in ,

اللاجئ واللاجئ المندمج

فايز العباس. شاعر وكاتب سوري مقيم في ألمانيا

لا ينفك السوري ينظّر على أخيه السوري في كل شاردة وواردة، حتى أن المراقب ليرى، أن السوريين دائمو الانقسام، بين (مع) و(ضد)، في كل أمر وموقف، لدرجة أننا لم نر إجماعاً سورياً على أي نقطة منذ بداية الثورة/ التخريب، وعلى سبيل المثال: ثائر/ إرهابي، لاجئ/ عميل، بسيط/ جاهل، مطالب بالحرية/ عميل مرتزق… الخ.

وعليه ظلت منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، تغص بالرأي والرأي المعاكس، حتى في أبسط الأمور والمواضيع، التي لاتحتمل هذا الاختلاف الكبير في وجهات النظر.

وليس أخيراً ثارت حفيظة السوريين، تجاه مقطع فيديو يصور البوليس السويدي، وهو يقوم بتجريد أبوين سوريين من أولادهما، أو من ابنهما الصغير، وتقول الرواية الرسمية، أن الوالدين خالفا قوانين البلد، (مكان اللجوء)، بكيفية رعاية الأطفال، وإنهما يلجآن للضرب والشدة في معاملة الأطفال، وراحت التعليقات حول الحادثة تتناول الموضوع بالسخرية حيناً، وبالتشفي أحياناً، وبتعاطف خجول أحياناً أخرى.

واللافت أن بعض المثقفين “الفسابكة”، ممن تناولوا الحادثة بالتنظير، يرون أن اللاجئ السوري، الذي هرب من الحرب الدائرة ليحصل على أمان منشود في دول آمنة، عليه أن يغير من سلوكه، ويغير طباعه، ليندمج بالمجتمع الأوروبي الجديد، الذي تحكمه (الأخلاق) وحدها -بحسب القائلين بذلك- وبغض النظر عن أحقية المطلب، وعن أن هذه الأخلاق المزعومة، محكومة أصلاً بضوابط كثيرة، لا تتماشى مع الضوابط الأخلاقية والمجتمعية، التي تربى عليها السوري/ الشرقي.

لست هنا بصدد نقد الموروث، بقدر ما أدعو لتفهم العقلية البسيطة الموروثة بالتراكم الحياتي في البلد المنشأ، حيث أننا أمام عقلية مبنية ومنجزة، وعليه يجب أن ننظر للأمور انطلاقاً من المنجز، لا من المطلوب تغييره وإنجازه بين ليلة وضحاها. فالحادثة التي انشغلت بها مواقع التواصل، تظهر جانبين وهما: بعض السوريين “ربما أغلبهم”، هم من الطبقة غير المثقفة تثقيفاً حقيقياً، ويعانون من مسألة الاندماج في المجتمع الجديد. وعليه فهم لا يتقبلون –خصوصاً في تربية الأطفال- النموذج الجديد من الحياة، والجانب الثاني: أنهم لايدركون حقيقة المجتمع الجديد، وصرامته في بعض الأمور “العادية” بالنسبة لهم، وأيضاً دون غض النظر عن أنهم أصلاً اعتبروا اللجوء حالة هرب من الحرب، قبل أن يعتبروه وسيلة تغيير لمنظومتهم الأخلاقية التي يحملونها، ويعتدون بها، من هنا يجب النظر والتعويل على المثقف، ليكون نصيراً لأخيه ومعاوناً، لا منظراً مستهزئاً.

الحادثة يتفطر لها القلب، وعلينا أن نعمل على منحيين، أولهما تبيان وشرح قوانين البلد للبسطاء من اللاجئين، وثانيهما محاولة إيصال رسالة لبلاد اللجوء وجهاتها المعنية، لشرح الحالة السورية، ومحاولة إيجاد حلول وسط بين اللاجئ والجهة المعنية، من خلال ترك المجال لتدخل السوريين، والمساهمة بحلحلة المواضيع الخلافية، دون اللجوء، أو مع مراعاة هذه الخصوصية المجتمعية، على الأقل لفترة محددة يتم التوافق عليها، ربما يبدو الطرح غير معقول في بلد تحكمه الصرامة المقوننة، ولكنه مُرضٍ، لو استطاع السوريون توحيد مساعيهم، وطرحها بشكل مؤسساتي، يتوافق مع البيروقراطية الحاكمة لكل مناحي الحياة هنا.

إن مسألة الاندماج، مطلب محق من جهة أن اللاجئ ضيف قد تطول فترة استضافته، وعليه أن يتأقلم مع الإيقاع الجديد للحياة، وأن يحترم وينضبط بقوانين البلد المضيف، هذا إذا استسلمنا لكوننا مجرد ضيوف، لا مواطنين جدد، ينتظر منا المجتمع الجديد، أن نتبع الأنظمة الحاكمة والضابطة للمجتمع عموماً، وعليه لابد لنا نحن اللاجئين من التعامل مع الظرف وأحكامه الجديدة بعقلانية، وذلك يتطلب منا تغيير الكثير من السلوكيات التي اعتدنا عليها، ولكن ذلك بالمقابل، لا يحدث ولن يحدث قبل فهم وهضم هذا الطارئ الذي قد يطول، وأحسبه كذلك.

أخيراً: قبل أن نستهزئ بمشاعر أبوين مكلومين بفقد أولادهما، بسبب حالة الجهل التي يعانون منها بأسلوب الحياة الجديدة، علينا أن نبدي شيئاً من الاحترام تجاه مشاعرهما، والابتعاد عن التنظير غير المسؤول، ومحاولة إيجاد الحلول، بدل طرح التعليقات التي لاتسمن ولا تغني، ولا تبدي سوى سوءتنا التي لم تنجح سنوات من الحرب والقتل والتهجير في لجمها.

انخفاض عدد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط

معرض سوريا الفن والهروب