًا، فبمجرد العزف أمام جمهور، أنت تتعاون مع كل فرد من هذا الجمهور، برأيي أن كل المشاريع جماعية في الجوهر، والمشروع الناجح عليه أن يعطي مساحة لكل فرد ليكون حر الحركة وتظهر فرادته ضمن المجموع. أنا أتعلّم من تجربتي ضمن المجموعة، ومن تجربتي كعازف منفرد”

تفاعل أم اندماج؟

يفضل كنان العظمة مصطلح التفاعل على الاندماج: “لأنه يوحي بالتعاون بين المكونات من دون طغيان أحدها على الآخر. الاندماج يوحي إلي بأنك مطالب بعدم ظهور فرديتك، بينما بالتفاعل، أنت حرّ بالتعبير عن هويتك الفردية الموسيقية مثلاً في أي وسط بديناميكية من دون الخوف من عدم القبول من الطرف الآخر. يمكنني القول إن التفاعل يجعل كل فرد فاعلاً ومتفاعلاً في آن معًا، وهو أرقى أشكال الاندماج”. يقول كنان، ويتابع: “حين أعزف الكلارينيت كعضو في الأوركسترا وليس كصولو، ينبغي على صوت آلتي أن يندمج بالصوت العام للأوركسترا، ولكن ليتحقق ذلك، علي أن أكون فاعلاً قادرًا على التعبير عن رأيي بما أعزفه بما يتناسب مع أداء الأوركسترا الإجمالي وفي ذلك تفاعل حقيقي وفوري في آن معًا”.

with-syrian-expat-philharmonic-in-berlin-konzerthause-by-mahmoud-abo-baker

 العظمة: أنا لا أعمل مع ديمة أورشو لأنها مغنية سورية، بل لأنها مغنية عظيمة.

مع قدوم السوريين إلى ألمانيا، ظهرت مشاريع موسيقية متعددة الجنسيات يتعاون فيها موسيقيون سوريون مع موسيقيين آخرين، يعلّق كنان على ذلك: “أنا سعيد للغاية لوجود مشاريع سورية موسيقية متعددة، هذا أمر إيجابي، فمنذ ست سنوات لم يكن هناك حضور موسيقي كبير للموسيقيين السوريين في أوروبا. كذلك في أمريكا عندما كنت أقدم حفلات في مدن أمريكية صغيرة لم يكن الجمهور يعرف أين تقع سوريا؛ الآن تغير كل هذا” ويشير كنان العظمة أن هذه النقطة لها جانب آخر يجب الانتباه إليه: “كثير من المهرجانات والفعاليات الموسيقية تبدي رغبة متزايدة بتواجد موسيقيين سوريين هذا يضع الموسيقي السوري تحت ضغط التحدي، ويتوجب عليه هنا أن يحافظ على توازنه وجديته وتطوير أدواته، وألا يتم استغلال هذا الاهتمام دون مراعاة الجودة والنوعية”.

يرى كنان أن “المشروع الموسيقي الناجح يفرض وجوده، بغض النظر عن العناصر التي تشكله، وأن اختيار الموسيقيين في المشاريع التعاونية لا يجب أن يكون على أساس عاطفي أو على أساس انتماء هذا الشخص، بل يجب النظر أولاً وأخيرًا إلى مستوى الأداء. أنا لا أعمل مع ديمة أورشو لأنها مغنية سورية، بل لأنها مغنية عظيمة، وحين أختار العزف مع موسيقيين آخرين يكون ذلك انطلاقًا من اشتراكي معهم برؤى موسيقية”.

كنان العظمة: الحفاظ على التراث يأتي من التجريب فيه

مع هذا التهجير للشعب السوري، هناك سؤال كبير عن الخسارات التي تضاف إلى جبال الخسارات التي حدثت، هل هناك خطر على التراث والأصالة؟ بعض الفنانين يفضلون ألا يخلطوا بين الفنون لكي يحافظوا على التراث والهوية، كيف يرى كنان ذلك؟

يجيب كنان: “أنا لا أؤمن بصفاء أي تراث، لكنني أؤمن بالحفاظ على إرث موسيقي وثقافي عن طريق تعلّمه والتجريب فيه، وهي الطريقة الوحيدة ليبقى هذا الإرث حيًا، وبالتالي تطرأ عليه بعض التغييرات والإضافات التي من الممكن أن تغنيه. التنوع الحاصل في الطيف الموسيقي السوري من التراث إلى التجديد هو ما يخدم استمرارية حالة موسيقية سورية بشكل أو بآخر. ولا يمكننا إغفال أن الموسيقى السورية بالأصل هي مزيج لعدة أنواع من الموسيقى، من السريانية، العربية، الكردية وغيرها. وتواجد هذه العناصر مجتمعة هو إغناء للعمل. الخطر برأيي أن هناك أعمالاً وقطعًا وأغانٍ وأرشيفًا موسيقيًا كبيرًا لشعوب تعرضت للتهجير قد اختفى، وهذا شيء مخيف بالتأكيد، ولكن الحفاظ على التاريخ لا يعني أن تقتصر بعملك على تقديم هذا التاريخ بل عليك أن تجرّب فيه، فهو مصدر أساسي للمعلومات، لكنه ليس المصدر الوحيد وقد يتعرض للضياع للأسف”.

إذًا، هل يمكن القول إن كنان متفائل؟

“أحاول النظر للأمور بتفاؤل، لكن بالنظر مليًا لما يحدث، لا يمكن إنكار أن هناك إرثاً يتعرض للانقراض، ومهما حاولنا أن نكون إيجابيين إلا أن هناك أشياء ستختفي. هذا يحزنني كثيرًا ولا أحب الاعتراف به، ولكنه حقيقي، ولكن بالمقابل ليست المحافظة على التراث هي بعدم تجريب أشياء أخرى.

الحرب خدعة.. يا خديجة!

تطبيق بيروكريزي .. وتحدي البيروقراطية الألمانية