in , ,

مؤتمر دورتموند لـ “الأطباء السوريين في ألمانيا”.. تبادل للخبرات والتجارب

إعداد: سلامة الريان

انعقد، يوم السبت 26 تشرين الأول/ أكتوبر، مؤتمر “الأطباء السوريين في ألمانيا” وذلك في مدينة دورتموند غربي البلاد.

ابتدأ المؤتمر فعالياته عند الساعة العاشرة صباحاً، بمعزوفات شرقية وفيروزية متنوعة لعازف العود مصعب تركماني، واستمرت أعمال المؤتمر حتى الساعة الخامسة مساءً.

بعد فقرة العزف، تقدم الدكتور فيصل شحادة (اختصاصي في الجراحة العظمية) والذي يعد بمثابة “عراب المؤتمر” وحيّا الحضور، الذين تجاوز عددهم الثمانين من الأطباء والصيادلة بمختلف الاختصاصات، ليجري بعدها تعريف بسيط بالمحاضَرات والمحاضرين، وتوقيت الاستراحات والمحاضرات التي توزعت على ثلاث فترات، في كل منها أربع محاضرات.

قسم أبقراط

عرّف الدكتور أحمد الحزوري (اختصاصي طب نفسي للأطفال والشباب في مدينة مونستر) بمجموعة الأطباء المنظمين للمؤتمر، موضحاً الأهداف الرئيسة لانعقاد المؤتمر، والتي من ضمنها التعارف على أرض الواقع بين الأطباء السوريين وتبادل الخبرات والتجارب وطرح المشكلات والمصاعب وكيفية تجاوزها.

وعرض الحزوري مجموعة من المشكلات التي تواجه الطبيب بشكل عام في ألمانيا، والنابعة من خصوصية العلاقة المهنية بين الطبيب والمريض، وأكد على أهمية دور الطبيب في قيادة الحوار مع المريض تحت مظلة الذكاء العاطفي، حيث أن مسؤوليات الطبيب لا تنحصر بتقديم العلاج المناسب لمشاكل المريض الجسدية فقط، بل يتوجب عليه أن يدرك تماماً الحالة النفسية للمريض وأثرها المباشر وغير المباشر، سواء على الطبيب أو المريض.

وذكر الحزوري مجموعة من الأمثلة في هذا السياق، وخلص إلى أن المريض يمكن أن يتعرّض للانزعاج من الطبيب بشكل غير مقصود، وينعكس ذلك على عمله وحياته وعلاقته بالآخرين والعكس أيضاً صحيح، لذا لا بد للطبيب من الانتباه إلى هذا الجانب رغم ضيق الوقت. وطرح الدكتور مجموعة من الحلول الممكنة التي يمكن للطبيب الأخذ بها منفرداً أو بالتعاون ضمن المجموعة، كمثال (Ballent-Gruppe).

ثم تناول الحزوري مشكلة تنظيم الوقت بين العمل والراحة ورعاية شؤون الأسرة، وأهمية قضاء الوقت الكافي مع الأبناء والشريك أو الشريكة، وممارسة الهوايات والأنشطة والترفيه، كما حذّر من خطورة تراكم الضغط عند الطبيب بسبب زيادة ساعات العمل الإضافية على حساب التركيز والراحة.

من جانب آخر ركّز الحزوري على نقطتين في غاية الأهمية: الأولى وهي أهمية مراجعة الطبيب النفسي حال وجود أي مشكلة مع الطفل في المنزل أو في المدرسة، من أجل إيجاد حل مناسب للطفل وأهله. وأشار الدكتور إلى ضرورة الالتزام بسرية العمل مع المريض، والحفاظ على بياناته وما يدلي به، حيث لا يحق للطبيب، بحكم القانون والتزاماً بقسم أبقراط، التواصل مع أية جهة حكومية من دون علم أهل الطفل بذلك وتوقيع كلا الأبويين.

أما النقطة الثانية فهي أهمية مراجعة طبيب يحمل الخلفية الثقافية ذاتها للطفل وأهله في حال تعقّدت الأمور واختلطت الأوراق وسارت الأمور بغير منحى، إذ إن معرفة الطبيب النفسي بخلفية منشأ الطفل ومجموعة العادات والقيم والدين وغيرها، تساعد على التشخيص الصحيح للحالة وتسهّل وصف العلاج وإيجاد الحل.

وطرح الحزوري مثالاً على ذلك “مقياس الذكاء عند الطفل الألماني”، فلو طبقناه على طفل عربي يعيش في ألمانيا منذ سنوات قليلة فقد يؤدي إلى تقييم خاطئ لمستوى ذكائه. وكمثال آخر، لو طبّقنا معيار “تشخيص المرض الموحّد الألماني” على الطفل العربي من دون مراعاة خصوصية مجتمعاتنا وتربيتنا، فقد يؤدي إلى تشخيص خاطئ أو وضعه في مدرسة لا تناسبه. ولعل مستوى معرفة الطفل والأهل باللغة يلعب دوراً كبيراً في التواصل مع الطبيب، وتوصيل القصة والتحاور بشكل دقيق ومهم في فهم المشكلة وعلاجها.

يمكنكم التواصل مع الدكتور أحمد الحزوري باللغة العربية على ايميله: a.alhzzouri@alexianer.de

من جهته تحدّث الدكتور مهيار الخشروم (طبيب نفسي) عن إشكالية تعامل الطبيب النفسي العربي مع المريض الألماني أو العكس، والافتقاد للغة الدقيقة الدلالة بين الطرفين، ولا سيما أن اختلاف الثقافة والبيئة والعادات وغيرها يؤدي إلى تشخيص خاطئ، في حين تختفي هذه الإشكالية لدى طبيب ألماني يعالج شخصاً ألمانياً، كذلك لدى طبيب عربي يعالج شخصاً عربياً.

وعرض الدكتور بعض الحالات المرضية التي تقع بين الأطفال العرب بسبب اختلاف البيئة وتوابعها، كذلك تطرّق إلى مسألة قلة اختلاط العائلات العربية مع العائلات الألمانية وقلة الاندماج والتأثر والتأثير.

كما أشار الخشروم إلى مسألة اختلاف نظرة الرجل للمرأة والأطفال بين المجتمعين الغربي والعربي، ومثّل لذلك بتحدّث الزوج العربي عند لقاء الطبيب، عن مشكلات زوجته نيابة عنها، وكأنها لا تعرف ماذا تريد أن تقول.

القرار مسؤولية

تحدث الدكتور فيصل شحادة عن إمكانيات العمل بعد التخصص الطبي في ألمانيا، سواء أكان العمل في عيادة خاصة أو في مستشفى، حيث على الطبيب أن يعمل على تطوير ذاته ومراكمة الخبرات في اختصاصه، إضافة إلى تطوير لغته وتقويتها باستمرار.

الموازنة بين العمل في المشافي والعمل في عيادات خاصة، أخذت حقها في طرح شحادة، حيث استعرض أهم نقاط القوة والضعف في العملين، وأهمية القرار الذاتي الذي يتخذه الطبيب ليرسم هدفه المستقبلي ويسعى لتحقيقه، موضحاً حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب الذي اتخذ قراره بالعمل في عيادته الخاصة، مقارنة مع العمل في المشافي العامة، وتقاسم المسؤوليات مع الكادر الطبي والتمريضي الموجود.

هذا وتناول الحقوقي ميرين سعيد (من شركة السلامة كير للخدمات العلاجية والاستشارات الطبية عن طريق الهاتف والإنترنت) موضوع التواصل بين المرضى والأطباء عن طريق الإنترنت والهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن البلد الموجود به كل منهما، إذا امتلكا لغة التواصل. وأوضح سعيد دور شركتهم المهم في إيجاد الطبيب أو المعالج أو المنتجع الصحي المناسب للمريض، والمساعدة في إيصال نصائح الطبيب للمريض، كما عرّج على أهمية اختيار الطبيب العارف بالخلفية البيئية للمريض لتسهيل فهم الحالة والنصح بالعلاج.

التخصص والبحث

تحدّث الدكتور حسام طربين (طالب طب في جامعة إيسن) في محاضرته عن بداية طريق الدكتوراه وأهمّيته في التقدّم العلمي الطبي، وتوسّع بالحديث حول موضوع أنواع الدراسات البحثية في هذا المجال، والفروقات بينها.

وأنهى محاضرته بتقديم مجموعة من النصائح لمن يريد الدخول في هذه التخصصات، وجاء في مقدّمتها اختيار موضوع البحث المناسب، واختيار المشرف المناسب. كما استعرض بعض الأمثلة عن الصعوبات والتحديات التي تواجه طلاب الدكتوراه، وسبل تجاوزها أو تجنبها.

أما الدكتور سومر حسن (اختصاصي أمراض العين وجراحتها وكبير الأطباء في مشفى يينا “Jena” الجامعي) فقد تحدث عن الفروق في نيل الألقاب العلمية والأكاديمية بين سورية وألمانيا، وأهمية هذه الفروقات في فهم الاختلافات في النظام الألماني.

وشرح الدكتور سومر في محاضرته مراحل العمل والترقّي الأكاديمي في النظام التعليمي لكليات الطب الألمانية، بدءاً من شهادة الدكتوراه وليس انتهاءً بعضوية الهيئة التدريسية، وما يتبعها من مراحل، والمتطلبات الخاصة بكل مرحلة، مشيراً إلى تحديات الطريق الأكاديمي من زوايا مختلفة، مع تقديم لمحة عن إيجابيات وسلبيات العمل في هذا المجال في ألمانيا.

من جانبه، تحدث الصيدلي عمار أمير عن العمل الصيدلي وأنواع التخصص فيه، وعن أماكن العمل في المشافي أو الصيدليات الخاصة، وركز على أوجه الاختلاف بين العملين، والمهام الموكلة للصيدلي في جميع أماكن العمل.

كما شرح أهمية فهم الصيدلي للقوانين الناظمة والمترتبة على العمل الصيدلي، وأوضح الآفاق والخيارات المتاحة أمام أصحاب الاختصاص في مجال الصيدلة.

وتناول الدكتور سمير الحمد (طبيب أسنان) موضوع الصعوبات التي تواجه الطبيب من حيث تعديل الشهادة ومتابعة التعلّم واكتساب الخبرات، وموضوع فرص العمل المتوافرة في المشافي أو في العيادات الخاصة.

وتحدث عن التعب الذي لا بد منه للطبيب ليشقّ دربه، قائلاً: “هناك حاجة لتعب وتكاليف عالية، تلزم الطبيب على العمل لسنوات، أولاً لاكتساب الخبرات المطلوبة: في العمل التخصصي، آليات الدفع والحسابات والضرائب، فهم القوانين الناظمة… وثانياً لجمع مبلغ مناسب يمكّنه من فتح عيادة خاصة”. مشيراً إلى إمكانية المساعدة بقرض بنكي.

كما عرّج الحمد على إمكانية التوسّع في العمل في المراحل اللاحقة، كالتعاقد مع المدارس أو رياض الأطفال أو الشركات… وركّز على العلاقة بين الحسابات والضرائب، وأهمية معرفة الطبيب بقوانين الضرائب والتأمين، وآليات الدفع والتحصيل ومصاعبها وضرورة الاطلاع عليها، رغم أنها تشكّل عبئاً إضافياً وتحتاج لدورات وتدريبات تخصصية.

معوقات وحلول

تحدث يوهان بِسَر “Johann Beser” (موظف في بنك آبو “ABO” المشارك في المؤتمر)، عن آليات متابعة التعلّم في ألمانيا وتعديل الشهادات، والقوانين الناظمة والدوائر المسؤولة عن هذه المهام.

ولفت النظر إلى أن بنك آبو يمنح القروض الميسّرة لفتح العيادات الطبية والصيدليات وتجهيزها، ويدعم الأطباء والصيادلة لمدة معينة ريثما تصبح العيادة أو الصيدلية منتجة ورابحة.

وتحدث شتيفان روبتر “Stefan Rohpeter” (محامي مختص بالقضايا الطبية) عن أهم القوانين التي تضبط القضايا الصحية والطبية، وأهمية الاطلاع عليها والتزود بالمعرفة الدقيقة بها وبالعقود الطبية، وخاصة مع البنوك وشركات التمويل، وألمح إلى أكثر النقاط التي يتم التحايل بها على الزبون.

كما ركز على نقطة هامة جداً يقع بها أغلبية من لا خبرة لديهم، وهي أن تنظر إلى العقد من منظار أنك ستلغيه غداً، كي لا تقع رهينة التفاصيل عند فسخ العقد، فتدخل في متاهات لم تحسب لها حساب.

أما الدكتور حسان هاشم (جراحة عامة) فقد بدأ حديثه بالإشارة إلى إحصائية عن نوع الإقامة التي يحملها الطبيب السوري في ألمانيا، وذكر أن 40% من الأطباء هم ممن يحملون صفة اللجوء (حماية أو لجوء).

تطرق بعدها إلى الصعوبات التي تواجه الطبيب اللاجئ في مسيرة التعديل في ألمانيا من زوايا مختلفة: تأخر الإقامات على اختلاف أنواعها، وبقاء الكثير من الأطباء اللاجئين وقتاً طويلاً في مراكز اللجوء (الهايم)، من دون أي دراسة أو تطوير أو تعلم.

ومن ثم تعقيد الدورات والدورات التخصصية، وقضاء وقت طويل في انتظار الموافقات ومتابعة الروتينيات، كذلك تعديل الشهادات والاعتراف بها، وتعدد الجهات المسؤولة عن اللاجئين وقضاياهم، وصعوبة فهم ومعرفة اللاجئين لها، وطرق وآليات التعامل مع هذه الجهات.

مقترحات وتوصيات

في ختام الفترة الثالثة من المحاضرات، فتح باب النقاش لتبادل الآراء والخروج ببعض المقترحات والتوصيات.

أجمع المشاركون على أن المؤتمر كان متميزاً بالتنظيم والفائدة، رغم ضغط المحاضرات الكبير الذي كان يحتاج ليومين من العمل، كما أجمعوا على أن يكون دورياً كل عام أو كل ستة أشهر.

ولعل الموضوع الذي لاقى ترحيباً عند الأكثرية، كان اقتراح تشكيل رابطة للأطباء السوريين في ألمانيا، أو لأصحاب المهن الطبية في ألمانيا، باعتبار الصيادلة جزء من الحضور، إلى جانب مجمل الاختصاصات الطبية.

يُذكر أن عدد الأطباء والصيادلة السوريين في ألمانيا من مختلف الاختصاصات، تجاوز الخمسين ألف طبيب وصيدلي.

اقرأ/ي أيضاً:

في بحثك عن مهنة المستقبل.. التدريب المهني “Ausbildung” في مجالات “التخصص بالأسنان”

الطب البيطري في ألمانيا.. صندوق باندورا يفتح أخيراً

سلسلة مجالات التدريب المهني في ألمانيا 1 – Ausbildungsberufe مجال الطب

إعلان “حالة طوارئ ضد النازية” في مدينة دريسدن الألمانية

افتتاحية العدد 47: مظاهرات وانتخابات.. هل يتجدّد “الربيع العربي”؟