in

يوميات منفردة.. مسلسل سوري قصير يوثق الكابوس الأسوأ في بلاد الديكتاتوريات

مسلسل يوميات منفردة
مسلسل يوميات منفردة

حوار: جان داود
شهدت مدينة برلين تصوير مسلسل “يوميات منفردة”، وهو من إخراج رحماني موسى وتأليف وإنتاج بلال البرغوث، وبطولة الأخوين ملص، وتدور أحداثه بين شخصين معتقلين في زنازين منفردةٍ في سجنٍ ما.

المخرج رحماني موسى
سيرى المشاهد العربي في مسلسل “يوميات منفردة” الزنزانة المنفردة كما لم يشاهدها من قبل، هلا تحدثنا عن رؤيتك الإخراجية، ولماذا اخترت الصندوق وكيف استطعت أن تمنح المشهد حساً مسرحياً حميمياً لهذه الدرجة؟


لفت اهتمامي النص لأنني معنيٌ جداً بالأعمال التي تسلط الضوء على المعتقلين والسجون بشكل عام خصوصاً مع مجريات محكمة كوبلينز والحملات التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً، وأردت القيام بالدور المحتم عليّ من مكاني أولاً كسوري وثانياً كمخرج.
آمنت بالعمل على الفور حين عرضه عليّ الأخوان ملص، الصديقان اللذان جمعتني بهما أعمال وتجارب جميلة في السابق، كما كنت من رواد مسرح الغرفة الذي أنشآه في سوريا، ومازلت أتابع أعمالهم بشغف. وهكذا وافقت على مشروع مسلسل “يوميات منفردة” دون أن أفكر بأي تفاصيل أخرى، سيما أن الكاتب والمنتج بلال البرغوث هو شاب موهوب ومتفهم جداً والتعامل معه مريح.

عرضت العمل على شركائي رجائي القوجا (سينوغرافيا- المعهد العالي للفنون في سوريا) وتوفيق عريضة (مدير تصوير ومونتاج- هامبورغ ميديا سكول)، وقابلوه بالموافقة.
أردت التركيز على الصورة وجمالياتها، والهرب من تكرار طروحات سابقة تتعلق بفكرة الزنزانة والضوء الخافت والسجان وما إلى هنالك. فارتأينا استخدام الصناديق التي لا تعبر عن أي دلالة مبدئياً، مجرد صندوق خارج عن الزمان والمكان أي هو مكان افتراضي لتجسيد الحالة المطلوبة بالعمل، ومن خلال السينوغرافيا وما فيها من سحر الضوء واللون نضفي عليه الديكور المناسب، كما أن لكل شخصية ضوؤها الخاص، تحضر بحضوره وتغيب بغيابه. أردنا توصيل فكرة النص ضمن مشهدية مسرحية بتكثيفٍ شديد من حيث التفاصيل والزمن، فجاء العمل في 8 حلقات ومدة الحلقة من 5 إلى 8 دقائق فقط.

فكرة الصندوق بحد ذاتها جاءت من مجموعة مشاهد مختارة من حياتي اليومية، ومنها سكيتش عن المعتقلين عرضه معتقل سابق على السوشيال ميديا أوضح فيه شكل المخطط الهندسي للزنزانة، وكيف تتوزع الزنازين في المعتقلات، ولها علاقة أيضاً بمسرح الغرفة للأخوين ملص.

هل هذا أول عمل من نوعه لك في برلين؟ وما التحديات التي واجهتها في هذه المدينة التي تحتضن مسرحيين وفنانين كثر؟
لدي عدة تجارب سينمائية، لذلك لم تكن المرة الأولى في هذا العمل كمخرج، فمنذ العام 2016 كنت مع جامعة الفنون “UDK” في برلين، ولكن مسلسل “يوميات منفردة” هو بالفعل أول عمل درامي أقوم بإخراجه. واجهتنا بعض التحديات في برلين ناجمة عن التنافس الشديد الموجود فيها وكثرة الطاقات والاختصاصات المحترفة كما ذكرتِ من مسرحيين وفنانين، وبينهم أساتذة في الدراما. عدا عن المشاكل المتعلقة بضيق الوقت واختيار اللوكيشن المناسب.

وما الأعمال الجديدة التي تحضر لها لاحقاً، وهل ستكون برلين مسرحاً لها أيضاً؟
برلين مدينة نحبها.. لأنها أتاحت لنا استخدام طاقاتنا وقدراتنا كما لم تفعل مدينة أخرى، كما أن كل شيء فيها متاح، كل الخيارات والأدوات من ناحية المعدات والاختصاصيين. أحضّر الآن لأعمال جديدة تتضمن كليبات موسيقية لميفان يونس وفيلم وثائقي عن موسيقاه. 

الأخوين ملص
كنتما سجينين فعلاً، فكم كانت هذه التجربة مميزة عن أعمالكما السابقة، وكيف يمكن لبيئة العمل أن تؤثر على أداء الممثل وتشحذ طاقاته في اتجاه معين دون غيره؟


النص بحد ذاته غني على مستوى البحث النفسي للشخصيات، فالكاتب بلال البرغوث في الأصل روائي لذا لم يكن النص مليئاً بالحشو التلفزيوني، _لاحقاً طبعاً قرأنا رواياته الثلاثة_ وهو بالفعل كاتب موهوب ومثقف. وعرفنا أن هذا العمل يستحيل تنفيذه بطريقتنا المعتادة عن طريق كاميرا “كانون” صغيرة وحسب الإمكانيات، بل كنا بحاجة لحرفية عالية في المكياج والديكور والإضاءة.
أتمنى أن نكون كممثلين قد حققنا أداءً يوازي المكياج ويوازي تعب المخرج وفريقه الذي اهتموا بالديكور والإضاءة. لقد كنا محظوظين بفريق العمل، فالمخرج أخذ يوجه الشخصيات بشكل تصاعدي مسرحياً وزمنياً على طريقته من وراء الكاميرا ساعد بذلك الماكياج العالي الحرفية لاسيما في التفاصيل الخاصة بالمساجين.

الديكور كانت فكرته غريبة وذكية من وجهة نظرنا، لم نأخذ شكل الزنزانة السوري، بل اعتمدنا -وهذا أيضاً يحسب لفريق العمل- على زنانة بشكل شرطي، كي نقول أن هذه الزنزانة ممكن أن تكون في سوريا أو كولومبيا أو مصر مثلاً أو روسيا، بالمختصر الزنزانة هذه توجد في بلاد الديكتاتور.
في هذا العمل كان أدب السجون حاضراً في القراءة، ومشاهدة لقاءات المعتقلين ولحظات خروجهم من السجن في سوريا والتي كانت عبارة عن فيديوهات مصورة بشكل سريع وقصير، ولكن هي من أعطتنا الحقيقة، الصناديق التي كنا نصور فيها كانت عبارة عن عذاب داخلي خاصةً مع إيقاع المكان والصمت والعتمة، ولكن بعد كلمة “ستوب” كنا نضحك ونشرب القهوة.. أتخيل دائماً ما هو حال من لم يسمع كلمة “ستوب” منذ ست سنوات مثلاً ؟!

الكاتب بلال البرغوث
لأنها كانت التجربة الأولى فلابد أن يكون سؤالنا الأول عن التحديات التي واجهها وشعوره تجاه هذه التجربة وتجاه شركائه في العمل؟


التحدي الأكبر بلاشك هو جمع عناصر الفريق الذين يشاركونك الأفكار، وهذا الأمر في الحقيقة هو حجر الأساس الذي يجعل الصعوبات اللوجستية والتنفيذية أقل تعقيداً، بالإضافة لوجود تحدي جوهري بالنسبة لي وهو تنفيذ العمل بأكبر قدر من المهنية نظراً لأنها التجربة الأولى كتابةً وإنتاجاً.
يمكنني القول اليوم بأنني كنتُ محظوظاً للغاية بمشاركة الأخوين ملص ورحماني موسى، الطاقة الإيجابية والروح الجميلة في مكان التصوير نبعتا في الحقيقة من هذا التفاهم والانسجام اللذين خلقتهما تشاركية الأفكار وكذلك الأهداف المرجوة من هذا العمل.

عرض عملك هذا ظروف الاعتقال والزنزانة المنفردة، لكنك لم تضع هذه الزنازين أو المعتقلات في جغرافيا محددة، ورغم أن كل من في العمل سوري لكنك أخرجت الزنازين من إطار سوريا.. فما السبب؟
في البداية حالة المعتَقل هي ليست حالة خاصة بالتجربة السورية، بل هي آفة كل الأنظمة الديكتاتورية، عربيةً أو غير عربية، وهذا هو منطلق الفكرة، وفي التخصيص: فإنَّ السجون السورية شهدت أشنع عمليات التعذيب الممنهج وامتهان كرامة الإنسان السوري والقتل بشتى الوسائل ابتداءً بالتجويع مروراً بترك الجروح لتتعفَّن وتقتل أصحابها انتهاءً بالإعدامات الميدانية، وبالتالي كانت الزنزانة السورية هي رمز للنضال الذي يخوض غماره المعتقلون في سبيل الحرية في كل هذا العالم، ولذلك كانت الجغرافيا هي مكان ما في سوريا، برغم عالميّة القضية، انطلاقاً من رمزية الكفاح السوري ضد الديكتاتور على خارطة تحرر الإنسان في كل مكان.

تم تناول الاعتقال في عدة أعمال أدبية وسينمائية ومسرحية فما المختلف الذي سيقدمه لنا عملك هذا لاسيما أنه يأتي بصورة مسلسل قصير؟
لا أستطيع في الحقيقة الإجابة على هذا السؤال، وأترك الجواب للجمهور عند عرض مسلسل “يوميات منفردة”. ولكنني أود التعليق، أنني في هذه القصة لستُ راوٍ فحسب، بل ناجٍ من تلك المعتقلات ومن المعتقل الكبير الذي صنعه النظام بحصاره للغوطة الشرقية التي بقيتُ فيها حتى منتصف الـ٢٠١٥، ثمَّ إنَّ أيَّ عملٍ يساهمُ في تصوير هذا الجحيم، هو إضافة من أجل تأريخ هذه القضية، وهو تعبير عن التزام مطلق بسرد الحكاية وإخبارها، وبأننا نريدهم جميعاً خارج تلك القضبان، يعانقون النور والحرية.

في الخريف الماضي صدرت أولى أعمالك الروائية الطويلة “ممالك البحر الأحمر”، ما هو الاختلاف بين التجربتين بالنسبة لك؟
في الحقيقة أنا شخص هائم بالأفكار، لدي عدد غير منتهٍ من القصص والمواقف التي أودُّ سردها، معركتي في الحياة هي معركة إيصال هذه الأفكار، وشغلي الشاغل هو عرضها على الإنسان العربي الذي أحلم معه بربيعٍ سيزهر يوماً، وكانت كلتا التجربتين ساحةً لاستعراض أفكاري تلك، ثورةً وغضباً وحباً وتوهاً ومنفىً، ولكن بلاشك فإن لكل تجربة ميزاتها وتحدياتها، فبينما تؤرِّخ الرواية لذاكرة طويلةٍ وبعيدة، فإنَّ الأعمال السينمائية والدرامية سريعة الانتشار وسهلة الوصول وأقرب لمخيلة المتلقِّي، يُضاف ذلك إلى رسالتها التي تؤرِّخُ حاضرنا هذا للأجيال القادمة، لتُساهمَ في إخبار القصة وتصوير الحدث.

خاص أبواب

اقرأ/ي أيضاً:

الأخوان ملص.. من أصغر مسرح في العالم إلى خشبات المسارح العالمية
سمر سامي.. هل تعلمين كم أنت جميلة

ألمانيا: اعتقالات في صفوف "عشيرة رمو" على خلفية سرقة متحف "القبو الأخضر" في دريسدن

ألمانيا: اعتقالات في صفوف “عشيرة رمو” على خلفية سرقة متحف “القبو الأخضر” في دريسدن

جرحى في حادث طعن غرب ألمانيا والشرطة تلقي القبض على المشتبه به

جرحى في حادث طعن غرب ألمانيا والشرطة تلقي القبض على المشتبه به