in ,

معهد “ماكس بلانك”: دراسة الدماغ عبر تعلّم الألمانية

أبواب-لايبزيغ.

“معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك البشري والدماغ” من المراكز العلمية الألمانية الشهيرة، ويجري منذ 20 عامًا أبحاثًا في علم الأعصاب البشرية، ودراسة وظائف الدماغ (اللغة، العواطف، السلوك الاجتماعي..). يقوم المعهد حاليًا بتجربة فريدة لبحث التغييرات التي تطرأ على الدماغ نتيجة اكتساب لغة جديدة. العيّنة المبحوثة هي طلبة عرب يتعلّمون اللغة الألمانية. لمتابعة الموضوع زارت “أبواب” مقرّ المعهد في مدينة لايبزيغ والتقت المشرفين وبعض المشاركين.

توماش غوشا
توماش غوشا

يقول توماش غوشا (Tomás Goucha) المشرف على الجانب العلمي للتجربة: “هذه الدراسة الأولى التي تختص باللغة الألمانية والعربية. لم تنجح التجارب السابقة بالشكل المطلوب لأن عدد المشتركين كان قليلاً ولم يُفحصوا بشكل جيد، وليسوا في الدورات نفسها، وإنما في دورات محتلفة، لذا عرضنا تقديم دورة اللغة للمشتركين لإجراء البحث”. وأضاف: “تطرأ تغييرات على الدماغ عند اكتساب اللغة الأولى للإنسان (اللغة الأم)، وعند اكتساب لغة جديدة تحدث تغيرات في الدماغ”.

ولدى السؤال عن المعايير القانونية والأخلاقية للتجربة باعتبارها على البشر، ويخضع المشتركون لتصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي، أكّد توماش أن التصوير بالرنين المغناطيسي يُستخدم منذ أكثر من 20 سنة، ولم يسجل أي أثر سلبي على الصحة.

اختير المشاركون من سوريا، فلسطين، لبنان، العراق، والأردن. وعن هذا يقول المشرف على دورات اللغة، ماتياس شفيندمان (Matthias Schwendemann): “اخترناهم من هذه الدول من أجل اللهجة، فاللهجات متقاربة فيما بينها. نعلم أن هناك اختلافات داخل هذه اللهجات لكنها عمومًا متقاربة وهذا سبب الاختيار”.

تستمر الدورة ستة أشهر يجري الطلبة في نهايتها امتحان B1 الرسمي، ويخضعون للتصوير بالرنين المغناطيسي ثلاث مرات: قبل الدورة بأيام، وفي وسطها، ثم في نهايتها.

طارق (25سنة) تحدّث عن الدورة قائلاً: “أخبرني أصدقاء بوجود دورة لغة وفيها دراسة على الدماغ فوافقت فورًا، لأنني كفلسطيني/لبناني لا أحصل على فرصة كاللاجئين الذين يدفع لهم مكتب العمل تكاليف دورة اللغة، فوجدت أنها فرصتي وأنا أتابع بشكل جيد”. وردًّا على سؤال “أبواب” إذا ما كان سيغيّر قراره لو أن لديه فرصة عبر مكتب العمل، أجاب: “الموضوع سواء بالنسبة لي، وأردت أن أحصل بسرعة على فرصة تعلم اللغة. هناك صعوبة ولكن الأمور تتحسن”.

ياسر من سوريا، تحدّث كيف أتاحت التجربة اكتشاف شيء في رأسه: “بعد التصوير أخبروني بوجود نقطة سوداء في رأسي وسيعيدون فحصها. لو لم أشترك في هذا البحث ربما تطوّرت الحالة بعد سنوات”. ويضيف: “طمأنني الدكتور توماش أنها ليست بالمشكلة الخطيرة، وسيرسلني إلى طبيب مختص، فالمعهد يجري أبحاثًا ولا يمكنه القيام بتشخيص طبي. الإدارة ساعدتني، رافقوني إلى طبيب عام، وحددوا موعدًا مع طبيب مختص”.

رفا (30 سنة) من سوريا، لم تحصل بعد على الإقامة، لكن اهتمامها باللغة دفعها للمشاركة. تقول: “موضوع اللغة يهمني، وعدم حصولي على الإقامة يؤخر دخولي دورات اللغة، فسارعت إلى التسجيل ما إن علمت بالموضوع، ورغم توفّر فرصة التسجيل في مدرسة أخرى، سأتابع هنا فالاهتمام كبير، ولو أرادوا التواصل معنا مستقبلاً لمتابعة أبحاثهم أنا مستعدة”.

نادين مدرسة لغة، عبّرت عن أهمّية المشاركة بالنسبة لها. تقول: “أنتظر النتائج بفارغ الصبر لأنها مهمة لي أيضًا كطالبة دكتوراه في تدريس اللغة الألمانية كلغة أجنبية. للمدرّس دور فعال في التجربة لأنه سيساهم في الوصول إلى نتائجها. نشارك في الاجتماعات المتعلقة بالدورة وكيفية التعامل مع الطلاب وأساليب التدريس”. وتحدثت نادين عن الطلاب بالقول: “لم أجد صعوبة في التعامل معهم، ولمست الرغبة لديهم في تعلم اللغة بسرعة، وهم مقبلون عليها بشكل جيد. برغم الأوضاع الصعبة التي عاشوها لم يؤثر هذا على حماسهم”. وختمت نادين: “لدي تعاطف معهم، فأنا من جذور عربية وأتمنى لهم تعلم اللغة والعيش بسعادة في المجتمع الألماني، وأتمنى نجاح التجربة”.

ماتياس شفيندمان
ماتياس شفيندمان

يرى المشرف العلمي أن ستة أشهر كافية للوصول إلى النتيجة العلمية المرجوة من البحث لأن المشتركين يأتون متحمسين دائمًا ويشاركون في الدورة بشكل فعال، ويضيف: “اخترنا مستوى B1 بشكل مقصود لأنه بعد الحصول عليه يكون الشخص قد أصبح أكثر اعتمادًا على نفسه في تعلم اللغات”. وختم حديثه بالتأكيد على سلامة الطلاب ومتعة العمل معهم: “ليس هناك أي خطر على الطلاب، والباحثون سعداء بالعمل معهم، يوميًا نتعلم منهم أشياء جديدة. إنّ العمل في البحوث على الدماغ بالتزامن مع اكتساب اللغة أمر مهم، وأنا متحمس للعمل في هذا المجال”.

مشرف الدورة (توماس) أبدى ارتياحه لالتزام الطلاب. يقول: “عمومًا المعلمات مسرورات من التزام الطلاب، وهم يأتون متحمسين، وكثيرًا ما يكون التأخّر بسبب مواعيد مكتب العمل والسوسيال، ونحن نحاول مساعدتهم لمتابعة الأمور البيروقراطية.” ويؤكد توماس على متابعة الطلاب حتى بعد نهاية الأشهر الستة التي يحتاجها الجانب العلمي من التجربة: “نعمل بشكل منظم، لدينا مدرسون متمكنون، ونتعاون مع معهد هيردا في جامعة لايبزيغ، وهو أول معهد علمي لتعليم الألمانية كلغة ثانية، ونحن بالتأكيد لن نترك طلابنا لوحدهم. لدينا علاقات جيدة لأن معهد ماكس بلانك هو مركز بحث علمي مشهور، سنساعدهم على الدخول في دورات B2 و C1، ليتابعوا دراستهم”.

اللاجئون (المسلمون) و”الإرهاب”: لماذا يصعب على اللاجئ أن يكون إنسانًا “عاديًّا”؟

مهرجان الصيف في لايبزغ 2016: موسيقى وثقافة وطعام بنكهة التنوع والتعايش