in

الكاتب أنور السباعي: لولا “هموم الدعوة” لدخلت عالم الرواية مبكراً

حاوره طارق عزيزة.  كاتب سوري من أسرة أبواب

ماذا أردت من روايتك “الأعراف، برزخ بين جنتين” التي صُنّفت ضمن “الكتب المحرمة” وصودرت في عدّة بلدان عربية؟

  • الأعراف هي الانسان، الأرض العصيّة على التصنيف، المؤمن والكافر فيها سواء. تحتويك بشرط واحد، أن تكون إنساناً، يخطو بتعثّر يتكلّم بتلعثم، يمارس الرذيلة ويتصدق على فقير، وفي قمة سعادته يبكي لحزن إنسان آخر في مجاهل الكون.

راودتني الفكرة حين كنت أعيش الحالة الإسلامية بكل طوباويتها وأحلامها المقدّسة، وأردت رسم صورة رجل الدين الذي لايعرفه الناس، ذلك الذي تصنعه أجهزة الأمن كما يصنع الروائي شخصيته الروائية. وحاولت تقديم إجابات غير معهودة للأسئلة المطروحة ومنها سؤال المصير، فهو ليس بتلك الصلابة التي يظنها بعضهم.

وكيف عالجت الرواية “سؤال المصير”؟

  • الأديان تحصر مصير البشرية باحتمالين: جنّة أو نار، والإلحاد يقدم العدم كجائزة ترضية يغصّ بها الباحث عن المعنى، أما أنا فأردت الأعراف، تلك الأرض الحيادية الرمادية التي تشبه الإنسان، أيّ إنسان، شريراً كان أم خيّراً، فكلنا ذلك الإنسان الرمادي الذي ستتساوى حسناته مع سيئاته .من منا لم يبتسم ويغضب؟ من منا لم يطعم فقيرًا ويأكل مال اليتيم؟ من منا لم يزني حتى بفكره ثم ينتفخ كالطاووس أمام الناس بالعفة؟ من منا لم يقتل ويحيي في أحلام يقظته؟ الأعراف ستسعنا بكل آثامنا وحسناتنا، بكل قبحنا وجمالنا، وهذا ما لم يعجب الرقيب في بعض البلدان العربية.

قلت أنّ فكرة الرواية راودتك وأنت تعيش “الحالة الإسلامية”، هل تعني الالتزام الديني أم الانخراط في الحركات الإسلامية؟

  • عشت الحالة الإسلامية بكل جوانبها الوجدانية والسياسية. لم أنشأ في عائلة متدينة لكن صدى ما سُميَ بالصحوة لامسني وأنا في مطلع العشرينات من عمري، بعيد غزو العراق، فانتسبت إلى “حزب التحرير الإسلامي” الذي يعتبر أقصى “يسار” الإسلام السياسي، ولأجل العمل الحزبي أردفت شهادة البكالوريوس في الاقتصاد بدبلوم عالي في الفقه وأصوله، ثم كانت رسالتي للماجستير تتمحور حول الاقتصاد الإسلامي. عملت مع الحزب نحو اثني عشر عاماً قبل أن أغادره، وفي أثناء هذا الالتزام الحزبي حفظت القرآن كاملاً بالطريقة التقليدية التي تنتهي بالإجازة في الإقراء.

أعتقد أن الظروف هي التي تصنعنا وتضعنا أمام خيارات محدودة، فأنا ابن البعث وقراءته القومية المثالية للتاريخ، وابن المظلومية التي مارسها الأسد الأب على الإسلاميين بجميع فئاتهم، تلك المظلومية التي تجعل المظلوم دائماً على حق، كما يقول غوستاف لوبون.

لماذا “التحرير” وليس الإخوان المسلمين مثلاً، وأنت من عائلة مصطفى السباعي أوّل مراقب عام للجماعة في سوريا؟

  • الصدق الذي وجدته عند حزب التحرير لم أجده عند الإخوان. “التحرير” يسمّون الأشياء بمسمّياتها دون مواربة، يريدون خلافة إسلامية لا “دولة مدنية بمرجعية إسلامية”. يكفرون بالديمقراطية ولايدّعونها فقط إذا أوصلتهم إلى الحكم. أمّا جماعة الإخوان المسلمين فهي حركة تجميعية شعبوية شعاراتية. لو كنت تحمل أفكاراً يسارية لرفعوا لك صورة أبي ذر الغفاري، أو كتاب مصطفى السباعي (اشتراكية الإسلام)، وإذا استضعفوا استحضروا آيات وأحاديث السلم والمحبة، وإن تمكنوا فعّلوا آيات القتال ورفعوا السيف فوق رؤوس من يخالفهم.

كيف حصل هذا التحوّل النوعي الهائل، من ناشط إسلامي ملتزم بحزب يسعى للخلافة الإسلامية، إلى كاتب يتناول الإسلاميين بالنقد الشديد، ويسائل بعض مقولات الدين الإسلامي نفسه، ليس من خلال الأدب وإنما أيضاً العديد من المقالات النقدية؟

  • الانعتاق من الآيديولوجيا عملية شديدة الصعوبة، خاصة عندما ترتبط بالمقدس. حين درست الفقه راعني حجم الاختلاف بين الفقهاء، لاسيّما في المسائل المتعلقة بالسياسة والاقتصاد. وجدت الفقه منظومة سائلة تماماً تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه، فحجم الاختلاف فيما يسمونه “شريعة إسلامية” يتعدى 90 بالمائة داخل مذاهب أهل السنة (عدا بقية المذاهب الإسلامية). 

هذه الزئبقية التي يتمتع بها الفقه هي الدليل الأكبر على بشريته، فلو كان من عند الله لما وجدوا فيه اختلافاً كثيراً كما تقول الآية القرآنية، وهذا مايجعل الفقه الاسلامي مطية مناسبة للاستغلال السياسي كما حدث في التاريخ ويحدث أمامنا اليوم دون أن نعي، فبالأمس كانت قيادة المرأة للسيارة حرام، واليوم صارت حلالاً، لذلك أقول دائماً، تبنّى ماتشاء من آراء وستجد ماتريد من الأدلة. 

وإن كان من لحظة مفصلية في ذلك التحول فأعترف أن كتاب جورج طرابيشي “من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث” كان في غاية الأهمية لي، ليس لأني قرأت مالا أعلم فقط، بل لأني قد توصلّت إلى استنتاجاته ذاتها حتى قبل قراءة الكتاب، وفيه وجدتها منظمة ومرتّبة ومشفوعة بالأمثلة. الفرق بيني وبينه أني عشت تلك الحقائق.

هل تسعى من خلال الكتابة إلى الانتقام من الإسلاميّ الذي كنته وتصفية الحساب مع ماضيك أو التبرّؤ منه؟

  • لأكون واضحاً، أنا كاتب في المقام الأول، ولولا “هموم الدعوة” لدخلت عالم الرواية مبكراً، وإن حدث وجعلت روايتي الأولى تتناول رجال الدين والمفاهيم الدينية بشكل خاص فلأنها تجربة مررت بها وأردت إنهاءها بسلام، بعمل أدبي. من ناحية ثانية، ليس في تاريخي ما يستدعي الندم، ليس لأني لم أرتكب أخطاءً، بل لأن أخطائي كانت مبررة ومفهومة، بالنسبة لي على الأقل. الماضي غير مهم إلا من حيث استخلاص العبر، ومايهمني هو اكتشاف رسالتي في الحياة، فأنا شخص قادر على الكتابة وسعيد بهذه المقدرة، “ومامن سعادة في مصير إنسان أكبر من أن يكتشف وهو في منتصف العمر رسالة حياته”، وفق تعبير ستيفان تسفايج.

ماذا بعد الأعراف، هل ستتابع في عوالم الرواية، أم هناك خطط لخوض مجالات أخرى؟

  • أنهيت رواية جديدة لعلّها تجد طريقها للنشر العام القادم، وهي من وحي الثورة السوريّة، بعيدة عن جو الأعراف من حيث الأسلوب والموضوع، كما شرعت في روايتي الثالثة التي أنوي نشرها باللغة الإنكليزية، ليس جفاءً للغة العربية التي أعشقها، بل لأني أدرك أنّه لايمكن لدار نشر عربية المخاطرة بنشرها. وأفكّر جدياً في السيناريو، لربما في المستقبل القريب سأقرع باب المسلسلات التلفزيونية.

إقرأ/ي أيضاً:

عبدالله القصير لـ”أبواب”: حالة الانتقال من الخاص إلى العام دفعتني لكتابة “كوابيس مستعملة”

في سوء الفهم الناجم عن الفروق الثقافية

في سوء الفهم الناجم عن الفروق الثقافية

في رحيل سلامة كيلة: الوفاء لماركسية الفكر والثقافة والوعي

قلوبنا على طاولة بين جيلين… المهاجرون في ألمانيا بين قديم وجديد

“الرقص مع الريح”لموسى الزعيم … قصص من سوريا