in

أزمة لبنان وخيارات حزب الله

الصورة من موقع washingtonexaminer.com
شاهد ناجي. باحث لبناني مقيم في ألمانيا

من يتابع ما يحصل في لبنان الآن، يرى أن حزب الله الذي يخشى إفلات لبنان منه قام في النهاية بتسهيل تشكيل الحكومة تحت نفوذ حلفائه المباشرين. فلقد كان وما يزال همّه محصوراً في الدفاع عن مصالح إيران دون أي مراعاة لمصالح لبنان واللبنانيين، بمن في ذلك أبناء الطائفة الشيعية أنفسهم.

ومع وجود استحقاقاتٍ كثيرة ذات طابع مصيري تنتظر لبنان، لم يأبه حزب الله -القوة الكبرى في لبنان الآن- لأيٍ من التحركات الشعبية تحت ذريعة أن الأمن أهم من لقمة العيش ومحاربة الفساد. لا بل لجأ سياسيوه إلى الإعلام لينتقدوا الفساد المستشري في الدولة، مع أنهم شريك ذو حصة كبيرة من الحكم منذ تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. واللافت في الأمر ايضاً، أن الضغط الحالي عالمياً وعربياً يتجه نحو شرعنة الحكومة اللبنانية لتكون مقبولة من المجتمعين الدولي والعربي، وهو ما دفع بالحزب إلى الظلال في هذه الفترة.

إن المشكلة الاقتصادية التي يمر لها لبنان حالياً، سببها ليس فقط الفساد المستشري في الطبقة السياسية، بل أيضاً العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وإقرار بريطانيا مؤخراً بأن حزب الله منظمة إرهابية. وباختصار لدى أميركا سلاح قويّ وفتّاك اسمه الدولار. ومن الواضح أن لبنان لا قدرة لديه على خوض حرب خاسرة سلفاً مع أميركا، خصوصاً وأنه أيضاً يعاني من النبذ سياسياً على الصعيد العربي. إضافةً إلى قدرة أميركا على تدمير النظام المصرفي اللبناني في لحظة لا تريد السماح بحكومة لبنانية تتمثل فيها الأحزاب، بما في ذلك “حزب الله”. وما زالت أميركا تدفع دولاً عديدة، خصوصاً في أميركا الجنوبية إلى إعلان حزب الله منظمة إرهابية للحد من نشاطاته المالية والتضييق اقتصادياً عليه. إلا أن أميركا وعلى لسان دبلوماسييها قامت بما يشبه الملاطفة للحكومة الجديدة (التي لم تنل الثقة بعد) وقالت إنها بانتظار ما سيؤول إليه البيان الوزاري والخط الذي ستنتهجه الحكومة في سبيل تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها.

وللنظر بإمعان إلى الداخل اللبناني والتعاطي مع الوضع الإقليمي من طرف ما يسمى بـ8 آذار، نجد أن الحسابات الإيرانية الحالية مختلفة عن حسابات “التيّار الوطني الحر” (الحليف الأكبر لحزب الله) وما يمثله وما يطمح إليه. ففي ظلّ الحسابات الإيرانية، والتضييق السياسي والاقتصادي الدولي على إيران، تختلف الأولويات بين حين وآخر، حيث لا يمثل المسيحيون في لبنان سوى تفصيل صغير في لعبة إطارها أوسع بكثير من لبنان. إذ أن التيار الوطني وما يمثله في الشارع المسيحي قد ينتقل في أي لحظة للجهة المقابلة، كما فعل في السابق، إذا تم المساس بمصالحه وشعبيته أو شعوبيته أيضاً. فقد عانى التيار الكثير خلال الوجود السوري في لبنان حتى جنى ما جنى بتحالف مع حزب الله بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. ولن يفرط بالمناصب والشراكة المباشرة في إدارة شؤون البلاد التي تحصّل عليها بشق الأنفس، إذا دارت الدائرة على حليفه حزب الله.

أضف إلى ذلك، البطالة متنامية الوتيرة، والاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي إلى مزيد من الهجرة، خصوصاً بين المسيحيين المرحب بهم في بلدان غربية كثيرة، في وقت تعاني فيه دول الخليج من نوع من الجمود بأسواقها، وعدم الرضى عن اللبنانيين إثر تباين المواقف السياسية اللبنانية من الأزمات التي ألمت بسوريا والعراق واليمن.

تتمحور الأزمة الاقتصادية اللبنانية حالياً بمعظمها حول ندرة وجود العملات الأجنبية، مما خلق صعوبات لدى كبار التجّار والشركات المستوردة، فهم لم يعودوا قادرين على تغطية قيمة ما يستوردونه بالعملات الأجنبية. في نفس الوقت بدأت عدة مؤسسات بالإقفال وآخرها صحيفة الدايلي ستار. ولعل الاستثمار الأبرز ولربما الوحيد للولايات المتحدة في الدولة اللبنانية اليوم هو الجيش اللبناني، وليس كما كان سابقاً في شخص سعد الحريري ولا في تيار المستقبل أو 14 آذار، والتي قررت منذ أسابيع استئناف المساعدات العسكرية للجيش بعدما كانت معلقة منذ أيلول 2019.

إفلاس سياسي وعسكري

وبعيداً عن الاقتصاد، وبالعودة للأزمة الداخلية اللبنانية سياسياً، نرى أن الخطابات الأخيرة لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله تعكس حالةً من الإفلاس السياسي والعسكري وانعدام الانشغال بالسياسة الداخلية.

إن اغتيال الإدارة الأميركية لقاسم سليماني قائد فيلق القدس وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق، أثار بلبلةً وانعدام توازن في المعسكر الإيراني، حيث أتى إصرار نصر الله على أن القوة الإيرانية والقدرات العسكرية الضخمة التي تمتلكها إيران يحقق لها التوازن أمام المعسكر المقابل، وأن الأميركيين سيخرجون قريباً من العراق والشرق الأوسط. ولربما ما زاد ارتباك الجانب الإيراني وانشغاله عن الرد هو المأساة التي تسببت بها صواريخه باتجاه الطائرة الأوكرانية في كارثةٍ يحاول الإيرانيون الخروج منها بأقل ضرر ممكن، إلى أن أتى تصنيف الرد الإيراني من الإيرانيين أنفسهم لاحقاً على أنه صفعة وليس رداً.

ولربما ما يحاول حزب الله القيام به هو طمأنة جماهيره في لبنان، بأن شيئاً لم يتغيّر في إيران منذ اغتيال قاسم سليماني وأن المشروع المقاوم مازال نفسه. لا بل ذهب الأمين العام للحزب أبعد من ذلك وعاتب الأكراد في العراق وتحدث عن آبار النفط الجديدة في إيران والمخزون النفطي الذي سيجعل إيران من أغنى دول العالم.

يبدو أن تلك البروباغندا التي اعتاد الناس عليها في خطابات الأمين العام لم تعد تجدي نفعاً. ففي المظاهرات الأخيرة التي حصلت في لبنان قبيل تشكيل الحكومة، نزل العديد من سكان الضاحية الجنوبية إلى ساحات بيروت لينضموا للمتظاهرين المحتجين على الطبقة السياسية، فيما نزل الأنصار المباشرون في الجانب الآخر للاعتداء على المتظاهرين.

فقد تراجعت حدة خطاب الكثير من المسؤولين العراقيين المطالبين بالخروج العسكري الأميركي من العراق، وهو ما كان يخشاه نصر الله. ولعل ابتعاده خلال خطاباته عن ذكر الأزمة العراقية الحالية والمظاهرات في إيران نفسها شكلت إشارة لانعدام التوازن في الصفوف الداخلية للحزب وانعدام الرؤيا الإقليمية للسياسات في المنطقة بأكملها.

لا يزال حزب الله يتخبط من تضارب الرؤيا بين المحلي لبنانياً والإقليمي إيرانياً. ولكن الخوف الأكبر يبقى بعودة الحزب للخطوط الأمامية للمواجهة عسكرياً على الصعيد اللبناني وزج البلاد في حرب ليس للبنانيين طاقة بها.

اقرأ/ي أيضاً:

بريطانيا تضع حزب الله اللبناني بكافة أجنحته على قائمة الإرهاب

“بداية نهاية مشروع حزب الله ؟”.. التاريخ السياسي في لبنان يعيد نفسه

الطقس وكورونا.. ما هي البيئة الأمثل لانتشار هذا الفيروس؟

“قنبلة بيولوجية”.. مباراة كرة قدم وراء مأساة تفشي كورونا في إيطاليا