in

البيروقراطية، اللجوء، الحنين، الخوف والحب.. نصوص مسرحيّة لكتّاب سوريّين في برلين

برلين – رشا حلوة

التقت مجموعة من كتّاب المسرح السوريّين المقيمين في أوروبا بداية أيار – مايو 2017 لقراءات أولى لنصوصهم المسرحيّة في برلين، كانطلاقة لإقامة ساندانس الفنيّة، وهم: لواء يازجي، مضر الحجي، وائل قدور، عمر سواح، وائل سليم وأيهم أبو شقرة. انتقل الكتّاب بعدها إلى مدينة ريفيّة، للتفرغ للكتابة لفترة امتدت حوالي الأسبوع.

خلال الإقامة، عمل الكتّاب مع الطواقم المرافقة على تطوير نصوصهم المسرحيّة، والتي أثمرت على أشكال نهائيّة للنصوص، قُدّمت مشاهد منها على مدار أمسيتيْن في مسرح ماكسيم غوركي في برلين يومي 12 و13 من الشّهر نفسه، قُرأت من قبل مجموعة من الممثلين/ات رافقت الكتّاب ما قبل انطلاقة الإقامة، وهم بسام داوود، مازن الجبة، كندا حميدان، حسين الشاذلي، مريم أبو خالد، إيمان دواجي وكريم داوود، رافقهم في الإقامة طاقم الاستشارة الفنيّة، المكوّن من آني بيكر وجانيس باران، طاقم الدراماتورجيا المكوّن من كريستيل خضر، نزار أمير زعبي ورانيا المليحي. بالإضافة إلى طاقم مؤسّسة ساندانس الأمريكيّة المكوّن من المدير الفنّي المسرحيّ فيليب هيمبرغ والمخرج المنتج كريستوفر هيبما ومديرة البرنامج في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا جمانة الياسري.

 

عن أهمية الإقامات الفنيّة

تقوم الإقامات الفنيّة على منح فضاء ووقت للمبدع للإنتاج أو مواصلة الإنتاج وتطويره، وتكون عادة في أمكنة بعيدة عن صخب المدن والحياة اليوميّة. مما يمنح المبدع وقتًا مكثّفًا وأحيانًا طويلاً مع نفسه وإنتاجه، ومساحة للتشاور مع آخرين يتشاركون نفس التجربة، وبالتالي تعود بالفائدة على المنتج الإبداعيّ لتطويره أو حتى بناء فكرة جديدة تمامًا.

 

الكتابة بوصفها عملاً فرديًا

الكتابة فعل فرديّ، مقارنة بحقول فنّيّة وثقافيّة أخرى. إلّا أن النّص المسرحيّ يختلف قليلاً في هذا السّياق، خاصّة إن كان من المخطط له أن يقدّم بمرحلة متقدمة على خشبة المسرح، مع مخرج، دراماتورج، ممثلين، مصمم ديكور وما إلى ذلك. وبالتالي، تصبح وظائف عديدة جزءًا أساسيًا ومتفاعلاً مع النّص. لذلد، كان واضحًا أن نّصوص الكتّاب قد مرّت بالتفكير بعالم المسرح بمجمله. فقد استطاعت النصوص والحوارات والشّخصيات والمعلومات المكانيّة والزّمانيّة، أن تنقل مشاهد بصريّة وصوتيّة بتقنيّة عاليّة.

أمسيات قراءة نصوص مسرحيّة كهذه، هي حدث فنّيّ قائم بحد ذاته، فعادة ما تُقام لمجموعات مصغّرة قبيل البدء بالعمل على مسرحيّة ما، حيث يرغب القائمون على العمل بالحصول على آراء عاملين في المجال الفنّي والثّقافيّ تخدم العمل المسرحيّ. لكن فكرة أن تقام أمسيات لقراءات نصوص مسرحيّة، فقط من أجل النّص المسرحيّ، هي أمر جدير بالتكرار. حيث تسلط الضّوء من جديد على أهمية النّص المسرحيّ والكتابة المسرحيّة، وتعيد الاعتبار للكاتب المسرحيّ.

 

نصوص ذاتيّة تعيد قيمة قصص الفرد

حضرت القصّص الذّاتيّة في النصوص، وليس بالضرورة هنا أن تكون القصص تابعة لكتّابها أو هي تجارب شخصيّة عاشوها. إنّما حضور قصة الفرد وسط قصص الجماعة التي تحضر في العناوين الرئيسيّة للأخبار، في واقع مليء بالحرب والقتل، أو يحضر فيها الفرد كرقم أو حدث بلا أي معلومة متعلقة بحياته وأحلامه ومخاوفه. استعادة قيمة الفرد وقصّته في المضمون السّياسيّ، الاجتماعيّ والثّقافيّ عمومًا، هو مقولة إنسانيّة قبل كلّ شيء قبل أن تكون مضمونًا ثقافيًّا ذا جودة عاليّة.

وبالتالي، حضرت العلاقات العائليّة والعاطفيّة والجنسيّة، تجربة وسيرورة اللجوء، المعاملات البيروقراطيّة لطلب اللجوء، الحنين، الخوف، الاكتئاب النفسيّ، العجز. وفي جميعها، كان الواقع السّوريّ حاضرًا، سواء بالقرب الجغرافيّ منه أو بانعكاساته على الناس وقصصهم، كقاعدة أساسيّة، لربما لولاها، لما حصلت هذه القصص، وحضوره ليس بالضرورة أن يُحكى بكلمات مباشرة مقحمة على النص والحوارات والقصص، فكان غياب الخطابيّة، أكثر قوةً وحقيقيّة.

هذا التعامل الذّكي مع القصص، وتقديمها من منظور ذاتيّ للفرد مع الارتباط الوثيق بالعام، يخلق للقصة جمهورًا أوسع من المتلقين. وعلى الرغم من أنها مرتبطة بشكل واضح بأماكن وبلاد، مثل دمشق وعمان وبيروت وبرلين، وقصص تحكي خصوصية الأمكنة والأزمنة، إلا أنها بإمكانها أن تُنزع من سياقاتها الزمنيّة والمكانيّة وتوضع في أوقات وأماكن أخرى، لن تكون نشازًا فيها. ومن هنا، يمتلك العمل الإبداعيّ مدى إنسانيًا أوسع من المكان والزمان الواحد.

حضور الحوارات باللهجات العاميّة، والسّوريّة تحديدًا على تنوعها في معظم النصوص المسرحيّة يضيف قربًا أكثر من القصص والشخصيّات، خاصة عندما تدور القصص في فترات زمنيّة قريبة من إنتاجها، مقارنة بأن تكون الحوارات بين شخصيات في مكان وزمان واضحين، تُحكى بالفصحى، دون انتقاص من ضرورة الفصحى.

 

صدق العمل الإبداعي ومتطلبات الدعم

بالرّغم مما يفرضه الدعم للمشاريع الثقافيّة اليوم من متطلبات حول المضمون في ظل الواقع السّياسيّ، خاصة على المبدع الذي يعيش اللجوء، كأن يقع مضمونه تحت خانة المبدع اللاجئ، يبقى التحدي الذي يخوضه هو أن يضع هذه المتطلبات جانبًا، ويقدّم مادة صادقة، فكل هذه المعايير تذوب حين يكون المبدع صادقًا مع إنتاجه الإبداعيّ؛ إن حضرت الخطابيّة السّياسيّة أو لم تحضر، إن تمحور المُنتَج حول تفاصيل حياة يوميّة وقصص ناس وعلاقات عاطفيّة ومشاهد جنسيّة، إن كانت الحوارات بالعاميّة أو بالفصحى، إن تحدث عن اللجوء أو لم يتحدث، إلخ… بإمكان كل هذه تفاصيل أن تكون هامشيّة نوعًا ما أمام فكرة بسيطة واحدة: أن تمسّ المادة الإبداعيّة المتلقي بكل صدق، الصدق المرفق بجودة فنيّة عاليّة. أن يشعر المتلقي بالراحة بأن يبكي، يضحك، يخاف ويغضب، كما تفاعله مع الحقيقة تمامًا، وهذا بالضرورة دور وفعل صاحب العمل الفنّيّ.

التحالف يقتل 21 مدنيًا في مدينة الرقة

كيف يمكن للمرأة المغتربة أن تثبت ذاتها؟