in ,

مفاتيح الحياة الهانئة… “كول مر واشرب مر بس لا تعاشر مر…”

بيداء ليلى – بون ألمانيا

هل هنالك غذاء أساسي وآخر ثانوي؟
الكثير منا عندما يفكر بالطعام، يفكر حصراً بالوجبات اليومية الأساسية التي تسكت جوعه وتعينه لاستكمال يومه وما يحمله من واجبات ومسؤوليات. وتعود تسمية مصلح الغذاء أو الطعام الأساسي إلى خبير التغذية التكاملية جوشوا روسينثال، ولكن دعونا نعود قليلاً إلى أرشيف ذاكرتنا الشعبية وحِكم من سبقونا.. يقول المثل الشعبي”كول مر واشرب مر بس لا تعاشر مر”؟

فإذاً الطعام غير محصور بالموجود على الطبق ولكن يشمل الناس اللذين يشاركونا إياه، أو البيئة التي نعيش بها. التغذية لها أبعاد تشمل جوانب كثيرة في حياتنا، كالعلاقات الصحية وممارسة عمل تحبه وممارسة نشاط رياضي يومي بالإضافة إلى علاقتنا بالجانب الروحاني في تجربتنا الإنسانية.

ذكريات الطفولة تعود بالكثيرين منا لأوقات قضيناها في اللعب وانغماسنا فيه إلى درجة إننا تجاهلنا المرات العديدة التي كانت فيها امهاتنا تنادينا لتناول الغداء. وماذا عن الوقت الذي قضاه البعض في التخطيط لمشروع شغف به حتى وصل نهاره بليله ونسي أكله وشربه. أو عندما أحببنا أحداً ما جداً وأصبح صوته أو صوتها بمثابة غذاء حقيقي استغنينا به عن وجبات الطعام.
إذا الغذاء لا يشمل اطعام الجسد فقط ، بل العقل والقلب والروح أيضاً.

من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم:

عندما نتحدث عن العلاقات في هذا السياق، لا نتكلم فقط عن العلاقات العاطفية، ولكن يشمل هذا الجانب جميع العلاقات التي تحيط بنا والتي تلازمنا في الحياة منذ ولادتنا. علاقتنا مع الأهل والأصدقاء ورؤسائنا وزملائنا في العمل. وهذا الجانب مهم للعديد منا خاصة وأن مفهوم الجماعة مهم جداً في مجتمعاتنا العربية.
أكد بحث أجرته جامعة تابعة لولاية مشيغن الأمريكية  ضم دراستين شملتا مشاركين من مئة بلد حول العالم، مدى ارتباط السعادة بالعلاقات وارتباط العلاقات بالأمراض المزمنة، حيث أن للعائلة والأصدقاء تأثير كبير على مستويات السعادة والصحة لدى نسبة كبيرة من المشاركين في البحث.

عندما ننظر بتمعن إلى بعض الأشخاص في حياتنا، سنرى كيف أن صحبة بعضهم تمدنا بالقوة والسعادة والدعم المعنوي، في حين أن صحبة بعضهم الآخر تشعرنا بالإحباط والوحدة وكأن لا وجود لهم في حياتنا.
لذلك ترتيب علاقاتنا في الحياة لا يقل أهمية أبدا عن ترتيب منازلنا. بنفس الطريقة  التي نتخلص بها من أشياء قديمة لا تلزمنا ولا تشعرنا بالسعادة بعد الآن ، علينا أن نمعن النظر إلى الأشخاص المحيطين بنا ونسأل أنفسنا اذا كنا نشعر بالدعم والسعادة بوجودهم أم لا. هل تشعر بنفسك أنك الداعم الوحيد في هذه العلاقة وبأن هذا الصديق ليس له وجود إلا عندما يحتاجك؟ هل تشعر بالوحدة عند وجوده أو وجودها؟ هذه الأسئلة ستساعدنا على تمييز الصديق الحقيقي الذي يكون داعماً لنا ويشبع عندنا الشعور بالدعم والحب وذلك الذي ليس لوجوده معنى بعد الآن.

إعمل ما تحب:

الكثير منا يقضي ثمانية ساعات في العمل من أصل ٢٤ ساعة مقسمة بين نوم ونشاطات أخرى، مما يجعل العمل جزءاً مهماً جداً من حياتنا اليومية. لذا من المهم أن نحب العمل الذي نقوم به أو اذا لم نكن نحبه بأن نعمل على تحسينه أو البحث عن عمل آخر نحبه.

هذا لا يعني أن نترك العمل بشكل فوري اذا أحسسنا بأنه لا يناسب أهدافنا وتطلعاتنا وشغفنا في الحياة. فالكثير منا لديه الكثير من المسؤوليات وليس بمقدورنا ترك العمل فقط بسبب شيء معين لا نحبه فيه. علينا في هذه الحالة أن نقوم بالبحث عن أي شيء جيد موجود في هذا العمل الذي نزاوله في الوقت الحالي. ممكن أن يكون عمل مرن يمكنني من العمل من المنزل على سبيل المثال. أو ممكن أن يكون رئيسي في العمل وزملائي ودودون جداً ويقومون بدعمي وبيئة العمل جيدة ومرضية بالنسبة لي. أو يمكن أن يكون عملي جيد ويعطيني شعور بالاستقرار المادي، حيث يمكنني مزاولة عمل آخر جانبي أحبه مثل أعمال تطوعية او أعمال تخدم قضيه تهمني. يمكن رؤية أي جانب من الجوانب المذكورة حتى أتمكن بأن أشبع هذا الجانب من حياتي. الذي أيضا نستطيع فعله، هو الاستفادة من الحالة الاقتصادية الجيدة التي تتمتع بها ألمانيا والاتجاه إلى مزاولة الأعمال الريادية خاصة عن طريق الانترنت على سبيل المثال. حيث تتمتع الأعمال الريادية عن طريق الانترنت بثمنها الغير باهظ والذي ممكن المباشرة به بشكل تدريجي.

الحركة بركة:

دراسة قام بها باحثون برازيليون على مشاركين من ٥٤ دولة ، وجدت بأن الجلوس لساعات طويلة وبدون حركة يقلل من عمر الانسان. تقليل مدة الجلوس يزيد من عمر الانسان. وكما يقول المثل ” الحركة بركة”. اذا كان عملك يتطلب الجلوس لساعات طويلة، من الجيد أن تقوم بالمشي كل ساعتين أو القيام ببعض تمارين التمدد. من المهم أيضا اختيار نوع الرياضة التي تناسبك وتناسب نوعية حياتك. قد تكون شخص هادئ ويناسبك تمارين اليوغا أو المشي في الطبيعة. أو قد تميل إلى رفع الأثقال في النادي الرياضي. لكل منا نوع جسد معين ونمط حياة مختلفة، لذلك علينا أن نقوم باختيار نوعية الرياضة المناسبة.

الاختلاء بالنفس جنة:

هذا الجانب غير بعيد عن ثقافتنا العربية، اذ ان علاقتنا بالله تعد جانب مهم من جوانب حياتنا. الانسان بشكل عام دائما يسعى إلى أن يشعر بأنه جزء من شيء أكبر منه. والآن في المجتمعات التي تسود فيها الفردية، نرى الكثير يتوجهون إلى ممارسة التأمل بشكل يومي، لما له أيضا من فوائد كبيرة. مع ضغوطات الحياة الكبيرة والتوتر وأحيانا الإحباط، نحتاج إلى دقائق ولو قليلة للتمهل قليلا والتنفس لكي نشحذ طاقتنا من جديد ويكون بإمكاننا الاستمرار. هذا التوجه الكبير إلى التأمل أو ممارسة حياتنا اليومية بشكل اوعى، دع الكثير من العلماء للقيام في أبحاث لتفسير تأثير التأمل على الدماغ بشكل خاص. في أحد الدراسات، قام باحثون من جامعة هارفرد في دراسة كيفية تجاوب أدمغة المشاركين المصابين بالاكتئاب. ووجدوا كيف أن التأمل قام بتغيير عمل الدماغ عند المصابين بالاكتئاب .حيث أنه عند ممارستهم للتأمل، استطاعوا أن يكسرو دائرة اجترار وكره الذات التي غالبا يشعر بها مرضى الاكتئاب وذلك عبر تركيز انتباههم على اللحظة الآنية. لا يتطلب التأمل منا وضعيات معينة أو ممارسات وطقوس خاصة. نستطيع أن نكون في اللحظة الآنية عبر فقط مراقبة النفس ومحاولة البقاء مع أنفسنا. المشي في الطبيعة على سبيل المثال ومراقبة والبقاء مع النفس يعطينا هذا النوع من السكينة الداخلية والهدوء.

إذا الغذاء لا يقف عند الغذاء المادي وتناول الوجبات اليومية، الغذاء يشمل جوانب كثيرة متعلقة في نوعية الحياة التي نعيشها ومدى سعينا أيضاً للحصول على هذا الغذاء الأساسي الذي يضمن لنا حياة هنيئة ومتوازنة.  

المصادر:

https://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-4582734/Study-finds-friends-strongly-linked-happiness.html

https://www.webmd.com/fitness-exercise/news/20160406/too-much-sitting-may-shorten-your-life-study-suggests

إقرأ/ي أيضاً:

مطبخ من غربتي (2)
زاوية: مطبخ من غربتي… تجارب السوريين الغذائية والمطبخية في بلدان المهجر 1
المطبخ وأثره في الاندماج، ماذا أخذنا وماذا أعطينا؟! رأي يرصد حركة تبادل الثقافات عبر المطبخ
5 مراحل للحب… والثالثة حيث تواجه العلاقات تحديها الأكبر

بالصور: ألمانيا بلد المستأجرين… معلومات وعادات حول المسكن والإيجارات

رأس ذئب في سيبيريا ينتظرنا منذ 40 ألف سنة… نتساءل ماذا رأى قبيل موته!…