in ,

كلمات في حقيبة اليد، أربعة أدباء في مهرجان الشعر العالمي في برلين

 

  • جلال الأحمدي: كنت أشبه لمتطرّفٍ إسلاميّ!
  • رائد وحش: خسرت فرصتي بأن أكون مسيحًا!
  • رشا عبّاس: كوني امرأة سورية، هذا يجعل فرصي أكبر ومساهماتي مقبولة.
  • غياث المدهون: وجودي في السويد كوجود شجرة زيتون في القطب الشمالي!

خاص أبواب – برلين

استضافت العاصمة الألمانية برلين، في أكاديمية الفن ضمن فعاليات مهرجان الشعر العالمي الذي حمل عنوانًا لافتًا هذا العام “لا توجد بلاد أجمل” والذي يمكن اسقاطه على جميع البلاد التي أتى منها الضيوف أو البلاد التي يرونها الأجمل، استضاف الأدباء الأربعة: جلال الأحمدي، رائد وحش، رشا عبّاس وغياث المدهون، في قراءة وجلسة نقاش بعنوان “كلمات في حقيبة اليد” أدارتها المترجمة وعالمة النظريات الإسلامية الألمانية اللبنانية ليلى شمّاع، وسط حضور كثيف وتناغم لافت بين الأدباء الضيوف. حضر المنفى، وحضر الشعر، وغصّت اللغة، واستحضر الأدباء ذكرياتهم وتجاربهم وقرؤوا قصائدهم ونصوصهم كنساء يضعن حملهنّ.

جانب من الحضور - خاص أبواب
جانب من الحضور – خاص أبواب

جلال الأحمدي: كنت أشبه لمتطرّفٍ إسلاميّ!

 

افتتحت ليلى شماع الحوار مع الشاعر اليمني جلال الأحمدي، الواصل حديثًا إلى ألمانيا بعد استضافته في منحة تفرّغ إبداعي للكتابة من قبل مؤسسة هاينرش بول الألمانية، وسألته عن المكان الجديد، أجاب بسرعة، وبدون تردد: “أنا غير منتمٍ، أنتمي للأشخاص ولا أنتمي للأرض، لا مشكلة لديّ مع مكان جديد أو ثقافة جديدة، ولدتُ جاهزًا للاندماج بأي ثقافة وأي مجتمع”.

عاش جلال في السعودية لفترة طويلة، وفي أوّل قراءة له في ألمانيا، استحضر نصًا كان عن بداية التحوّل في حياته، قال جلال: “كنت أشبه بمتطرف إسلامي، وكنت جادًا، وكان مشروعي الشخصي، تعاملت مع الكتابة ودخلت باللغة أكثر، لأن اللغة جزء من القرآن، وهي مكون أساسي لثقافتنا، بعدها أصبحت لدي تناقضات وأسئلة علي طرحها، وكان هذا النص الذي سأقرؤه هو بداية خروجي، بداية البحث، ومن هنا بدأت ملء الفراغ”، لذلك كانت أول جملة قرأها: “أعطني سببا يا الله.. لاثق بك!”.

اللغة عند الأحمدي تشكل جزءًا كبيرًا من شفائه ومداواة انكساره، لذلك قال: “لا يجب على اللغة أن تعالج ما يحدث بكل مباشر، بل عليها التسلل والدخول إلى العقول، وتغيير طريقة التفكير، لذلك، قليلاً ما تطرقت للحرب بشكل مباشر، اللغة لديها قوة أعظم وأنعم من المباشرة، في الغالب أكتب عن الحب ولكن داخل النص أتحدث عن الله والعائلة والقبيلة والوحدة، لذلك تزعجني عناوين النصوص، لأنها تفرض علي اختيار فقرة واحدة، الظروف الصعبة جعلت مفرداتنا حادة، وإيقاع النص صاخبًا، بينما بعد الانتقال أصبح النص يتخفف من حمولة الهمّ والحرب، وأصبح أقرب للسرد، لذلك مؤخرًا أصبحت أميل للسرد أكثر من الشعر”.

 

كيف تم اختراع اللغة الألمانية؟

 

لم يستضف مهرجان الشعر شعراء فقط، فقد استضاف أيضًا القاصّة السورية رشا عبّاس، مؤلّفة كتاب “كيف تم اختراع اللغة الألمانية” الذي صدر باللغة الألمانية، الكتاب هو تجربة أولى من نوعها بالنسبة إلى الكاتبة، وهو مجموعة نصوص قصيرة كتبتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن علاقتها باللغة الألمانية، والذي أعجبت فكرته المترجمة الألمانية ساندرا هيتزل التي ترجمته. تقول رشا: “لم يكن هذا الخيار سهلاً، الكوميديا أصعب دائمًا، والفشل فيها أكثر صعوبة، كانت مغامرة بالنسبة إلي، ولا أعرف كيف يمكن أن يكون الكتاب مقبولاً”.

رشا، المقيمة في ألمانيا منذ سنتين، ترى أن لوجودها هنا أثر إيجابي: “الشيء الإيجابي أن حياتي هادئة ومسالمة، ومعظم تجاري هنا كانت إيجابية” وعند سؤالها عن “الألمان” أجابت: “النموذج الألماني الذي يمكن تعميمه غامض بالنسبة إليّ، ولا أعرف إن كان موجودًا بالأصل، فالبشر مختلفون”. أما عن التغيّرات التي طرأت على نصها بعد الانتقال إلى ألمانيا فترى رشا أن: “التغيّرات التي تطرأ على النص، تمامًا مثل عمليّة خسارة الوزن، من الصعب جدًا أن تلاحظ”.

رائد وحش: خسرت فرصتي بأن أكون مسيحًا!

 

رائد وحش شاعر وكاتب ومحرر ثقافي فلسطيني سوري من مخيّم خان الشيخ قرب دمشق، وصل إلى ألمانيا منذ ثلاث سنوات عن طريق المنحة الأدبية التي حصل عليها جلال ذاتها، بدأ رائد حديثه بالقول: “قبل أن آتي إلى ألمانيا، تبقى لديّ آخر حلم رومنسي، الشتاء، أحب الشتاء كثيرًا، إلا أنني مع أوّل شتاء هنا، أصبحت أشد الناس عداوة له، خاصّة مع التنقّل واستمرار التشتت، لون الحياة في ألمانيا رماديّ، الغيوم كثيرة، وهذا يجعل السماء تبدو منخفضة”، يقارن رائد: “العمارة هنا قائمة على فكرة الفراغ، بينما نحن، جئنا من مكان ممتلئ بحيث نكاد لا نرى الأفق!”.

وجود الشعر والأجناس الأدبية الأخرى في مهرجان واحد تحت مسمّى الشعر قد يبدو غريبًا، إلّا أن رائد وحش يراه من منظور آخر. قال رائد: “لا توجد سوبرماركت للكتابة وأقسامها، الآن هناك كاتب، وقد يكتب كل شيء لا وجود لشاعر، قاص، أو روائي فقط، حتى فكرة الكاتب ماتت، الموجود الآن هو المحرر، الذي يعيد خلق الموجودات حوله أو في من سبقوه، القصيدة لم تعد تكفي، التشظي بحاجة للسرد والنثر”.

تحدث رائد عن كتابه الأخير “مشاة نلتقي مشاة نفترق” وهو “تدوين موازي لما عشته في الحرب والمنفى، كتبت بلسان أخي مجموعة نصوص عن الغياب، وكان سؤالها الأساسي هو الموت” قال رائد، وغصّ عند ذكر شقيقه “محمد” الذي قتل تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري.

أمّا عن التغيّرات التي طرأت على نصّ رائد وحش، فيتّفق حولها مع رشا، حيث قال: “هناك تغيّرات، ولكن التغيّرات لا يمكن أن نلحظها، أنا انتقلت في الوقت الذي يستقر فيه الناس، وهُجّرتُ وفي الوقت الذي أصبح فيه المسيح مسيحَا، حتى فرصتي بأن أكون مسيحًا.. خسرتها!”.

غياث المدهون: وجودي في السويد كوجود شجرة زيتون في القطب الشمالي.

 

بعد ثمان سنوات قضاها الشاعر الفلسطيني السوري غياث المدهون في السويد، وبعد أن حصل على الجنسية السويدية، ذهب الشهر الماضي إلى فلسطين، وشارك هناك في مهرجان “نصوص منثورة في المدينة” في مدينة حيفا، الذي شاركه فيه أيضًا جلال الأحمدي ورائد وحش، لكن عبر الفيديو، بينما هو كان هناك في الواقع، لم يتحدّث غياث عن هذه التجرية، فما حمله في رحلة آلامه السورية، كان طاغيًا على المشهد. المدهون الذي حصل كتابه “طلب لجوء” في العام 2010 على جائزة أفضل كتاب أجنبي في السويد، قال إن للمنفى ميّزات، سواء كان هذا المنفى اختياريًا أو لأسباب تفرضه، “المنفى ضروري للكتابة” قال غياث، وتابع: “هناك كتّابٌ، لا يحتمل نصّهم الزخم.. لولا المنفى”، وعن الحياة في السويد، وتأقلمه معها، قال: “وجودي في السويد كوجود شجرة زيتون في القطب الشمالي، ولكن التكيف يتم، فالمنفى ليس دائمًا المكان فقط، فلكل شخص منفاه الداخلي أيضًا” ثم نوّه إلى الفكرة التي قالها رائد، ووافقه وقال: “أنا انتقلت إلى السويد في أوج عطائي في دمشق”.

قرأ غياث مقطعًا من قصيدته “تفاصيل” التي كتبها عام 2012، عن أصدقائه وأقربائه الذين قتلوا في بداية الثورة السورية، قال غياث: “أغلبهم قتلوا برصاص قناص، وأنا رأيت الجثث مغسولة، ومكان الرصاصة صغير، ثقب، لا يوحي بأنه قد يسبب الموت، وكنت أسال: كيف ماتوا؟ وصرت أتخيل أن الإنسان خزان مياه، وحين تصنع هذا الثقب، يفرغ من مائه، وكتبت عن التفاصيل التي تشبه هذا الثقب، الذي خرجت منه كل أرواح أصدقائي ومن أعرفهم”.

كما تطرق المدهون إلى موضوع الاندماج وقال: أنا ضد الاندماج –بالمعنى المتداول الآن- أنا مع أن يعيش كلّ إنسان كما يريد” وتابع عن السياسة: “سياسيا أنا أقرب إلى اليسار، إلّا أن أغلب اليسار مع الديكتاتورية، أنا لا أكتب شعرًا سياسيًا، هذه حياتي، أنا أكتب حياتي”.

الجمهور الجديد والفرص

 

بالعودة إلى رشا وفرص النشر والجمهور الجديد والمختلف، فهي ترى أنها تملك حظوظًا أكبر لكونها امرأة سورية، وهذا يجعل مساهماتها تقبل، إلّا أن هذا مثير لشكوكها حول جودة العمل، لذلك تفكر رشا “جديًا” بإرسال نصوص بأسماء وهميّة لتتأكد. أما جلال فيرى أن الكتابة ليست متعلّقة بالجمهور، فهو كان يكتب في السعودية على خزّان مياه فارغ لثمان سنوات، ويرى أيضًا أن النص الجيد، يصنع جمهورًا. بدوره رائد، فقد كان صاحب حكاية فلسطينية، بعد الثورة السورية، صار صاحب حكايتين، وهو يريد الاستمرار في الكتابة، لكتابة الحكاية، أيًا كان الجمهور، فأكثر ما يحتاجه الإنسان في المنفى هو الحكاية.

أمنيات..

 

غياث المدهون: “الاستمرار في الكتابة، ولا يهم أين، لقد تم التعريف عني بمهرجان الصيف بالشاعر الفلسطيني السوري السويدي، لم لا؟ أتمنى في الأيام القادمة أن يضاف لهم بلدٌ أو بلدان، الهوية المركبة مهمّة، وأتمناها للجميع، وللألمان أيضًا”.

جلال الأحمدي: “اليمن مغيبة عن الإعلام، لذلك أقوم بإعداد كتاب عن الحرب في اليمن، وفيلم أنيميشن قصير، نعتقد أن كل ما هو مرسوم للأطفال، هو الأقدر على دخول البيوت، الأقدر على التاثير اليوم السينما بكل أنواعها، وأتمنى أن أنجز شيئًا مؤثرًا”.

رائد وحش: “هويتنا تنطور وتتركب، وأتفق مع غياث، وأتمنى للجميع أن يحصلوا على هويات مركبة، ولكن أتمنى أن يحدث ذلك بدون حروب”.

رشا عبّاس: “كنت أنتظر فرصة أن كون في مجتمع لا يعرفني الناس فيه، كي أتسلق على أنواع أدبية جديدة غير القصة القصيرة، الفشل ليس مشكلة، فلا أحد يعرفني هنا”.

قراءات شعرية من المنفى

جاء من سوريا، وأصبح رئيس بلدية بروسبيكت بارك في أميركا