in ,

برلينيات (الجزء الأول)

اللوحة للفنان بسيم الريس

راما جرمقاني

-1-
لم أشعر بهذا السلام الداخلي منذ مدة طويلة، لم أنم، وقد نسيت الخوف منذ أربع سنوات وشهر، اليوم أتمم شهري الأول بعيدًا عن حياتي التي تركتها هناك تنتظرني، أشعر بها طفلة صغيرة لففتها ببطانية على عجل، حاولت حمايتها من البرد، لم أترك لها شيئًا يذكرها بي، وضعت قبلات كثيرة على جبينها، تركتها على عتبة الحدود ومشيت!

-2-
لم أودع حياتي كما يجب، لم يكن وداعي لدمشق يليق بمدينة الحزن الكبرى، بعاصمة الفجيعة، لم أودع الشوارع ولا الحارات، حتى أهلي، وأحبتي، خلعتهم كمعطف شتوي خلفي، كنت أعلم أن آخر من سأودعه من بلادي هو ضابط الهجرة، كنت أتوقع ابتسامته وهو يرمي لي جواز السفر، حاولت حفظ شكله كثيرًا، حاولت الاحتفاظ بآخر ذكرى عن الوطن.. لكنني فشلت.

-3-
أقلب ورقة العودة بين يدي، أضحك كثيرًا، عن أي عودة أتحدث!، وبأي مسيرة للأمام أحلم!، اليوم أبيت عند أشخاص لم أكن أعرف بوجودهم في هذه الحياة منذ شهر فقط، وحتى اليوم لا أعرف أسماءهم الكاملة، لقد تبدل كل شيء، حتى اهتماماتي ولغتي، والأهم اسمي! نعم، لقد أصبحت أحمل الرقم 493..

-4-
لم تعد تعنيني أجوبة الكثيرين حولي في أي لعبة صراحة، ربما هي السنين التي جعلتني لا أعير اهتمامًا لرأي الآخرين بي، أحاول سماع الآراء المختلفة، والتي تقترب من الحقيقة عادة، لا لذكاء الأشخاص، بل لوضوحي الكبير، لم أعد أخفي شيئًا، ولا يعنيني ما يعتقده الآخرون عني. الأجوبة عادة تكون وسيلة لاكتشاف الذات، لكنني اليوم أعرف ذاتي كثيرًا لدرجة أشعر بها تسخر من نفسي وأنا أصغي لهم.

-5-
في كل يوم، وفي محطة المترو، يتكرر نفس المشهد، يأتي القطار مسرعًا، يطيّرني للحظات أطير معها إلى هوليوود، أشعر بي في أحد الأفلام، ينقصني.. ذاك الذي سيرتطم بي صدفة، أو ينبهر من خصلات شعري المتطايرة، تنقصني.. تلك الابتسامة.. لتبدأ قصة هوليوودية أعلم أنها غير موجودة سوى في الأفلام..

-6-
أسمع يوميًا عشرات القصص التي تقشعر لها الأبدان، معاناة السوريين كبيرة، سيحملونها في تقاسيم وجوههم حتى آخر جيل في أي مكان من العالم، لكن تلك المعاناة لم تعد تعنيني، انفصلت كثيرًا عن الألم، السفر كإبرة المورفين.. مسكن قوي للألم..

-7-
لم أشعر بنفس الانقباض الداخلي بسبب التطورات الكبيرة.. لم أقلق على أهلي بعد.. كيف يستطيع من كانوا في الخارج عندما كنت هناك الكذب لهذه الدرجة.. خارج حدود الوطن… الوطن غير موجود..

-8-
لا أفهم منطق الرحالة أبدًا.. كيف لشخص أن يعيش حياة السياح؟ أتعبتني الإجازة لكل هذا الوقت.. أخاف أن تطول أكثر.. وأخشى ألا تنتهي…

-9-
في الغربة تضطر لأن تقبل كلّ الناس لغياب الخيارات، لا تكون مخيرًا، لا تنتقي أصدقاءك، ولا حتى شكل حياتك، جملة لم أفهمها منذ أسبوعين فقط!!

-10-
في كل مرة قلت إنني أريد العودة، كنت أكذب.. لم أستسلم بعد!!

“الذين مَسّهم السّحر” لروزا ياسين حسن رواية ترصد مرارة الحرب السورية

أجبرت على الإجهاض لأنها حامل بـ” حورية”