in

النسوية السورية.. صراع وجود لإثبات الوجود

العمل الفني: محمد خياطة
خولة دنيا. كاتبة وناشطة سورية مقيمة في تركيا

في تناولنا للحركة النسوية السورية هناك الكثير مما كان يقال، وما يمكن قوله اليوم. فكثير من الباحثات النسويات السوريات يرجعن الحركة النسوية في موجتها الأولى إلى أواخر القرن الثامن عشر، بالتزامن مع بداية الوعي العالمي بحقوق النساء وضرورة النضال لإلغاء التمييز ضدهن.

وفي هذا الصدد يذكرن الكثير مما تمَّ في حينه متزامناً مع النهضة الثقافية في مصر ولبنان وسوريا، ومرتبطاً بأسماء نساء ورجال رياديات/يون مطالبات/ين بالحقوق الأساسية للنساء كحق التصويت والتعليم. ويمكن أن نتذكر هنا أسماء سيدات متميزات مثل مريانا مرّاش وماري عجمي وعادلة بيهم الجزائري اللواتي انشأن صالونات أدبية ومجلات وجمعيات تنادي بحقوق النساء، وشاركن في الحياة العامة وأسسن لحراك اجتماعي وثوري ونسوي، كما كنَّ جزءاً من الحراك السياسي السوري بكل جوانبه في تلك الحقبة.

حصلت المرأة السورية على حق التصويت في العام 1953، وانفتحت على التعليم والعمل، غير أن انقلاب 1963، ومجيء حزب البعث إلى السلطة، وبدء الديكتاتورية التي ألغت الحياة المدنية في المجتمع واحتكرت العمل المدني والنقابي، كرّست على مدى سنوات أشكالاً للتحكم بكل الفضاء العام ومن ضمنه عمل النقابات، وهو ما شمل الحركة النسوية، فتحولت إلى جهة رسمية تنطق باسم الحزب وتحت مسمى اتحاد نسائي، لتصبح الحركة مقتصرةً على القلّة المثقفة والمهتمة والمقموعة كذلك. وليقوض ذلك جهود النسويات ونضالاتهن الطويلة وليمنع تشكّل وبروز حركة نسوية جديدة مماثلة لما تمَّ في أوروبا في الستينات.

وعليه يمكننا القول أن ثورة السوريين في 2011، هي من فتحت الباب مجدداً للحركة النسوية السورية للظهور، فالمشاركة الواسعة للنساء وتحررهن من سلطة الديكتاتورية من خلال انضمامهن للثورة، كما تحررهن من القيود الاجتماعية والأبوية (وهو ما شمل الفئات الأوسع من النساء السوريات على مختلف مواقفهن السياسية)، كان يتكرس على مدار السنوات التالية، مترافقاً بوعي جديد بالحقوق، وتعرّف شرائح واسعة من النساء إن على المستوى الشعبي أو على مستوى خريجات المعاهد والجامعات، على أنماط أخرى للتفكير والعمل وعلى نضالات تخص النساء كنساء، وضرورة أن تكون الثورة ليس فقط على النظام الديكتاتوري بل وعلى كل ما كرّسه وعمّقه في المجتمع السوري اجتماعياً وثقافياً على مدار عقود.

اليوم يمكننا القول أن هناك حركة نسوية جديدة على الساحة السورية، ولدت من رحم الثورة، تناضل من أجل إثبات وجودها وتفردها واختلافها مطلبياً على صعيد حقوق المرأة، وتتوافق مع النضالات من أجل الحرية والديمقراطية لأنه بدون تحقيق ذلك لا يمكن أن يكون هناك حقوقاً ليس فقط للنساء وإنما لجميع الفئات المهمشة في المجتمع.

وإلى جانب الجمعيات النسائية التي انتشرت كالفطر من أجل تغطية الاحتياجات الأساسية والتي تناضل في أصعب الظروف لاستمرارها وتقديم خدماتها للنساء المتضررات، هناك حراك على المستوى السياسي لعل الحركة السياسية النسوية السورية ممثلة له باعتبارها تضم نساء من مختلف التيارات السياسية والخلفيات الاجتماعية والاثنية والطائفية، يناضلن من أجل تضمين النساء في جميع المحافل السياسية والمفاوضات وكتابة الدستور أي أن يضمن حقوق المرأة السورية في مستقبل سوريا.

فلا يغيب عن ذهن أحد أن الرجال سواء كانوا منتصرين أو مهزومين لن يفكروا سوى بمصالحهم فقط بعيداً عن مصالح النساء. وهو ما أجبر النظام السوري كذلك وليستفيد من ورقة النساء لتحسين صورته عالمياً ليقدم تنازلات شملت تغييرات قانونية، كما شملت تضميناً للنساء في وفوده التفاوضية ولجانه الدستورية.

اليوم هناك شبكات واسعة تضم منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة، تمتد على كامل خارطة سوريا، ودول اللجوء.

كما اليوم ومع موجات اللجوء الواسعة تتعرف النساء على أنماط أخرى من الحريات والحقوق والقوانين، لا بدّ أن يحملنها مستقبلاً إلى مجتمعاتهن وعائلاتهن ويساهمن في التغيير.

اليوم لم تعدّ الحركة النسوية (حركة بدون بركة) كما يقول المثل السوري، ولكنها حراك حقيقي وتغيير حقيقي نلمسه كتغيرات صغيرة قد تكون مؤلمة في تفاصيلها اليومية، ولكن ستترك أثراً عميقاً وتغيراً حقيقياً على مستقبل النساء السوريات وما يناضلن من أجل تثبيته وتكريسه في المجتمع والقوانين والدستور.

اقرأ/ي أيضاً:

الحركة السياسية النسوية: عام التأسيس حضور سياسي لافت ومشاركة رجالية فعّالة

إحداث فرق: قيادات نسائية عربية ملهمة

مؤسسة النقل العام في برلين تطلق حملة إعلامية للانضمام إلى قائمة التراث العالمي!

“تاكومي مينامينو”.. الصفقة التي ستخلّد “كلوب” في ليفربول