in

تأثير الفقر على دماغ الإنسان.. الحرمان والإهمال يمكنه أيضاً أن يترك آثاراً مشابهة

Bild von AkshayaPatra Foundation auf Pixabay

أظهرت دراسة غير مسبوقة في بنغلادش تأثير سوء التغذية وسوء الصرف الصحي والصعوبات الأخرى في نمو الأطفال. بدأ فريق من الباحثين في أواخر الستينيات بتوزيع مكمل غذائي للعائلات التي لديها أطفال صغار في ريف غواتيمالا، ليختبروا هل يؤدي توفير البروتين الكافي في سنوات الطفل الأولى إلى الحد من وقف النمو؟

للبحث في تأثير الفقر على دماغ الإنسان نبدأ من هذه الدراسة في بنغلادش، حيث تبين فيها أن الأطفال الذين حصلوا على المتمم الغذائي ازداد طولهم 1 – 2 سم مقارنةً بالمجموعة المرجعية، كما حققوا نتائج أعلى في اختبارات القراءة والمعرفة في أثناء المراهقة، وبعودة فريق البحث إلى بداية عام 2000، وجدوا أن الأشخاص الذين حصلوا على المتمم الغذائي في السنوات الثلاث الأولى من حياتهم: من النساء قد تفوقن على غيرهن في سنواتهن الدراسية، في حين حقق الرجال دخلًا أعلى من غيرهم.

منذ إجراء هذا البحث في غواتيمالا، ربطت الدراسات التي أجريت حول العالم في البرازيل وبيرو وجاميكا والفليبين وكينيا وزيمبابوي وقف النمو عند الأطفال بتدني النتائج في الاختبارات المعرفية وسوء التحصيل الدراسي.
تبين تدريجيًا أن قصر الطول في مقتبل العمر هو إشارة إلى ظروف سلبية مثل سوء التغذية والإصابة بالأمراض المسببة للإسهال مرارًا، إضافةً إلى دلالته على صعوبات التعلم وحالات الوفاة المبكرة. يؤثر وقف النمو في نحو 160 مليون طفل حول العالم، ولكن لا تقترن حالات وقف النمو كافةً مع هذه النتائج السيئة.
يحاول الباحثون حاليًا كشف الرابط بين النمو والتطور العصبي، فهل يُعد سوء التغذية السبب الوحيد لوقف النمو؟ وماذا عن الإهمال العاطفي أو الأمراض المعدية أو الصعوبات الأخرى؟
تحاول «شهرية حافظ كاكون»، التي تعد من أولى الباحثين في الموضوع الإجابة عن هذه التساؤلات في الأحياء الفقيرة في داكا في بنغلادش، حيث يعاني نحو 40% من الأطفال وقف النمو في عمر السنتين.

اقرأ/ي أيضاً: تأثير التوتر على الدماغ: إليك ما يجب فعله للتخلص من التوتر

الأثر المديد لوقف النمو

أجرت منظمة الصحة العالمية سنة 2006 دراسةً شاملةً لقياس طول الأطفال ووزنهم منذ ولادتهم حتى عامهم الخامس في البرازيل وغانا والهند والنرويج وعمان والولايات المتحدة الأميركية، أظهرت النتائج أن الأطفال الأصحاء ذوي التغذية الجيدة في العالم يتبعون مسار نمو مشابه، ومن ثم استطاعوا تحديد معايير النمو غير الطبيعي.
ساعدت معايير توقف النمو على زيادة الوعي حول هذا الموضوع، إذ ينطبق التعريف على أكثر من 30% من الأطفال دون سن الخامسة في العديد من البلدان.
لبدء الدراسة حول تأثير الفقر على دماغ الإنسان. انضم لفريق داكا الدكتور تشارلز نيلسون، طبيب أطفال واختصاصي نفسي في مشفى بوسطن للأطفال وكلية هارفرد للطب في ماساتشوستس، يمتلك خبرةً في التصوير الدماغي للأطفال في الظروف المعيشية الصعبة، بدأ سنة 2000 دراسةً تتبعت تطور الدماغ عند الأطفال الذين عاشوا في ملاجئ الأيتام القاسية في رومانيا، ومع حصولهم على الغذاء والرعاية، لم يكن لدى الأطفال أي احتكاك أو تواصل اجتماعي أو دعم عاطفي، إذ عانى العديد منهم مشكلات معرفية طويلة الأمد.

كشف بحث نيلسون آثار الإهمال في أدمغة الأيتام، وأظهرت صور الرنين المغناطيسي تقلص الحجم في مناطق من المادة الرمادية والبيضاء في الدماغ عند الأطفال في الثامنة من عمرهم، على عكس الأطفال الذين يعيشون مع عائلاتهم البيولوجية، ترتبط تلك المناطق المتقلصة بالانتباه واللغة، ولم تظهر هذه الآثار لدى بعض أطفال الملجأ الذين تبنتهم العائلات.
يتمتع الأطفال في داكا بحياة مختلفة تمامًا، حيث تحيط بهم المشاهد والأصوات والعائلات الكبيرة التي غالبًا ما تسكن مع بعضها في بيوت ضيقة، لكن يعاني الأطفال في بنغلادش سوء التغذية وسوء الصرف الصحي، ولم يكتشف فريق البحث تأثير هذه الظروف في التطور الدماغي.

طفل من داكا يخضع لتخطيط كهرباء الدماغ لقياس نشاط دماغه الكهربائي

آثار المعاناة

في بداية عام 2015 حضر فريق البحث غرفةً لإجراء التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة، يرتدي الأطفال في الغرفة غطاء رأس مصنوع من المستشعرات التي تقيس تدفق الدم في الدماغ، تشبه هذه التقنية التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي، وتوفر معلومات عن نشاط الدماغ، لكنها لا تتطلب وجود آلة كبيرة، وتسمح للأطفال بالتحرك في أثناء الفحص.
يجري فريق البحث “حول تأثير الفقر على دماغ الإنسان” صور الرنين المغناطيسي في مستشفى بالقرب من العيادة أيضًا، إذ فحصوا 12 طفلًا يعانون وقف النمو في الشهر الثاني والثالث من العمر، فاتضح أن حجم المادة الرمادية عند هؤلاء الأطفال أصغر مثل أطفال الملاجئ في رومانيا والأطفال الذين يعانون الفقر في الدول النامية، يقول نيلسون إن ملاحظة هذه التغيرات في هذا العمر هو أمر «سيء للغاية»، فمن الصعب تحديد المناطق المتأثرة عند الأطفال في هذه السن الصغيرة، لكن اقترن نقص حجم المادة الرمادية بنتائج متدنية في اختبارات اللغة والذاكرة البصرية عند الأطفال في شهرهم السادس.
اقرأ/ي أيضاً: الصحة النفسية ومشكلاتها ما بين حدود السواء والاضطراب والمرض

كما كشفت فحوص كهرباء الدماغ وجود نشاط عصبي أقوى عند الأطفال المصابين بوقف النمو، إضافةً إلى مدى واسع من الموجات الدماغية التي تعمل على حل المشكلات والتواصل بين مناطق الدماغ المختلفة، فاجأ هذا الأمر فريق البحث، إذ أظهرت نتائج الأبحاث السابقة وجود نشاط عصبي متدن عمومًا عند الأيتام والأطفال الفقراء، قد يرتبط هذا الاختلاف بأنواع مختلفة من الصعوبات التي يعانيها الأطفال في داكا، مثل عدم توفر الطعام والإصابات البكتيرية وإصابة الأم بالاكتئاب.

يحاول فريق نيلسون اكتشاف أنواع الصعوبات التي قد تكون مسؤولةً عن الاختلاف في النشاط الدماغي عند الأطفال في داكا، إذ يرتبط ازدياد الشحنات الدماغية في أثناء فحوص كهرباء الدماغ بزيادات في مؤشرات الالتهاب في الدم، وقد يزيد هذا الأمر غالبًا تعرض الجسم للجراثيم الهضمية.
يشير هذا الأمر إلى أهمية تحسين الصرف الصحي وخفض نسبة الإصابات الهضمية حال إجراء المزيد من الفحوص على الأطفال، أو قد يتضح وجود رابط وثيق بين الاكتئاب عند الأمهات وتطور الدماغ لدى الأطفال، وفي الحالتين تتساوى أهمية مساعدة الأمهات مع أهمية تحسين تغذية الأطفال

المصدر. أنا أصدق العلم، للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا

هل أنت قلق من وجود آثار جانبية للقاح كورونا؟ تعرف عليها إذاً..

شركة علي بابا تحت رقابة السلطات الصينية.. فما هو السبب الحقيقي؟