in

تمام عزام: الفن لا يستطيع أن ينقذ البلاد من همجية الطغاة

خاص أبواب

واقع المأساة والحزن والفجيعة في سوريا فاق الخيال

يُلاحظ المتابع لسيرة ومسيرة الفنون البصرية السوريّة في السنوات الخمس الأخيرة حضورًا مكثفًا ليوميات الثورة والحرب والمأساة واللجوء وعذابات التيه. ومنذ بداية الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، انهمك الكثير من الفنانين السوريين بتوثيق المشهد السوريّ وفداحة ما اقترفه الاستبداد والطغيان الوطني بحق السوريين، وحجم الدمار الذي عم البلاد طولًا وعرضًا.

ويحسب للرسام والفنان الرقمي الشاب تمام عزام أنه كان في مقدمة هؤلاء، حيث راح يوثق منذ الأيام الأولى للحراك السلمي ما تمرّ عليه ذاكرته عبر لوحات انتشرت سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، انطلاقًا من إيمانه أن “الفن لم يعد مشروع معرض رابح أو خاسر، بقدر ما هو وسيلة للتعبير والاحتجاج واللهاث وراء إيقاع فرضه الشارع الثائر..”.

ولقد كانت خارطة سوريا، التي كان عزام من أوائل من اشتغل عليها فنيًا بداية الثورة، أكثر الصور المنتشرة على “الفيسبوك” بعد أن استبدل الكثير من الناشطين السوريين صور بروفايلاتهم بالخارطة المدمّاة حينًا والمترعة بالسواد حينًا آخر.

أما لوحته “غرافيتي الحرية” المركّبة، والتي كانت مادتها الرئيسية لوحة “القُبلة” للفنَّان “غوستاف كليمْت” الشهيرة بلونها الأصفر الذهبي الساطع، المسكوبة على واجهة مبنى سكنيّ سابق في دمشق، المبنى ذو لون رمادي مائل إلى السواد وعلى واجهته الكثير من ثقوب القذائف والرصاص، فقد انتشرت في مطلع عام 2014 في جميع أنحاء العالم على موقع “تويتر”.

اختص تمام عزام، المولود في عام 1980، والذي تعود أصول أسرته إلى مدينة السويداء، بالرسم أثناء دراسته الفنون الجميلة في جامعة دمشق، غير أن انطلاق الثورة السورية أدَّى إلى تغيير حياته وأعماله تغييرًا تامًا.

ومنذ انتقاله إلى مدينة دبي في السنة الأولى من الثورة (2011)، أنجز عزّام العديد من أعمال الكولاج والرسومات الرقمية، التي خلقت له في وقت قصير جدًا شهرة دولية تجاوزت حدود العالم العربي. حيث أثارت، مجموعة أعماله الفنِّية الرقمية التي بدأها منذ عام 2012 تحت عنوان “المتحف السوري”، الكثير من الاهتمام العالمي.

يتحدث تمام عزّام في بداية حواره مع “أبواب” عن معرضه الذي أقامه في مدينة دبي في شهر يناير الماضي، في غاليري أيام، في هذا المعرض قدمت لوحات من الاكريرليك على القماش، تحمل عنوان (طوابق) وهي لوحات تحاكي مشاهد الدمار وقصص الناس التي اختفت تحتها، تاركة بعضًا من آثارها، “هذه المشاهد تشكل بالنسبة لي كل ما أحاول أن أتخيله عن المدن التي أحببتها في ذاكرتي لكن لا أستطيع أن أشاهد منها إلا هذه التفاصيل، أرسمها دومًا لأكون شاهدًا مباشرًا على دمارها، نحن نشاهد عن بعد، ونتألم بعيدًا عن أهل هذه المدن وأوجاعهم.”

وبالرجوع إلى مرحلة البدايات يقول عزّام إنه واكب في بلاده فترة الأشهر السبعة الأولى من ثورة شعبه، غير أنه أُجبر لاحقًا على مغادرة وطنه مع عائلته هربًا من التجنيد العسكري الإلزامي، إذ رفض الانخراط في صفوف جيش يقتل شعبه.

ومنذ ذلك الحين بدأت قصته الحقيقية مع الفنّ، حسب قوله. ويضيف: “غادرنا سوريا لسوء الأحوال، ولتغيرات في ظروف عملنا وحياتنا، بحثًا عن مكان نعمل ونعيش فيه، وكانت حملة طلب الشباب للاحتياط للخدمة العسكرية إحدى هذه الأسباب لا بل أهمها”. مؤكدًا أن “مغادرة سوريا أحدثت تغيرات على عملي الفني في المحتوى والتكنيك، ذلك أني ابتعدت عن مشغلي وموادي التي اعتدت العمل عليها، كنت أعمل آنذاك على (مجموعة الغسيل)، وهي أعمال تعتمد الكولاج وقطع القماش، كنت أجمعها في دمشق، تغيير المكان دفعني للتفكير بانتاج أعمال فنية ذات منحى مختلف، اعتمدت فيه على تكنيك جديد يعتمد برامج الغرافيك كحامل أساسي”.

في هذه الفترة أقام عزّام معرضًا حمل عنوان “المتحف السوري”، قدم فيه مجموعة أعمال مركّبة جمع فيها صورًا للخراب والدمار الرهيب الذي لحق بمعظم الأحياء والمدن السوريّة، صورًا ذات لون رمادي مائل إلى الأسود بأجزاءٍ ملوَّنة غنية بالتناقض، مستعيرًا إياها من لوحات ذات شهرة عالمية. وفي هذا السياق يشير عزّام إلى أنه استند بأعمال “المتحف السوري” لفكرة الوقوف أمام عمل متحفي، لفكرة الفرجة، والتفاعل دون القدرة على التدخل في مصير العمل، “كما استندت على أعمال فنية يحمل كل منها قيمة فنية إنسانية، تتذكرها البشرية بشدة كونها جزءًا من ماضيها، وتتنكر للقيمة ذاتها المعاشة حاليًا بالقرب منا جميعًا”.

من أعمال تمام عزّام 5

الثورة اسقطت “التابوهات”

بسؤاله هل فرضت معادلة الحرب المدمّرة في سوريا عليه طريقَا أخرى في مشواره الفني غير تلك التي كان يخطط لها قبل اندلاع الثورة؟

يجيبنا: “لا شك أن الثورة في بلدي غيرتني على الصعيد الشخصي والفني، لم يسلم سوري من تغير في حياته، ولا شك أن شكل الطموح وشكل الحياة تحول بشكل جذري، والثورة بمعناها الأخلاقي أولًا أسقطت الكثير من “التابوهات” التي كانت جدارًا حال دون طموحاتنا طويلًا”.

ولكن ماذا بعد كل هذه المعارض المتلاحقة في الشرق والغرب، وغزارة الإنتاج، والحضور المميز على مواقع التواصل الاجتماعي؟. وهل ساعد هذا المنجز البصري المتنوع والفريد من نوعه على شرح معاناة السوريين للمتلقي العربي والغربي على حد سواء؟. يقول عزّام: “أعتقد أن الفن بأشكاله المتنوعة، واختلاف منابته، يقدم الشكل المدني لثقافات الشعوب، لقد قدمت الفنون السورية في هذه الفترة شكلًا مختلفًا عن الحقيقة، مغايرًا لما تسوقه آليات الميديا وصناعة الخبر حول العالم، لكن للأسف الفن لا يستطيع أن ينقذ البلاد من همجية الطغاة، ولا من طائراته وبراميله، قد يقدم شكلًا داعمًا لمأساة الشعوب، لكن لا يستطيع أن يقف اليوم في وجه برميل واحد، ولا يستطيع أن ينقذ لاجئًا”.

وعن مدى استمرارية هذه الأعمال التي يقدمها، وهل تنبع أهميتها من اللحظة أم أنها ستستمر لسنوات طويلة كشاهد على ما جرى ويجري في بلاده؟ يردّ: “بعض الأعمال كانت مباشرةً معتمدةً على حدث آني، وحده التاريخ يستطيع حفظ أعمال فنية، والرهان دومًا بالنسبة لي على بناء عمل فني في الدرجة الأولى، والتاريخ عمومًا لا يحتفظ بالنتاج الفني كاملًا دومًا، إنما تبقى بعض الأعمال الفنية فقط طويلًا”.

وفي محاولة للاقتراب من عالمه الفني، سألناه عن سبب انتقاله من استعمال الريشة والألوان الزيتية إلى المزج بين الرقمي والفوتوغرافي، واعتماده على تقنية «الديجيتال آرت» التي انتقل إليها بشكل كلي تقريبًا في مجمل منجزه البصري في الأونة الأخيرة. فقال: “الانتقال الى مدينة جديدة، وحياة جديدة، لم يتوفر في بدايتها المشغل ولا المواد التي اعتدت الاشتغال عليها في دمشق، هذا التغيير جعلني أفكر في الاستفادة من التقنيات الأخرى التي أعرفها لبناء أعمال فنية اعتمادًا على تقنية «الديجيتال آرت».

وتسأل “أبواب” الفنان الرقمي الشاب ماذا يبقى لنا من الفن والحلم والخيال.. بعد كل هذا الأذى الذي لحق بالانسان السوري، وبعد الانتشار الكبير والتسريب المتهافت للصور والفيديوهات الشنيعة التي تظهر الذلّ والقتل والإهانة، وحالة الدمار ومعاناة الملايين من الناس التي لا تزال حاضرة في سوريا؟. فيقول بهدوء وأسى دفينين، “هذا هو تاريخ البشر، بعضهم يمارس القتل والحروب، وهنالك من يحاول ممارسة الحياة دومًا”.

ولأننا نعرف أن الكلام مازال محبوسًا في روحه، أعدنا صياغة السؤال من جديد وطرحه عليه مجددًا، “لكن هل الواقع فاق الخيال والرسم وصارت الكلمات وحدها توصل المعنى أحيانًا؟ وبرأيك كيف يمكننا الاهتمام بالفن بينما يُقتل في سوريا في يوم واحد فقط أكثر من 200 شخص؟”. فيقول بحزن شديد: “واقع المأساة والحزن والفجيعة في بلدي فاق الخيال، ليست الكلمات وحدها ما يوصل المعنى، فبعض الناس يكفيه أن يرى دمعة، ليتفاعل ويتضامن، والفن تفصيل من الحياة ذاتها وليس حاجة زائدة عن اهتماماتنا، فالمقارنة غير مجدية، نهتم بالفن ونحاول ما استطعنا وقف الحروب”.

ونتطرق في حديثنا مع عزّام إلى وسائل التواصل الاجتماعي والدور الذي لعبته في نقل فنون الثورة البصرية إلى عامة الناس، وكيف تفاعل معها هؤلاء؟. فيجيب: “لا شك أن وساىل التواصل الاجتماعي ساهمت في انتشار الفنون البصرية، لكن ذلك لا يعني أبدًا أننا أمام بدائل لصالات العرض والمتاحف!!”.

وأخيرًا نسأل عزّام بعد كل ما شهدته سوريا من أحداث دامية زادها التدخل الروسي العسكري المباشر كارثية، هل مازل يرى أنَّه “لا نهاية للقتال وأن لاشيء يبعث على التفاؤل وأن اليأس هو الحقيقة الوحيدة في الوقت الراهن”. فيقول: “التدخل الروسي على بشاعته، ليس إلا واحدًا من التدخلات الواضحة في الساحة السورية والتي تزيد المشهد دموية وكارثية، غير أني مؤمن بأنه لا حروب دون نهاية”.

وجهة نظر: هل اعترف الاتحاد الأوروبي بفشله في سياسة اللجوء

أحداث شغب لليوم الثاني تعكر الأيام الأولى لكأس أوروبا في مرسيليا