in ,

قبل أن أصير جُندبًا.. الضّباب من بدأ الحِكاية

اللوحة للفنانة لينا صمودي

 

 أحمد مارديني | حقوقي سوري.

 

تقديم..

 

لم تنتهِ الخطوط بعد

الخطوط التي لم تحدث إلى الآن..

 

 

الفكرة التي تم التقاطها على مُكبرات الصّمت

لم تكن فكرتي،

بل حُلمي.

 

عندما كنتُ حيًّا، دائمًا ما حلُمت بالموت،

ولكنّي دون أن أدري سقطتُّ في فِخاخ الموت

حتّى صرتُ أحلم بالحياة..

 

الذّكريات تبني مجدها بالتّفاصيل، وتصيرُ مجدًا حين تُنسى،

تُذكر شفيفةً كشراع الحُلم، هذيانًا بشيءٍ لم يحدث

نتمنّى حدوثه..

ليصير ذكرى،

ومجدًا حين يُنسى من جديد.

 

رغم أنّي فهمت أن لا منفعة للبكاء،

لكن جاذبية الدُّموع تدفعني للحُلم بالحياة

وحدهم الأحياء من يتقنون الحزن

وحدهم.. من يفهمون البُكاء

عرفت أن لا فائدة من الحزنِ،

ولا حكمة في الفرح..

بل كلُّ ما في الرّسالة ألّا تبقى وحيدًا.

 

 

أربعة خطوط تبدأ من مونستراكي*

 

-1- أمس:

موسيقا الفلامينغو هي الدّرب الوحيد

الذي يأخذني إلى “الأكروبولي”،

حيث ضِعتُ هناك للمرّة الأولى.. وأنا طفلٌ في الثلاثين

كانت خيوط الشّمس تمشّط أخر الصّيف على جسد القلاع.

تتوّعد الّليل، بهزيعٍ طويلٍ من الآلام

ومن سوء حظّي أنّني كنت وحيدًا لأفهم المشهد،

مُرغمًا

وأسقط في فخاخ البرد عاريًا للمرّة الأولى

دون وجه..

ولا أمٍّ، أو سحابة…

 

كان الحُبُّ في ذلك الوقت مُختصرًا بوجهين

وعريشةً من زهر العراتلي الدمشقيّة

“ككل ما حملتُ معي من ذاكرة”

والصباحَ أغنيةً..

والنهار مسارحَ للمطرِ والشّمسِ

وكلّ الصّديقات السّحاب.

ولم أشعر يومًا بالحنين

بعد أن أرضعتني الأمُّ من ثدي الغيوم

صار الغيم أمًّا ثانية.

 

-2- خطُّ التّماس

ما قبل أثينا

كان الحزنُ خاليًا من جوهره

وكانت قمّة المأساة تُختصر بعشر دقائق تأخير

عن موعد القُبلة الأولى مع شفاه فتاةٍ

أرغمتها على حبّي

وأرغمتني على تذكُّرها.. دائمًا.

كشطبٍ في الذاكرة.

 

 

ما بعد أثينا

أظهر لي الحزن نابيه وصورته المخيفة

وسنينه  الـ لا تعرف الموت

قرأتُ تاريخ البكاء في عينيه

وتذكرتُ كلّ صور المجزرة.

 

 

.. على الدرب..

بلغراد، ڤيينّا، ڤايمر

الثلج يرسم ملامح الأشياء..

القلوبُ تتشكّل.

 

قبل منتصف عام

أدركت أن زمنًا كسيحًا

سيأتي..

ظلامًا طويلاً

سيبدأ.

 

 

-3-  مقطع جانبي للصدى:

القيثارة تعزف وحدها

مذ هاجرت آخر السنونوات

وانا أستمع منذ أكثر من سنينٍ،

وبكامل الملل المرّتب

إلى أغنياتِك

مذ قدّمتك للغيم قربانًا، ولم تعودي.

 

 

-4- صاعقة:

عكفت الحياة “في السنين الأخيرة” على ترويضي

ونزع الرّفض “لكلّ شيءٍ” من قواميسي

كان الأمرُ أشبهَ بمقايضةٍ، بين الأرض التي فكّرت في تفاصيلها طويلاً،

وبين كلّ ما كان واقعًا ماديًا.

كالوطنِ، الأمِّ، وأصدقاء الوشم الثلاث.

ولم يكن للحرب سوى الفعل المحرّض على القبول

سحب سيف الإرادة من غمدي

حتّى تقلّصت..

وصِرتُ جُندبا.

 

وصلت في نهاية الأمر،

مُتعبًا

إلى هذه البلاد الشّاهقة.

البلاد التي لا تعرف الضآلة في شيء

وعلاقتها مع الغيوم علاقة صديقين أو جارين.

لا أمومة في الأمر،

كما اعتدتُ..

كما تولّعت.

 

* مقصد سياحي في أثينا

هذه الحجارة مصنوعة لتتعثر بها

النمسا تمنع وزير الاقتصاد التركي من زيارتها