in , ,

الزاوية القانونية: الإشكالات القانونية في حالات طلاق الأجانب في ألمانيا وما يتفرع عنها

جلال محمد أمين – محامي ومستشار قانوني سوري مقيم في ألمانيا

 

يخرج البحث في ماهية حالات الطلاق وأسبابه عن طبيعة النص القانوني، ويحتاج إلى بحث اجتماعي اقتصادي ونفسي مرتبط بهيكلية الدولة الاقتصادية، وما يتفرع عنها من دعم للحالات الاقتصادية المؤثرة في حالات الطلاق لذلك يفضل البحث فيما يفيد القارئ.

ولا بد من إيراد حالة من الحالات كمثال لتفهم الحالة القانونية. فالقانون الألماني يعتبر نفسه صاحب الولاية الشخصية على كل من يقيم في ألمانيا الاتحادية، وبالتالي يطبق القانون الألماني على كافة السوريين، سواء كانوا قد حصلوا على الجنسية أو على الإقامة.

وتطبق أصول المحاكمات الألمانية في دعاوى الطلاق، وما يتفرع عنها من نفقة وحضانة وإراءة وتقاسم الملكية بين الطرفين ومدة سير إجراءات المحاكمة.

إجراءات الطلاق

تصل مدة الفصل في دعاوى الطلاق إلى ثلاث سنوات، بحيث تعتبر السنة الأولى منها سنة تفريق لمحاولة مراجعة الذات من قبل الزوجين، ومن بعدها تبدأ اجراءات الطلاق.

ومن الجدير بالذكر أن على الزوجين الراغبين بالانفصال مراجعة مركز الجوب سنتر، وتبليغه بنشوء الخلاف، وبرغبة الزوجين بتقاضي المساعدات منفصلين عن بعضهما، ويجب أن تمر مدة سنة كاملة على هذا الانفصال المالي، وتعتبر هذه السنة جزءاً من مراحل المحاكمة، أي يتبقى من مدة المحاكمة حوالي السنتين.

وتبقى هذه الإجراءات خالية من أي إشكال قانوني إذا كان الزوجان في ألمانيا، سواء كان الطلاق برضاء الطرفين أم لا. إلا أن الإشكال يظهر عندما يكون الطرف الآخر خارج ألمانيا.

ويعتبر التبليغ أحد أكبر الإشكاليات في سير المحاكمة، لأنه لا يمكن السير بالدعوى دون علم الطرف الآخر بها, وما يزيد الطين بلة هو وجود الطرف الآخر(المدعى عليه) في بلد عربي كسوريا ومصر ولبنان، حيث أن عدم وجود عناوين دقيقة يعيق عملية  التبليغ إضافة إلى تفشي الفساد لدى موظفي التبليغ في هذه البلدان.

ففي إحدى الدعاوى المقدمة من سيدة سورية ضد زوجها المقيم في لبنان، عادت مذكرات التبليغ إلى ألمانيا بشرحٍ يفيد بأن المدعى عليه لا يقيم في هذا السكن، فقامت المحكمة بتكليف المدعية بتوضيح السكن مرة أخرى، إلا أنها فوجئت بدعوى مقامة ضدها في بيروت، وتم تبليغها مذكرة الدعوى المقامة عليها في لبنان، وهذا دليل على أن المدعى عليه قد علم بفحوى الدعوى، لذلك قدمت المدعية هذه المذكرة إلى المحكمة العائلية (الشرعية)، ولكن للأسف اعتبر القاضي أن المحكمة اللبنانية هي المختصة، لوجود دعوى أخرى أمام المحاكم اللبنانية.

وتبعاً لذلك فإن وجود أحد أطراف الدعوى خارج ألمانيا يعرقل سير الدعوى، وقد تصل إلى قرار رد الدعوى لعدم الاختصاص المكاني.

لذلك من الأفضل للزوجة التقدم بدعوى التفريق في سوريا، ومحاولة توكيل محام عن طريق السفارة السورية، وبالتالي يستطيع المحامي تبليغ المدعى عليه عن طريق الصحف الرسمية، وقد لا تستمر الدعوى أكثر من ستة أشهر.

طبعاً لا بد من تنفيذ قرار الطلاق (التفريق) في السجل المدني، ليتسنى للزوجة الحصول على بيان قيد فردي يشير إلى أنها مطلقة.

أما بالنسبة للمخالعة الرضائية، فهي دعوى غير معترف بها في ألمانيا، والتقدم إلى القضاء لإنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين يعتبر كدعوى الطلاق وتستمر حوالي ثلاث سنوات.

نفقة الاولاد

ما يترتب على البدء في التفريق بين الزوجين في حال كان الزوج في ألمانيا هو: بداية إلزام الزوج بنفقة الأولاد، فالزوج ملزم بدفع نفقة شهرية لكل طفل إلا إذا كان يعيش على المعونات، أو كان دخله الشهري لا يتجاوز مبلغ 1080 يورو، فحينها تقوم دائرة رعاية الأسرة بدفع النفقة وتسجيلها كدين في ذمة الزوج.

فهي لا تحتاج إلى قرار بالطلاق، بل يكفي الانفصال المالي لتترتب النفقة في ذمة الزوج، وكما أوردنا سابقاً القانون الألماني هو فقط الذي يطبق.

أما إذا كانت الزوجة قد حصلت على قرار النفقة في سوريا أو أي دولة أخرى، وتبين أن مبلغ النفقة يصلها وبشكل منتظم، فيقوم مركز رعاية الأسرة (يوغند أمت) بخصم ذلك المبلغ من المبلغ المقرر للزوجة كنفقة للأطفال.

فإذاً من يقرر النفقة هو مركز رعاية الأسرة، وفي حال الاعتراض يستطيع الشخص الملزم بالنفقة الرجوع إلى القضاء.

أما إذا كانت الزوجة تعمل فتكون هي أيضاً ملزمة بكل ما يلزم به الزوج. وإذا كان الطفل في حضانة الأب لسببٍ ما، وكان الأب عاطلاً عن العمل، وكانت الأم تعمل ولم تطالب بالحضانة فهي ملزمة بالنفقة أيضاً.

الحضانة

بالنسبة للحضانة فإن أي قرار صادر في سوريا، يتضمن إسقاط الحضانة أو تثبيتها، غير معترف به في ألمانيا ولا يمكن تنفيذه.

ففي القانون الألماني تأتي رفاهية الطفل في المرتبة الأولى، وتنظر المحكمة في المكان والشخص الأصلح للطفل وبموجبه تقرر أحقية أي طرف بالحضانة.

وخلافاً للقانون السوري، فإن بقاء الحاضن أكثر من ثمانية ساعات خارج المنزل لا يسقط الحضانة، بل أكثر من ذلك فحتى عمل الحاضنة في الدعارة لا يسقط الحضانة أيضاً طالما أنها تستطيع الاهتمام بطفلها بعد عودتها من العمل.

وتكون معظم حالات إسقاط الحضانة بسبب المخدرات، أو وجود أحكام بالسجن للحاضن أو الحاضنة.

ومن الجدير بالذكر، إنه في بعض الأحيان يؤخذ برأي الطفل في اختيار الحاضن، إلا إذا كان رأيه يخالف مصلحته الأساسية.

الإراءة

من الواضح أنه ما عدا قرار التفريق أو الطلاق، ليست لأي قرارات صادرة عن القضاء السوري أي تأثير على القانون الألماني ولا تنفذ في ألمانيا، ومن ضمنها الإراءة.

الإراءة هي: قيام الطرف الحاضن بتمكين الطرف الآخر من رؤية أطفاله لمدة يحددها القضاء، تتراوح بين ساعتين إلى يومين في الأسبوع.

والإراءة تبدأ بالتفاوض بين الزوجين أمام مركز رعاية الأسرة، وذلك بعد طلب يقدم من طالب الإراءة إلى المركز، وفي حال الخلاف يتم اللجوء إلى المحاكم .

هذا وقد حاول الكثير من الأزواج السوريين الباقين في سوريا أو لبنان، رفع دعاوى استرداد قاصر أو إبطال حضانة وغيرها من الدعاوى عبثاً، ولم يعترف بتلك القرارات.

ومن جانبٍ آخر، وبسبب قيام بعض السوريون بعد حصولهم على قرار الإراءة، باختطاف أطفالهم وإعادتهم إلى سوريا أو تركيا، قامت بعض المحاكم بناءً على طلب الزوجة بمنع سفر الطفل مع والده خارج الاتحاد الأوروبي أو ألمانيا، أو تم منح الوالد مدة إراءة قدرها ساعتين فقط، وفي مركز رعاية الأسرة، وتحت اشراف الموظفين.

وبحسب ما سبق فإن القانون الألماني هو الوحيد صاحب الولاية الشخصية، في كل الإجراءات الإدارية و القضائية الخاصة بالأسرة، والتي تتم في ألمانيا وتخص كل من يقيم فيها، ولا تعترف بأي قرار صادر خارجها، ماعدا قرار التفريق أو المخالعة أو الطلاق.

 

المحامي والمستشار القانوني

جلال محمد امين

برلين

مواضيع ذات صلة:

الطلاق بين اللاجئين

طلّقتني زوجتي، وأفكّر بالعودة إلى سوريا

المرأة اللاجئة بين الزواج الديني والزواج المدني

انفجار في مترو أنفاق لندن

عن الصحة النفسية للاجئين في برلين… استراحة المحارب