بالتعاون مع استوديو خالد بركة، أطلقت مؤسسة دولتي دعوة مفتوحة للفنانين السوريين (أينما وجدوا) للتقدم إلى منح فنية لإنتاج أعمال فنية تتمحور حول استخدام الأرشيف في الفن. الفنانون الفائزون سيعملون على إنتاج أعمال جديدة تستند إلى قصص حقيقية موثقة من أرشيف مؤسسة دولتي، لتشكل جزءاً من معرض يقدمون فيه رؤاهم الفنية إلى جانب فنانين دوليين آخرين يعالجون في أعمالهم مواضيع مماثلة.
بعد المعرض وبالتوازي معه ستقام ورشة عمل حول موضوع “الأرشيف في الممارسات الإبداعية”.
– – – – – – – – – – – – – – – – –
“نحن جميعاً بحاجة إلى أرشيف […] نتحرّق شغفاً لكي لا نوقف البحث، تحديداً حيث يفلت من بين أيدينا […] لدينا رغبة قهرية ومتكررة مفعمة بالحنين نحو الأرشيف؛ رغبة جامحة بالعودة إلى الأصل؛ اشتياق إلى الوطن الأم؛ حنين للعودة إلى أعتق الأماكن العائدة إلى أقصى البدايات. […] إن جزءاً من مفهوم الأرشيف أنه عام، تماماً لأنه موجود في مكان محدد. لا يمكنك الاحتفاظ بالأرشيف داخل نفسك – هذا ليس أرشيفاً.” _جاك دريدا
لماذا يهمنا بشدة موضوع الأرشفة اليوم؟ يبدو أنه يحيط بنا بحضور أكبر من أي وقت مضى سواء في الخطاب الأكاديمي أو في النقاش العام أو، بوتيرة أكبر مؤخراً، في الثقافة الشعبية. يقوم الأرشيف بمعالجة وجمع وحماية وتمرير خلاصة مرحلة معينة من التاريخ كأجهزة أساسية للمعرفة المخبأة في الذاكرة. حتى الذاكرة نفسها، سواء الجماعية أو الشخصية، لا تعتمد فقط على التخزين، بل على استرجاع بياناتها المحفوظة. لكن الأرشفة تحتاج إلى فعل من جهتنا، سواءً عبر الذاكرة الحقيقية أو الافتراضية، لتصبح على قيد الحياة لتعكس لنا الماضي في المستقبل، ولتحمي قصصنا من خمول الشكل الفيزيائي للأرشفة.
بما أن تاريخنا وهويتنا وذاكرتنا الجمعية مبنية على مجموعة من الأشياء والوثائق والقصص والتجارب، يعكس الأرشيف محاولاتنا للحفاظ على هذه العناصر التي شكلت عصرنا للأجيال المقبلة. كتب إيليا كاباكوف: «أن نحرم أنفسنا من هذه الرموز والشهادات الورقية هو أن نحرم أنفسنا من ذكرياتنا إلى حد ما. في ذاكرتنا كل شيء له قيمة وأهمية متساوية. كل حلقات ذكرياتنا متصلة تشكل سلاسل وروابط في ذاكرتنا هي ما تتألف منه قصة الحياة في نهاية المطاف». للأسف، يرى الكثيرون في الأراشيف مجرد مصادر معلومات بالية، تكتفي بتخبئة البيانات في حالة من التوازن الغامض. لعل منظر الأرشيف والصورة الاجتماعية عنه تساهم في طمس علة وجوده أصلاً – فالمخازن المليئة بصفوف طويلة من الصناديق والأدراج المعبأة بأكوام لا تنتهي من الوثائق تسلب الحس الإنساني من الأرشيف نفسه.
ولكن كيف يمكن للأرشيف أن يندمج أكثر في المناقشات الاجتماعية الحالية والخطابات السائدة حول الفن والثقافة اليوم دون أن يفقد سياقه الأولي؟ كيف للأعمال الفنية أن تمنح صوت لأولئك المدفونين تحت ملفات الأرشفة؟
يعتبر أي استخدام للأرشيف رحلة فريدة من نوعها، ليس فقط ضمن قصة أو رسالة معينة يشتمل عليها، ولكن أيضا داخل أنفسنا حيث يبدو أن استجابتنا للبيانات المؤرشفة تقول عنا عنا أكثر مما تقول عن الأرشيف نفسه. لذلك علينا السعي لإنقاذ وحماية، ليس فقط مجموعة المعلومات التي تدور حول قصص ذات قيمة ومعنى، بل المغزى الحقيقي لهذه القصص والحيوات والذكريات الموثقة والسياقات المتداخلة المتشكلة ضمنها. فقط بهذه الطريقة نستطيع الارتقاء إلى مستوى جديد كلياً في النظر إلى الأرشيف – مستوى استيعاب أهمية أو صدقية أو حتى مرجعية هذا المصدر الهائل للمعلومات وقدرته على تقديم قصص من حياتنا كما هي. إن استخدام الأراشيف كأداة فنية مرتبط حتماً بحد معين من الحماس الناجم عن الأمل في إعادة ولادة شيء ما – فكرة أو حقيقة تاريخية أو قصة شخصية. إن إعادة اكتشاف القصص المعطاة بكل الرسائل التي تنقلها تمنح الفنان الفرصة للعثور على سياقات ومعاني ووظائف جديدة ضمن حقائق معروفة مسبقاً، ولتفسيرها بطرق مبتكرة وذات صلة، بما يبني علاقات جديدة فيما بينها أو يستعيد علاقات كانت قائمة.
لقد أصبحت الأراشيف الفنية منبراً جديداً لتحفيز التشجيع على توسيع الحوار القائم بين البحث والإبداع الفني. بل إن إريك كيتيلار صك مصلح “الأرشيفية” ويعني بها “الاختيار الواعي أو اللاواعي، المحدد بالعوامل الاجتماعية والثقافية، لاعتبار شيء ما يستحق الأرشفة”. حيث قد يؤدي تطبيق العملية الإبداعية الفنية إلى وسيط من البيانات المؤرشفة لاكتشاف هياكل جديدة ضمن الأطر القائمة مسبقاً. في الواقع أن علاقة الأراشيف بالفن والفنانين والممارسات المعاصرة ليست شيئاً جديداً. فالذي قلب الطاولة في حقيقة الأمر هو النقطة التاريخية المعينة التي وجدنا فيها أنفسنا. ففي أوقات التحولات السياسية والاجتماعية الحادة، لا يعود الفنان مجرد فنان، بل يصبح أيضاً ناشطاً وأمين أرشيف. الفن الأرشيفي، بعبارة مؤرخ الفن هال فوستر، لديه القدرة على «جعل المعلومات التاريخية، والتي غالباً ما تفقد أو تقتلع، موجودة بشكل مادي».
هذه الدعوة المفتوحة هي جزء من برنامج «الحفاظ على التاريخ الشفوي في سوريا» الذي أسسته منظمة دولتي غير الربحية (www.dawlaty.org). يهدف مشروع ‘الحاجة إلى الأرشيف’ إلى عقد الصلة بين هيكل الأراشيف ذات القوة التي لا ريب فيها، من جهة، والإبداعات السائرة في جميع الاتجاهات تقريباً، من جهة أخرى. من الأعمال القائمة على البحث الجريء إلى تلك السريالية بالمطلق.
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
– من يستطيع المشاركة: تم إطلاق دعوة مفتوحة لمشروع ‘الحاجة إلى الأرشيف’ بهدف استثارة طاقات جديدة للمداخلات الفنية بمختلف أشكالها، لذلك يقبل المتقدمون من جميع المجالات الفنية.
– كيفية المشاركة: تقديم ملف يضم أعمالك الفنية مع سيرة ذاتية إلى communication@dawlaty.org
– الجائزة: سيحصل أربعة فنانين مختارين من قبل لجنة تحكيم مختصة على $2000 لكل فنان.
– الموعد النهائي للتقديم: 19/12/2017
– إعلان النتائج: 22/12/2017
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
‘الحاجة إلى الأرشيف’
إنتاج: مؤسسة مشروع #دولتي
فكرة وتصميم: #فهرس_سوريا_الثقافي
إشراف فني: #استوديو_خالد_بركة
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
الصورة عمل لمنى حاطوم