in

تهديم الماضي.. قتل للمستقبل

حوار مع مركز الآثاري السوري (مدماك)، حول توثيق حالات الانتهاك التي تتعرض لها المواقع الأثرية والمباني التاريخية في سوريا

خاص أبواب – حيدر هوري

 

مازالت حالة الاحتراب مستمرة في سوريا، بين قوات النظام والفصائل المعارضة المسلحة، ومنذ نشوء الصراع وحتى هذه اللحظة، تعرضت مواقع أثرية وتاريخية كثيرة للتدمير والتخريب، وبالتالي إحداث خسائر وأضرار كبيرة، في التراث المادي والحضاري السوري. وأمام اندفاع المهتمين بشؤون اللاجئين ومنكوبي الحرب، إلى تأسيس منظمات تهتم بحقوق الإنسان واللاجئين؛ لم نر ذات الاهتمام من المختصين، والقانونيين والحقوقيين، وحتى الإعلام، فيما يتعلق بالحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية السورية، في ظل الصراع الحالي رغم أهمية الموضوع وضرورته.

أطلق مؤخرا مركز دراسات الآثاري السوري (مدماك)، موقعه الإلكتروني الخاص بتوثيق حالات الانتهاك، التي تتعرض لها المواقع الأثرية، والمباني التاريخية في سوريا. ونشر المركز تقريرًا مفصلاً فيما يتعلق بتلك الانتهاكات، خلال الفترة ما بين عامي 2011-2015. للوقوف عند دور مدماك ونشاطه وأهدافه كان لنا اللقاء التالي مع مؤسسي المركز، مصطفى السكاف (مدير المركز)، مصطفى أحمد (مدير قسم الدراسات)، خالد الاختيار (عضو مؤسس).

img-20160724-wa0043

  • كيف بدأت فكرة مدماك وكيف تبلورت؟

منذ عقود والتراث الثقافي المادي السوري عرضة للتهميش والإهمال، الأمر الذي أفقد المواطن السوري أي صلة عضوية بتراثه. كما أنّ تطور الأحداث في سوريا، وتحول السجال السياسي إلى نزاع عسكري، كان له تأثير كبير على معظم القطاعات، وخاصة قطاع التراث الثقافي المادي الغني.

من هنا التقت في بيروت مجموعة من الباحثين، والمهتمين في مجال التراث الثقافي، وعملت على تأسيس بنية مؤسساتية في شتاء عام 2013، تحت اسم ”مدماك – مركز دراسات الآثاري السوري“ وقامت بالتسجيل في المملكة المتحدة بتاريخ “31-12-2014″، في محاولة منها لحماية هذا التراث، وإعادة تفعيل العلاقة بينه وبين المجتمع، عبر إيجاد منصة توثيقية وبحثية، لمتابعة وإنتاج الأبحاث والدراسات المتعلقة بنشر الوعي الثقافي التاريخي، وفضح الممارسات غير الأخلاقية الممنهجة، التي كانت ولا تزال تسيء لهذا التراث.

  • مركز مدماك الهدف والغاية من الانشاء.

يهدف المركز إلى توصيف واقع التراث الثقافي المادي السوري، من خلال التوثيق والمتابعة، بالإضافة إلى دعم وتحفيز البحث العلمي، المرتبط بالتراث الثقافي المادي السوري ومستقبله، خاصة مع الباحثين الشباب. كما يركز على زيادة الوعي المعرفي بشؤون التراث الثقافي المادي، في أوساط الباحثين والجمهور العام. بغرض المساهمة في إبراز القيمة العلمية والجمالية للتراث الثقافي السوري.

  • لماذا اسم مدماك؟

الاسم هو مفردة عربية، يعرّفها مختار الصحاح كالتالي “المِدْمَاكُ: الساف من البناء أو الصفُّ من البناء”. والتسمية دلالة على ما يؤمن به فريق العمل الذي يعدّ نفسه مشاركا في تمثيل مرحلة من مراحل التاريخ السوري الطويل والمستمر. إذ يجب علينا في هذه المرحلة الصعبة، والمليئة بالتصدعات في بنيان المجتمع السوري، على عدة أصعدة: العمل على نشر الوعي الثقافي المرتبط بالتراث السوري، كتراث جامع لكل السوريين بمعزل عن الاختلافات الراهنة، علاوة عن كونه تراثًا إنسانيًا قيّمًا. وكذلك العمل على المشاركة في تقييم الأضرار والانتهاكات الواقعة على هذا التراث المادي، لإعادة إحيائه مستقبلاً. إضافة إلى التركيز على متابعة عملية البحث العلمي، بشؤون التراث الثقافي وخاصة في أوساط المتخصصين الشباب.

  • من أنتم في فريق مدماك؟

المركز حديث النشأة، ولا تزال هيكلته الإدارية في طور التحديث، وستبقى عمليات التغيير جارية إلى أن يتم الوصول إلى الشكل الأمثل الذي يلبي رسالة المؤسسة. فقد تجاوز عدد الذين أسهموا في العمل في المركز (حتى الآن) العشرين فردًا. معظمهم متخصصون في التراث (داخل سوريا وخارجها). لكن الفاعلين الحاليين أقل من ذلك. وترجع هذه التبدلات في عدد المساهمين في العمل إلى أسباب كثيرة، من أهمهما الصعوبات اللوجستية لمعظمهم في أماكن استقرارهم الحالية، حيث أنهم يتوزعون على أكثر من خمسة بلدان، واضطرارهم إلى العمل في البيئة الافتراضية المتاحة وغير المستقرة بدورها. دون أن ننسى شح الموارد المالية، والعجز عن التفرغ للعمل للأسباب آنفة الذكر.

  • ما هي ألية ومنهج عمل المركز والموقع الالكتروني للمركز في التعامل مع الوقائع والأحداث؟

يقوم المركز بنشاطاته وفق مستويين رئيسيين، المستوى الأول: العلمي: يتعلق بإنتاج ونشر الدراسات والمقالات العلمية المرتبطة بالآثار السورية والتراث الثقافي المادي على الموقع الإلكتروني، والسعي إلى نشرها في كتب ودوريات مطبوعة.

أمّا المستوى الثاني فيتعلق بتوثيق ووصف الانتهاكات والتعديات بشكل منهجي على الأبنية التراثية والمواقع الأثرية، ونشر هذه التعديات في تقارير ومقالات ودراسات على الموقع الرسمي للمركز.

ويتم توثيق كافة التعديات ضمن أرشيف المركز، وذلك من حيث ماهيّة الموقع المنتهك، وتفصيل الانتهاك، وزمن وتاريخ ذلك الانتهاك، والمسبب الرئيسي للانتهاك، مع ذكر المصدر الذي تم الحصول على المعلومات منه، إضافة إلى أرشفة كافة الصور ومقاطع الفيديو التي توثق الموقع المنتهك، ليصار إلى إصدار تقارير بالاعتماد على هذا الأرشيف. كما يتم متابعة كافة المقالات والدراسات سواء الصحفية منها أو العلمية، ويتم إعادة نشرها على الموقع الالكتروني، وذلك لتعريف المهتمين والمتخصصين بما يتم تداوله محليًا وعالميًا فيما يخص الآثار السورية، وخاصة في المرحلة الراهنة.

img-20160724-wa0045

  • ما هي النتائج التي حققها المركز حتى الآن؟

ركز “مدماك” منذ بداية تأسيسه على وجوده كمنصة توثيقه وبحثية. إذ عمل الفريق الموجود على توثيق كافة الانتهاكات والتعديات التي ارتكبت بحق المواقع الأثرية والأبنية التراثية القديمة في سوريا، وذلك ضمن أرشيف خاص بالمركز، حيث تمت الإشارة إلى بعض محتوياته في التقرير الذي نشر على الموقع الالكتروني تحت عنوان “تقرير مدماك 2011-2015”. كما تم إنشاء جدول زمني يوثق التعديات على الآثار السورية على الموقع ذاته. ومن خلال هذ الجدول يمكن التعرف على زمن الانتهاك وبعض التفاصيل عنه، ويتم تحديث المعلومات الواردة فيه تباعًا.  كما يمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر عن هذا الجدول بشكل أكثر تفصيلاً في التقرير ذاته، مع مراعاة أن الجدول هو “جدول أوليّ”، إذ يلزم معاينة الأضرار عن كثب للتحقق ووضع تقارير علمية توصف حالة الأثر ونوعية الأضرار الواقعة عيانًا. كما أنّ أرشيف الصور والفيديوهات والمقالات والأخبار للأضرار والانتهاكات التي وقعت على التراث الثقافي يمكن له أن يكون مصدرًا للمهتمين بمتابعة ما جرى للمواقع الأثرية والمباني التراثية السورية.

من جانب أخر يعمل “مدماك” على تقديم دراسات ومقالات علمية، وذلك من خلال إنتاج دراسات متخصصة بالتراث الثقافي المادي السوري، وترجمة المقالات والدراسات العملية المتخصصة، علاوة على استقبال الدراسات والمقالات العلمية من المتخصصين من خارج المركز. مع التنويه إلى ضرورة وجود هيئة علمية مساندة تبدي موافقتها على عمليات المراجعة العملية للمواد قبل نشرها في الموقع الإلكتروني، أو في الكتاب الدوري المتخصص. وينتهز مركز “مدماك” الفرصة كي يؤكد على أن الباب مفتوح أمام جميع المهتمين والمتخصصين للمشاركة في إرسال الدراسات العلمية الجادة، وإبداء الرأي.

  • ما هي العقبات والتحديات التي يواجهها المركز؟

من جملة العقبات التي تواجه المركز ضعف الاهتمام المحلي والعربي بقضايا التراث الثقافي خارج إطار التغطية الإعلامية العامة، أو الموجهة (البروباغندا). إذ يسعى “مدماك” إلى تسليط الضوء على الآثار السورية ماضيًا وحاضرًا، ورفع سوية الوعي بشؤون التراث السوري. ومن العقبات الأخرى أيضًا ما يتعلق بطبيعة عمل المركز في بيئة افتراضية يقتصر فيها التواصل بين أفراد فريقه على الشبكة العنكبوتية (يتوزع الفريق الحالي على ثلاثة بلدان مختلفة). ناهيك عن تعذّر إمكانية التواجد حاليًا داخل سوريا جرّاء الأوضاع القائمة والتي تعيق عمل الفريق. كما يمكننا الحيث هنا أيضًا عن عقبات تتصل بالتحدي الماثل بالحصول على المعلومات والتثبت من صحتها في معظم المناطق، وخاصة مناطق الاشتباكات. دون أن نغفل ضعف القدرات المادية كما أسلفنا في جوابنا على سؤال سابق.

  • ماهي الرسالة التي تتوجه بها أسرة مدماك إلى أطراف النزاع في سوريا وإلى الهيئات والمنظمات المحلية والعالمية فيما يخص مجال عملها؟

يؤكد “مدماك” على أنّ التراث الثقافي السوري هو تراث للسوريين جميعًا، وأنّ العمل على حمايته مهمة تتطلب تضافر جميع الجهود المحلية والدولية. إذ يرى “مدماك” أنّ تمترس القوى العسكرية في حرم المواقع الأثرية، واستمرار وتيرة الصراع على ما هي عليه، ينبئان بحصول تدمير أكبر بكثير للمواقع الأثرية السورية مستقبلاً. خاصة أنه يصعب معرفة الوضع الحالي للعديد من المواقع، إذ لا يمكن الإحاطة دائمًا بكافة الأضرار التي تقع لصعوبة الوصول إلى مواقع الاشتباكات في معظم الحالات. بيد أنّه علينا توخي الحذر في استخدام الأوضاع العسكرية والسياسية غير المستقرة في البلاد كذريعة لتبرير هذه الانتهاكات الجسيمة الواقعة على التراث الثقافي المادي السوري، على اعتبار أنّ الآثار السورية انتقلت إلى حالة من التدمير الممنهج أحيانًا، وغير المقصود في أحيان أخرى، في ظل غياب أي حماية ذات شأن لهذه المواقع. دون أن ننسى أنها كانت في السابق تعاني من الإهمال أيضًا.

وهنا لا بد من التأكيد على الدور الهام الذي تقوم به معظم الجهات لتوثيق الأضرار الحاصلة وحماية المواقع الأثرية السورية، وعلى رأسها “المديرية العامة للآثار والمتاحف”، وكل العاملين فيها، إضافة إلى مجموعات العمل المحلية “المستقلة” (المتخصصة والمهتمة) في حلب وإدلب ومعرة النعمان ودرعا، وعدد من المؤسسات والجمعيات خارج سوريا مثل “جمعية حماية الآثار السورية-APSA”، ومؤسسة “التراث من أجل السلام-Heritage for Peace “، ومبادرة “المعهد الأميركي لدراسة الشرق الأدنى-ASOR “، ومبادرة متحف الفن الإسلامي “الأرشيف الحضاري السوري”. بالإضافة إلى المنظمات الدولية المعنية مثل “اليونسكو”، و”الايسيسكو”، و”الايكوموس” و”الانتربول”.

ويناشد “مدماك” كمؤسسة بحثية مستقلة الجميع العمل الفوري على إيقاف الأعمال العسكرية التي تجري في حرم المواقع الأثرية أو في محيطها، وحظر استهدافها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتجريم التحصن فيها واستعمالها لأغراض عسكرية من قبل جميع القوى العسكرية وذلك استنادًا إلى ما ينص عليه القانون الدولي، و”اتفاقية لاهاي” 1945 وبرتوكوليها و”اتفاقية جنيف” 1949 (البرتوكول الأول 1977) بشكل خاص المادة 53 (حماية الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة). كما يحث “مدماك” كافة المؤسسات المعنية بشؤون التراث الثقافي السوري (الحكومية وغير الحكومية) على ضرورة تفعيل العلاقات بينها، تحت مظلة وطنية سورية جامعة بمعزل عن الاختلافات السياسية الراهنة، وذلك بغرض الحد من عمليات التجارة بالممتلكات الثقافية السورية، وإيقاف عمليات التدمير والتخريب الجارية في المواقع الأثرية السورية.

فرنسا تعتقل 3 نساء، خططن لهجوم إرهابي باستخدام سيارة محملة بأسطوانات غاز

فرنسا: مصادرة ممتلكات لرفعت الأسد ضمن قائمة بقيمة 12 مليون يورو