in ,

“تواصل العيون”.. ما بين مخيم الزعتري وهذا العالم

أمام لوحة بلونين اثنين فقط هما الأزرق الداكن والأزرق الحبري “هذه اللوحة لطفلة سورية، وهذا كل ما شاهدته الطفلة في السفينة عندما ركبوا البحر هرباً من الحرب.” على الحائط كانت اللوحات حيّة والبحر طازجاً والهروب طازجاً والرحيل والضحك والأمل طازج.

المعرض نتاج عمل سنة كاملة مع الأطفال في مركز الإيواء، بعضهم بقيَ يوماً واحداً وبعضهم بقي أشهراً. لم ينقطع الفنان العراقي محمد الأحمد عن الرسم مع مئات الأطفال، فكر لو أنه يستطيع عرض هذه اللوحات بملصقات على الجدران، أو يوزعها على شوارع المدينة، ولكن بعد الكثير من الطلبات والإجراءات البيروقراطية والملصقات الإعلانية المخصصة للسياسيين “لم نرغب بلصقها بطرق غير قانونية” قال الأحمد.. اللوحات أخذت مكانها في واحد من أهم المتاحف في ألمانيا، متحف لودفيك فوريوم في آخن.

ألم يخفّ اهتمام الجمهور الألماني بقضية المهجرين الهاربين؟

“أبداً.. لم يفقد الشعب الألماني اهتمامه بالقضايا الإنسانية بل عندما عرضتُ في مدينة زولم  طلبت مني مدينة أخرى استضافة المعرض هناك، ثم مدينة ثالثة، وهكذا!” هكذا أجاب الفنان منار بلال عن هذا التساؤل.

إلى جانب رسومات الأطفال صور فوتوغرافية للفنان بلال “هذه رؤى وهذا آدم وهذا أحمد؛ رؤى كان عمرها خمس سنوات عندما جاءت لمخيم الزعتري والآن هي في الحادية عشر من عمرها، لا تزال تحت خيمة اللجوء. سألت مرة طفلاً من أين أنت أجابني أنا من مخيم الزعتري، على المخيم أن لا يكون هوية، هؤلاء الأطفال سوريون، علينا أن نذكرهم أن بلدهم هي سوريا”

عمل منار بلال في مخيم الزعتري لأربع سنوات، مدة إقامته في الأردن. يعرف الأطفال جيداً ويعرفونه. استطاع أن يوثق لحظات حميمة مع الأطفال، وللحظة حزينة تنسى أنك أمام شخوص هاربة ومنتشرة في خيم، أرقام في لوائح الأمم المتحدة، مقيمين في مكان لا يمنحهم الخصوصية أو الأمان أو فرصة للتعلم أو الحياة الكريمة.

“هناك أكثر من مئة وستين ألف مقيم في الزعتري وأربع مدارس فقط، في الصف الواحد يجتمع من أربعين حتى ستين طفلاً. بعض الأطفال يقومون بتأجيل المدرسة لسنة قادمة بينما يعملون. وكأن الزمن غير مهم” يقول منار بلال الذي قدم مشروعه الفوتوغرافي تحت عنوان ” آمال عظيمة” وعرضه في نيويورك وباريس ولندن وفي كولن ومدن ألمانية عدة.

هل مهم الآن أن نطرح هذه الصور مع تهديد اليمين باستلام السلطة في الاتحاد الأوروبي؟

ما يهم فعلاً هو القضية الإنسانية بغض النظر عن الحالة السياسية. لا يزال مخيم الزعتري كما مخيمات اللجوء في لبنان وغيرها جراحاً مفتوحة. انظري إلى الأطفال، من حقهم الضحك واللعب والفرح، من حقهم الأمان والانتماء والاستقرار! يقول بلال.

“يبدو الفرح في عيون الأطفال ووجوههم النقية، رغم خلفيات الصور من الأرض المغبرة والمناظر القاحلة” يقول أحد الحضور بعد صمتٍ طويلٍ وهو يتأمل الصور.

توجهنا للسيد جبار عبدلله منظم المعرض بالتعاون مع Mirjam Knapp. هل تم اختيار موضوع “مخيم الزعتري” والأطفال الهارين على خلفية اقتراب الانتخابات وتهديد اليمين؟

بل كان الدافع هو الحالة الإنسانية، والقيمة الفنية. لن نرضى تحت اسم مهجرين أو هاربين أن نقدم سوية فنية لا تليق بالمتاحف. واجهنا صعوبات لكون المتاحف ترسم خططها قبل سنوات لذا قررنا إنجاز المشروع بأنفسنا واتصلنا بمنار الذي ينجز مشروعه ويعرضه في أماكن مختلفة في العالم. وبالتنسيق مع مريم وزافينا وآخرين.

عن مكان المعرض يقول جبار عبدلله: هذا المركز كان إطفائية قديمة ومن ثم تحول لمركز ثقافي. في هذه القاعة  أطلقنا مشروعنا عام  1216 وهي من القاعات المشهورة في مدينة كولن واستغرق تجديدها عاماً كاملاً. كان من الصعب الحصول عليها لولا الجهات الداعمة التي تؤمن بنا، ولولا القضية التي نؤمن بها والسوية الفنية العالية التي نحرص على تقديمها احتراماً لجمهورنا.

هناك جهات مختلفة داعمة للمشروع منظمة الجيران الجدد منذ البداية كانوا معنا، ومكتب كولن الثقافي ومركز الإطفائية القديمة الثقافي، وبصورة خاصة شركة مونيغرام- MoneyGram التي لا تتوانى عن دعمها غير المشروط لنا.

مونيغرام- MoneyGram ترعى الكثير من النشاطات الخاصة بالهاربين من الحرب والقادمين إلى ألمانيا، كدعم دورات اللغة الألمانية وهاك الدليل اللغوي بمختلف لغات اللجوء ودعم الأنشطة الرياضية، السنة الماضية قاموا بدعم كأس الأمم بمشاركة لاعبين من اللاجئين.

كان الحضور كثيفاً، وبدا متفاعلاً مع العرض الذي ترافق ترافق مع أمسية موسيقية جميلة وممتعة على الفيونسيل للفنان أثيل حمدان الذي عمل في دار أوبرا وباليه أوديسا لمدة ثلاث سنوات وبعدها أستاذاً في المعهد العربي للموسيقى والمعهد العالي للموسيقى.

إضافةً إلى عرض فيلم وثائقي عن مخيم الزعتري: مدينة عشوائية من صفيح وقماش، ودكاكين صنعت سريعاً من طاولات مكسرة وأقمشة خيم، على أرض من غبار وطين.

المعرض مفتوح للزائرين كل يوم من الساعة الثانية ظهراً وحتى الثامنة مساءً. والدخول مجاني.

المكان  Alte Feuerwache Köln / Halle

اقرأ/ي أيضاً:

أطفال الزعتري في معرض “تواصل العيون” في مدينة كولن الألمانية

أكثر من عشرين فنّان سوري في معرض “سوريا الفن والهروب” في كولونيا

سوريا.. الفن والهروب، اليوم في فرانكفورت والدعوة عامة

لم يكن سهم الحب ما أصاب قلبه… بل سهم حقيقي

جهاز يقرأ مشاعرك من خلال نبرة صوتك.. ويمكن ارتداؤه كساعة