in

الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي.. أذية مباشرة ولو بعد حين

غيثاء الشعار. كاتبة سوريّة، تدرس (السياسات العامة) في برلين

لم ينج الأطفال وحتى حديثو الولادة من الدخول في السباقات التي تجري على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتنافس الكبار لعرض أطباقهم الشهية وثيابهم الجميلة كل حسب إمكانيته المادية، وحتى صور أطفالهم وأحياناً في مواقف خاصة جداً وحميمة دون أي احترام لخصوصية الطفل وحقوقه.

ووصلت “ربما” قلة الوعي بالبعض لإجراء مسابقات لأجمل طفل، دون التفكير بنتائجها وتأثيرها على الأطفال الذين يقحمهم آباءهم فيها دون تفكير مسبق أو دون دراية بأبعاد ما يفعلون.

مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بصورٍ لأطفالٍ لحظة ولادتهم، ملطخون بالدماء وقبل قطع الحبل السري، أطفال بالحفاضات، عراة في الحمامات أو المسابح، يبكون أو يضحكون.

هل فعلاً يحق للآباء نشر هذا النوع من الصور والفيديوهات لأطفال صغار لا قدرة لهم على اتخاذ قرار ولا الموافقة أو الرفض؟!

وما موقف الأطفال عندما يصبحون مراهقين من هذه الصور التي تم حفظها على الانترنت الى الأبد حتى لو قام الآباء لاحقاً بحذفها؟!

هل يفكر هؤلاء الآباء بخطورة هذه المشاركات وآثارها على المدى البعيد في حياة الطفل؟!

ومن يسمح لشخص بالغ بالمساهمة بإقامة بصمة رقمية لطفل صغير؟! 

ببساطة طالما لا يوجد قانون واضح ولا جهات رسمية تتبنى التوعية تجاه هذا الموضوع  فلا يمكن لأحد التأثير على بعض الآباء الذين يعتبرون أن أطفالهم من ممتلكاتهم الخاصة، وأنهم بنشر صورهم إنما يمارسون حريتهم الشخصية، ويبدو أن التحذيرات التي يطلقها المختصون والأطباء النفسيون بعدم مشاركة صور تظهر فيها وجوه الأطفال ولحظاتهم الخاصة لا تلقى آذاناً صاغية إلا عند القليل.

ربما نظن أن مشاركة صور عادية لطفل بثياب المدرسة أو في مدينة ألعاب أو مشهد يومي عادي يظهر فيه وجهه كاملاً، هو أمر طبيعي لا يحتاج الشخص للتفكير ولو لثانية قبل الكبس على زر المشاركة، وربما يرغب البعض بمشاركة سعادتهم مع الأقارب والأصدقاء بتوثيق لحظة الدخول الى رياض الأطفال أو التخرج منها أو اليوم الأول في المدرسة.

لكن الحقيقة التي يحاول المختصون الإضاءة عليها، هي أنه لا يحق لنا على الإطلاق مشاركة صور تظهر فيها وجوه أطفالنا واضحة على وسائل التواصل الاجتماعي. 

القلائل منا يحترمون الطفل ككيانٍ منفصلٍ عنا نحنا البالغون، لذلك قد لا نفكر بحجم الحرج الذي قد يلحق بالطفل جراء المحتوى الذي نشاركه، وقد لا نأخذ بعين الاعتبار أن هذا الطفل قد يكون من هؤلاء الذين لا يحبون التصوير ولا أن يعرف الجميع وجوههم وتفاصيل حياتهم عندما يكبر. بالإضافة إلى أن الكثير من الأهالي لا يتوقعون نوعية الضرر الذي قد يلحق بالأطفال جراء نشر صور أطفالهم ووجوههم.

 ما نوع الأذية التي قد تلحق بالأطفال عند مشاركة صورهم ووجوههم على وسائل التواصل الاجتماعي؟

 يمكن أن يشعر الأطفال بأنهم لا يملكون أجسادهم أو قِيمهم الخاصة، ومن الممكن أن يتعرضوا للبلطجة والتنمر من خلال التعليقات المسيئة على شكلهم أو بدانتهم أو نظاراتهم مثلاً، كما أن عدم السيطرة على كيفية انتشار الصور ومشاركتها وإمكانية تصوير الشاشة قد يتيح للبعض استخدام الصور وتحويرها للإهانة والتسلية وقد تتحول صورة عادية من مرحلة الطفولة إلى مادة دسمة للسخرية من الطفل عندما يصبح مراهقاً في مدرسته أو الدائرة الاجتماعية المحيطة به.

قد لا يخطر على بال أحد عندما يقوم بمشاركة صورة عادية لطفله أنه قد يجدها بعد فترة على أحد المواقع الإباحية المتخصصة بالأطفال، أو أن يقوم أحد بسرقة الصور واستخدامها كصورة (بروفايل) أي ينتحل شخصية طفل باستخدام صورته لإضافة أطفال آخرين واستغلالهم جنسياً أو بأي شكل آخر، أو حتى التنمر عليهم.

ما الذي يمكن فعله لتقليل الأذية؟

يذكر مختصون أن أكثر الأفعال خطورة هي مشاركة الصور مع الإشارة إلى الموقع أو عنوان المنزل أو المدرسة، كل هذا قد يجعل من الصغار فريسة سهلة للأشخاص ذوو الميول الجنسية الشاذة (وقد لا نحب أن نعترف علناً أن الكثير من حالات التحرش يقوم بها الأقارب) لذلك حتى المشاركة مع الأقارب ربما علينا إعادة النظر بها، وعدم ذكر أسماء الأمكنة التي يرتادها الطفل أو أي عناوين تخصه.

كما أن أفضل ما يمكن فعله إذا كان لدينا رغبة بمشاركة صور الأطفال والفيديوهات الخاصة بهم إذا كانو صغار جداً، هو على الأقل إخفاء وجوههم، وعدم مشاركة أي صورة حميمة قد تشكل إحراج للطفل عندما يكبر، ويجدر بنا أن نكون حاسمين مع الأقارب والأصدقاء بعدم السماح لهم بمشاركة صور لأطفالنا دون إذن مسبق، ولا حتى السماح للمدارس والروضات باستخدام صور الاطفال للدعاية لنفسها واستعراض نشاطاتها.

وفي حال كان الطفل أكبر وقادر على إجراء نقاش وإبداء رأي، من الجيد أن نأخذ رأيه وموافقته اذا كان يرغب بمشاركة صور وأي منها مناسب له، ولهذه الحوارات دور فعال في تجنيب الطفل المشاعر السيئة التي قد يتسبب فيها ما قد يحدث لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تكون بمثابة توعية وتحضيراً له للعيش في الزمن الذي أصبح العالم الرقمي والافتراضي موجود بقوة فيه. 

ربما ليس موضوعنا الآن الأشخاص الذي حرمتهم الحياة من فرصة الأبوة أو الأمومة التي يشتهون، وحرقتهم أمام صور أطفال تعج بالحيوية والبراءة، خاصة أن الجميع يشارك أكثر اللحظات سعادة (لأن اكتئاب ما بعد الولادة الذي يصيب الأمهات أو اللحظات التي يُخرِج الأطفال آباءهم عن طورهم ولحظات الندم التي تنتاب البعض على إنجاب طفل، لا أظن أن أحداً يجرؤ على مشاركتها).

التعليق على هذا الموضوع يشبه تماماً التعليق على استعراض المنازل الفاخرة للفقراء والأطباق الشهية للجائعين والجواب سيكون طبعاً الفقراء لا يملكون هواتف محمولة ولا اتصال بالانترنت ولا يدخلون الى هذه المواقع، لكن جميعنا يعلم أنهم يتصفحونها ولا تزيدهم إلا اكتئاباً وحزناً.

مواد أخرى للكاتبة:

الهويات الجنسية للأطفال وهوَس “الجندر”

اللغة الجديدة على وسائل التواصل: عنف، شتائم، إقصاء… والسبب هو كلّ شيء وأي شيء

ألمانيا: خلاف بين الكنيسة والحكومة حول اللاجئين المتحولين من الإسلام إلى المسيحية

الاقتصاد الألماني ما بين هجمات ترامب وبريكزيت بريطانيا.. حين يقف اليمين واليسار على ضفةٍ واحدة