in

وعن الشباب نتحدث..؟!

العمل الفني: رياض نعمة

فادي محمد الدحدوح

لنتّفق أن جيلَ الشبابِ هو أمضى أسلحة المجتمعات العربية في صراعها المصيري من أجل الخروج من كهوف الظلام وصنع مستقبلٍ أفضل. غيرَ أنَّ الظروف التي تضع العالمَ العربيَّ على نقطة تحولٍ حاسمةٍ في تاريخه هي نفسها التي تضع الشباب في (أزمة). فيتردد مؤخراً: “سواء انتهى تعليمك عند الشهادة الثانوية أو الجامعية، أو حتى شهادة الماجستير والدكتوراه، فلن تجد صدراً أرحب ومكاناً أمثل لتعمل فيه خيراً من المقاهي والمطاعم والمولات، والتي باتت المصدر الأول لفرص العمل بالنسبة للشباب المتعلم”.

إلى الأمس القريب كان موضوع هجرة الشباب نحو الخارج كابوساً، فيعيش واحدهم يومياته بعيداً عن الوطن والأحبة، وينتظر بفارغ الصبر لحظة العودة! أما اليوم وبعد الوضع المؤلم الذي يعيشه غالب الشباب من خريجي الجامعات، أصبحت الهجرة نحو البلدان الأجنبية حلماً ولو على سبيل المخاطرة بأرواحهم. فيفكرون في الذهاب إليها دون رجعة، هرباً من الأوضاع الكارثية وبحثاً عن “الجنة” وأملاً في مستقبل أفضل.

ربما تعتبر تلك الأمور حوادث عابرة تعترض أحدنا في أي وقت في فضاءات المجتمعات العربية؛ لا سيما من أرهقها الألم والوجع كفلسطين، سوريا، العراق، ليبيا، ففي أحضان تونس نكتب، ومن رحاب اليمن نتوجع، لكنها ولا شك تترك أسئلة عميقة في الذهن حول حقيقة هذا الواقع الكارثي!

الشباب المتعلم يشكّل طليعة متقدمة كأهم شريحة من الشرائح الاجتماعية، لأنهم العناصر المتدربة والمتخصصة، والأساس في إحداث التغيير الشامل في مختلف مجالات الحياة، بطبيعة دورهم المؤثر في المجتمع وقدرتهم على التفاعل مع الآخرين.

وحيث أن هناك تغييراً واضحاً في الحياة العامة للمجتمع، متمثلاً بظهور النزعة المادية كمحور أساسي بحكم طبيعة العلاقات الاجتماعية، وكذا محاولة الشباب العمل للحصول على ضروريات الحياة في خضم المعارك اليومية والأزمات المتتابعة التي تكاد لا تنتهي للأفراد والمجتمعات وعلى كافة الأصعدة، ساهم الشباب في إحداث التغيير بما قدموه من تضحية عالية من حيث تجديد القيادة وتطويرها، ودورهم في عملية بناء الأمة ومستقبلها، أثناء الظروف القاهرة غير الطبيعية التي تمرّ بها المجتمعات العربية من ثورات على الفساد، واستغلال للسلطة والنفوذ.

فمشاركة الشباب فاعلة في بناء المجتمع وتقدمه، وتعميق مساره، والاتجاه نحو الذات والإنسانية، التي تنشد الحرية والديمقراطية والعدالة. فقد سعى الشباب في المجتمع العربي لتحقيق التغيير والإصلاح لرفضهم للظلم والاستبداد والتهميش والإقصاء، وتفعيل مقدرتهم على التطور والتطوير والتخطيط الاستراتيجي، وإبراز أنفسهم أمام مجتمعهم من خلال مشاركتهم في صنع القرارات، واستخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال لأحداث التغير الإيجابي لما فيه مصلحة أفراد المجتمع ومؤسساته ومكافحة الفساد.

فالشباب اليوم أكثر قوةً وإمكانات لإحداث التغيير الاجتماعي، لأنه يملك الوعي والمعرفة والطاقة والحيوية المتفجرة في تفاعله مع المتغيرات لأحداث التغيير في المجتمعات البشرية.

أصبح التحدي المطروح علينا شديداً في عصر الفضاء المفتوح الذي يكتظ بالتقنيات الحديثة المتتابعة، من تأثيرات مختلفة تشكل الفكر والوجدان للشباب على حد سواء، فالإحساس بالخطر يستلزم البحث عن الهوية والانتماء حتى لا نتعرض للصراع، فالمؤثرات المادية والنفعية التي تسود في عصرنا الراهن تؤثر في الشباب المتعلم وتجعله يقع في حيرة بين تمسكه بما نشأ وتربي عليه، وما يتماشى مع معتقداته وقيمه، وبين الانسياق للأوضاع الجديدة التي يتعايش معها يومياً.

إن هذا الصراع يؤدي بالشباب إلى اضطراب هويته، فيصبح مضطرباً وجدانياً مما يؤثر على سلوكه وأفكاره، ويصل به الى حالة من الاضطراب النسقي والقيمي لديه، فالصراع بين ما تربى ونشأ عليه من قيم، تدعو إلى التراحم والتواد والإيثار والصدق والأمانة والقناعة، وبين ما يراه ويسمعه يومياً في تعاملاته، من أساليب وآراء تدعو إلى اعتناق القيم السلبية كالعنف والمنفعة الشخصية وحب الذات والحصول على الحقوق دون أداء الواجبات، ليس سهلاً بالمرة.

  لكن وجود الشباب المتعلم في بوتقة القيادة والريادة مرهون بالمقام الأول بوجودنا الثقافي، في الوقت الذي أصبحت المجتمعات الغربية تروج لثقافاتها وقيمها وأنماطها السلوكية الأمر الذي بات يهدد الخصوصيات الثقافية والحضارية للمجتمعات العربية التي أصبحت تعيش حالة تبعية ثقافية من خلال ما أفرزته العولمة العالمية.

يجدر بي أخيراً أن أقتبس جملة هامة من المهاتما غاندي عندما لخص المشهد بالقول: لا أريد أن يكون منزلي محاطاً بالجدران من جميع الجوانب ونوافذي مسدودة، أريد أن تهب كل ثقافات الأرض بمحاذاة منزلي وبكل حرية، لكني أرفض أن يقتلعني أحد من جذوري.

خاص أبواب

اقرأ/ي أيضاً:

“القيادة الخادمة” نمط جديد في القيادة التي نشدو إليها

إجابات غير متوقعة عند سؤال الشباب الألمان أين يفضلون السكن

مدونة الشباب المهاجرين : منصة أدبية للشباب من خلفيات مهاجرة

ربما يكون الحل: ألمانيا تسعى في الأمم المتحدة للاستعانة بمزيد من النساء في تسوية النزاعات

سولشاير بطل الأوقات الحرجة.. أكثر من يعرف معنى نشيد الشياطين الحمر