in

هنا، هناك، وأماكن أخرى..

تحت عنوان هنا، هناك، وأماكن أخرى.. افتتح في آرت لاب غاليري في برلين يوم 3 آذار العمل التركيبي التفاعلي للفنانة السورية إيمان حاصباني بدعم من “شباك-نافذة على الفن العربي المعاصر”، قدمت فيه حصيلة ورشة عمل جمعت سبع نساء سوريات مقيماتٍ في برلين.

حين تدخل القاعة المخصصة للعرض تعبر ثلاثة أماكن مختلفة بدءًا من المدخل الذي يشبه كل المداخل; مضاء، مزدحم ومحدد الملامح يضج بأصوات أشخاص يتبادلون أحاديث اللحظة. القاعة الأولى بعد المدخل مظلمة جزئيًا يقف فيها بعض الحضور الراغبين في خوض التجربة، يجمعهم الفضول لكشف ما خلف الممر الصغير المخفي تحت قماشٍ أبيض يمتد كنفق بينهم وبين الـهناك الذي لا بد من العبور إليه لمعرفته.

وتتحرك الأصوات ريثما يحين دورهم للزحف في النفق إلى “المكان الداخلي”، في البداية قد لا ينتبه المشاهد إلى أن التسجيلات الصوتية التي تأتيه قبل أوبعد أن تدخل هي الأخرى في النفق، هي ذكريات وحكايات ترويها صاحباتها، نساءُ التجربة، تستمر الأصوات في التحرك بين الخارج والداخل.

يصطف الحضور في دور عشوائي ثم تبدأ الرحلة إلى الداخل. تسجيل صوتي لإحدى السيدات المشاركات في العمل يطرق القلب وهي تقول بلهجتها الحلبية: “والساعة  بتمشي ببطئ ثانية ثانية، كان في أشواك ونمل  كتير وكان سريع كتير وبيشاركنا بكل أشياءنا، بالأكل بالمي بالثياب بالمكان بجسمنا بأفكارنا، كان مسيطر على المكان والوقت، ثلاث مرات حسيت النمل أكلني … كان بيمشي حتى بدماغي”.

التقت أبواب بإيمان حاصباني حيث تحدثت عن العمل الفني الذي أخذ أخيراً صيغته النهائية كتركيب صوتي وبصري في الفراغ يمنح الحضور إمكانية خوض تجربة تفاعلية مع المكان والذاكرة.

تقول حاصباني إن فكرة المشروع بدأت في “السوسيال” في ساعات الانتظار الطويل:

كنت أسمع حولي قصاصاتٍ من عشرات حكايا العابرين والمصطفين، أحيانًا أقف فقط في دوري لا أحدث أحداً لكنني أسمع الكثير كأنني محاطة بكل ما يحصل مع هؤلاء الآخرين بشكل يومي، وهنا بدأت فكرة “تركيب الصوت \ Sound Installation” أردت أن أعرض كل القصص في نفس اللحظة، مجتزأةً كما سمعتها، لا بدايات لبعضها ولا نهايات، تفاصيل وتفاصيل. تمامًا كما لو أغمضت عيني في الأوبان وسمعت شذرات من كلام الصاعدين والمغادرين بكل اللغات والألوان دون أن أفهم ما يقال لكنني هناك.

  • كيف اخترتِ النساء المشاركات في المشروع؟

بعضهن تعرفت عليهن في السوسيال، والبعض بمحض الصدفة، واستغرق الإعداد والتعارف والورشة وحتى تنفيذ المشروع بشكله الحالي حوالي تسعة أشهر. والقصص في داخلي هي القصص التي كنت أسمعها في خلفية الحياة اليومية “في الباك غراوند”.

النساء في الورشة قد نتعرف عليهن في أي مكان لكن أيًا منهن لا تشبه نفسها في الورشة، لأن أهم ما في العمل هو أننا تمكنا من إيجاد المكان الآمن في نقطة اللقاء حيث الأشياء التي تعرفها عن الشخص مختلفة، بالطبع طرحت المشروع على العديد من النساء من أعمار وخلفيات مختلفة،، وطبعاً هناك من رفضنه، واللواتي شاركن هنا هنّ من كانت لديهن الرغبة لدخول التجربة ولدخول ورشة العمل.

  • ما الذي تعنينه بـ”المكان الآمن” وكيف تمكنتِ من تحقيقه وما صلته باستحضار الذاكرة

أصبحت الورشة مكانًا آمنا لي وللفتيات عن طريق مثل التمارين المقررة للورشة، ومن ثمّ تفاعل النساء الذي أنتج الحوارات وتداعيات الذاكرة والقرب الذي خلق الثقة وهي أساس فكرة المكان الآمن، حيث يمكنك أن تسرد ما لا يقال في حوارٍ عادي، الألعاب والأدوات المستخدمة كوسائط تعبير وضعت الفتيات في أماكن أخرى غير اعتيادية خارج المكان الواقعي الذي تقام فيه الورشة، وأعطت مساحة راحة حيث يمكن لأيٍ كان أن ينظر إلى أعماقه التي اعتاد تجاهلها، وأن يحمّل اللعبة ما يشاء من بوح، دون قلق من أنه سيصبح اعترافًا متاحًا للآخر.

  • حين تبلورت الفكرة الأولية في بالك هل كان لديك تصور واضح عن كامل المشروع والسياق الذي سيمضي إليه؟

كان لدي تصور واضح عن المشروع الأولي، في البداية اعتقدت أن قصص اللجوء هي الأهم، كنت أسمع قصصًا متشابهة عن السفر والبحر والطرق والانتظار والوصول والسوسيال، ولكنني أردت أن أقدم ذلك بشكلٍ مختلف، وبعد الاحتكاك اليومي بالأشخاص في الورشة برزت قصص أخرى هامة أيضاً، وكان هناك حرية في الطرح وحرية في مسألة : “عن شو بدك تحكي” دون أطر وحدود مسبقة.

وبالطبع اعتمد الأمر على تفاعل الفتيات المشاركات بالدرجة الأولى، وسرعة إزالة الحواجز، لاسيما في غياب معرفة سابقة بينهنّ، وهذه هي الخطوة الأولى نحو بناء المكان الآمن. ومن ثمّ تحولت الفكرة إلى تداعيات الفتيات وهذا ما جعل العمل يبدو بصورته الحالية.

  • هل يعني ذلك أن فكرتك الأولى سيّرت الورشة أم العكس؟ وهل حقق العمل الفكرة التي أردتها؟

أردت تقديم قصة شخصيات العمل بعيدًا عن السرد، كموسيقى كما كنت أسمعها، كنت موجودة ضمن أصوات وقصص كثيرة وهذا بقي معي لآخر المشروع. في ازدحام الأصوات أنت تدخل إلى مكان فيه أكثر من صوت في نفس الوقت، وتسمع فيه القصة التي تريدها أو حتى قد تسمع قصة ليست في الحقيقة هي ما يروى خلفك.

الحضور الذين جاؤوا للمعرض أيضًا دخلوا في النفق القماشي واستمعوا للقصص ودخلوا في الحالة نفسها، فأصبح الجمهور عنصرًا ثالثًا في العمل وتفاعل به ومعه، وهذا بالضبط ما أردته وليس موضوع اللجوء ولا القصص التي ترويها الفتيات فكل واحدة تستطيع أن تختار وتقرر ما ترويه دون تدخلي. إحدى المشاركات اختارت الكلام عن الفساتين مثلاً وليس عن اللجوء، وأخرى تحدثت عن غرفتها في سوريا. وأنا كمصممة للعمل فرضت فقط: التمارين والفكرة ولكن ليس القصة، ولهذا تغير الشكل النهائي للتركيب نتيجة التفاعل مع الآخر ومع الذات.

  • كيف يمكنك أن تقدري مدى نجاح هذا العمل ؟ وما الانطباعات التي وصلتكِ؟

ما يهمني أولاً هو تفاعل الحضور مع العمل، والذي تمثل لدى البعض بالفضول للدخول إلى ما وراء النفق \ الممر القماشي أو ما سماه أحد الحضور بالرحم، ووصف آخر خروجه منه بأنها “ولادة جديدة”. وثانيًا ردود أفعالهم عندما يخرجون، فالبعض تراكمت لديهم التساؤلات حول القصص وما ورائها في حين اهتم آخرون فقط  بالإحساس البصري والموسيقي، في تجربة تكامل فيها الصوت مع الضوء مع الفراغ بغض النظر عن الكلام، وكأن العمل هنا تحول إلى كونسرت، يسمع فيها الشخص مجموعة آلات بنفس اللحظة ليصبح في مكانه الخاص هو وحده، ويعيش تجربته بمعزل عما ترويه النساء.

بعض الحضور أثارتهم غرابة العرض، وتأثير الضوء في المشهد الداخلي إذ خلق مكانين مختلفين في مكانٍ واحد، فلا أحد رأى ملامح واضحة مشتركة للمكان ما بين رفة العتم والضوء. ولا أعتقد أن أحدًا من المصطفين في انتظار العبور تخيل كيف سيكون المكان الداخلي، أو توقع أنه سيسمع فيه الأصوات بشكل أقوى بكثير حتى لو كانت هي نفسها، هذه الأصوات القادمة بلغات غير مفهومة تلقاها البعض كموسيقى مجردة في حين أثارت فضول أشخاصٍ آخرين للحكايا.

يهمني في جميع أعمالي أن أترك بيني وبين المتلقي هذه المساحة المباحة للتفاعل غير المرتبط بالمعرفة المسبقة، فأنا لم أرد أصلاً أن أحدد أو أؤطر تجربة المشاهدين لهذا لم أضع النصوص المسموعة والمترجمة. ولم أشرح عن التجربة، أردت أن يكون المشارك منفتحاً على الآخر وعلى نفسه دون حتى أن يفهم ما يقال، وله حرية الاختيار في التفاعل أو عدم التفاعل.

  • هل هناك اختلاف بين ردود أفعال الحضور العرب والألمان

نوعًا ما، وهذا الاختلاف ليس نتيجة فهم أو عدم فهم العمل وإنما هو عائد لآلية التعامل مع العمل، والتردد في الخضوع لشروط التفاعل مثل نزع الحذاء وارتداء جوارب بيضاء والزحف إلى المكان الداخلي، أعتقد أن بعض الحضور العرب لم يتمكن من القيام بذلك لوجود حواجز جسدية، هذه الحواجز أقل عند الألمان وغيرهم، البعض وقفوا حفاة لساعة أو أكثر في الصالة\المدخل دون أن يضايقهم الأمر.

العمل مستمر أيام  10-11-12 آذار من الساعة 16:00 حتى 19:00 في آرت لاب غالوري برلين.

لتفاصيل الدعوة اضغط هنا

حوار: سعاد عباس

قائمة بمئات الألمان المطلوبين لنظام الأسد تثير غضبًا في ألمانيا

مجلس أوروبا يعتبر التعديلات الدستورية التركية “خطوة خطيرة إلى الوراء”