in

موسم الهجرة إلى الشمال

موسم الهجرة إلى الشمال، عنوان رواية للكاتب السوداني “الطيب الصالح” قرأتها في بداية التسعينات، لفتني حلم بلدان الجنوب بالهجرة إلى بلدان الشمال، إلى القارة الأوروبية حيث حرية الإنسان والعدالة.

والآن وقد مرت أكثر من خمس سنوات على بدء نزوح السوريين إلى بلاد الشتات، منهم مازال في المخيمات أو دول الجوار العربي، ومنهم من حالفه الحظ ووصل إلى أوروبا، وحقق حلمه.

تعددت أسباب الهجرة السورية: الخوف من الاعتقال، الهروب من قمع النظام، الخوف من قصف الطائرات والقذائف، الهرب من داعش ومشتقاتها، والحلم بحياة أفضل للأطفال. وبعد خمس سنوات من النزاع قليلة هي العائلات التي لم يسافر أحد أفرادها خارج البلد.

أما البقية الباقية من السوريين الذين لم يغادروا، فجزءٌ منهم لم تساعده ظروفه المادية على السفر ولم يستطع مواكبة موجة التهريب التي انتهت عملياً بنهاية عام 2015، وجزء آخر كان لديه قرار ذاتي وواعي بعدم السفر، وجزء لم يسافر لأنه يخشى فكرة الهجرة أو لأنه لم يتضرر بشكل يدفعه للهرب.

الآن وقد هدأ العنف قليلاً في أغلب المناطق وعاد قسم من النازحين إلى مناطقهم لم يتحسن وضع السوري بل تضاعف حلم الهجرة إلى الشمال لدى الكثيرين، حتى بعض أولئك الذين اتخذوا قراراً بالبقاء في البلد رغم توفر الفرصة لديهم للهجرة في وقت سابق، الآن بدأوا بمراجعة قرارهم بالبقاء. هل أخطأؤا في حق أطفالهم؟ ألازالت الفرصة سانحة للالتحاق بركب المهاجرين إلى الشمال؟

مع انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي بشكل كبير، أصبحنا نسمع ونرى عن نجاحات السوريين في بلدان الاغتراب، كثيرون شاهدوا سوريين لم يكونوا معروفين في الداخل تحولوا إلى أبطال في الغربة وفي أغلب المجالات. نساء كثيرات يعانين من فشل زيجاتهنّ، بدأت تدغدغ مشاعرهن قصص سوريات في أوروبا استطعن الانفصال عن أزواجهن وساعدتهن الدولة في تأمين مسكن لهنّ ولاطفالهن. شبان موهوبون فشلت أحلامهم في الداخل شاهدوا أشخاصاً يشبهونهم ينجحون في تحقيق أحلامهم في الخارج. ويبقى الهاجس الأكبر للهجرة من نصيب الشباب الذين يخشون على حياتهم من فكرة الموت السريع تحت راية التجنيد الإجباري في الجيش السوري النظامي.

حملة عودة الاستقرار المزعوم التي تبثها جميع وسائل الاعلام السورية ربما تقنع المشاهدين في الخارج، ولكنها لاتقنع السوري داخل البلد وهو يرى بعينه انتشار السلاح بين اغلب فئات الشباب دون أي رقيب، حيث يمكن أن يكون أي شخص ضحية لرصاصة طائشة في عرس أو جنازة أو اختلاف مع مسلح على ركن سيارة.

انتشار الفساد في جميع مؤسسات الدولة مع ارتفاع هائل بالأسعار وثباتٍ بالأجور، يدفع المواطن العادي إلى البحث عن وسيلة لتأمين متطلبات منزله، فإذا كان رافضاً الانخراط في منظومة الفساد سيضطر للبحث عن وظيفتين أو ثلاثة وللعمل أكثر من 12 ساعة لتأمين ضرورات الحياة أو للعيش في فقر مدقع.

تراكم نتائج الحرب والقتل والهدم دون تعويض عادل للمتضريين، ولا اعتراف بالأخطاء المرتكبة ودون محاسبة مرتكبي الجرائم، تجعل الجميع يشعر بأنه يعيش فوق  فوهة بركان يمكن أن يشتعل مجدداً في أي لحظة ليحرق الاخضر واليابس.

هذا كله يجعل حلم بعض السوريين بالفيزا التي ستوصلهم إلى القارة العجوز يكبر يوماً بعد يوم، وإن لم تتحقق العدالة على أرضهم فسيخترعون من الحلول مايوصلهم إلى حلمهم يوماً ما.

سلمى الدمشقي / كاتبة من سوريا

اقرأ أيضاً:

رواية أروندهاتي روي المنتظرة، والخبر المتأخر!

حافلة الإسكان العسكري

test text text text text

بين اللجوء في ألمانيا ومتطلبات العمل السياسي، حوار مع أليس مفرج