in , ,

رحلتي لأكون لاجئة – الجزء الأول: سجن المطار

راده حنانا| عازفة بيانو سورية مقيمة في ألمانيا.

 

مخيم اللاجئين أو منطقة الترانزيت التابعة لمطار فرانكفورت الدولي، انا هنا الآن. لا يعتبر هذا المكان داخل ألمانيا بعد. الساعة الآن الثالثة والنصف صباحًا. اللاجئون هنا معزولون عن العالم. ليس هناك اتصال بالإنترنت، ويأخذون منا هواتفنا المحمولة إن كان فيها كاميرا. المكان شديد الحراسة، بابه من المعدن السميك. تحرسه قوات الشرطة من الخارج، ونحن ممنوعون من الخروج إلا بعد تخطي الشرط الأصعب، وهو تصديق الشرطة لقصتك في التحقيق. ليس معي يورو واحد، وليس معي أرقام معارفي هنا، ولا حتى رقم أخي. مشاعري حيادية جدًا، بشكل غريب في وقت كهذا. في المطار فتشوا أغراضي بدقة. حتى الأوراق الصغيرة لم يهملوها. أخذوني إلى زنزانة منفردة وأجلسوني على فراش متسخ، من الواضح أنّ أشخاصًا كثرَ قد مروا عليه. بعد تفتيش أغراضي جعلوني أقف عارية أمامهم لكي يفتشوا جسدي وملابسي. خلع الملابس قد أثر بي كثيرًا، وجعلني أبكي لما يقارب الساعة في مكتب الشرطة. شعرت بانتهاك لمساحتي الشخصية بهكذا تصرف، وخاصة أنهم قاموا بهذه العملية في زنزانة منفردة.
أسبوع كامل أمضيته في منطقة الترانزيت، ذالك البناء الذي لم أفهم ماهيته إلا تدريجيًا. هو بناء كمربع مغلق، شديد الحراسة ويبعد حوالي كيلومتر عن مطار فرانكفورت. فيه كافيتيريا وصالة تلفاز، ثلاثة طوابق لغرف النوم وبعض المكاتب في الطابق الأرضي أحدها للصليب الأحمر الذي وزع علينا بطاقة فيها 5 يورو كرصيد كي نتصل بمعارفنا.

كانت غرفتي في الطابق الأرضي، مع ثلاث نساء غريبات عني، لكنهن سوريات أيضًا. واحدة من حلب عمرها يناهز الخمسين. تبكي كل يوم زوجها الذي وجدته مقتولا في دكانه في حلب. عندما نكون وحدنا تهمس لي بأن (الله يلعن المجرمين) وتضمني وتبكي. أظن أنها عنت النظام بكلامها، لأنها سمعتني في أول يوم أدافع عن الثورة أمام المرأة الثانية الحموية، والتي اتهمتني (بتخريب البلد) عندما عرفت أنني معارضة. زميلتنا الثالثة لم تحب الكلام معي، فلم اعرف عنها شيئًا.

في كل جناح كان يوجد حمّامان، واحد للرجال وآخر للنساء. تفاجأت كثيرًا عندما رأيت وجهي منعكسا على لوح من المعدن المطوي بدل المرآة.

كانت تغطي غرفة الاستحمام ستارة صغيرة، ويوجد زر في الحائط كلما ضغطته يعطي ماءً فاترًا لمدة خمس ثوان. عندما استفسرت عن موضوع المرآة من أحد الحراس، شرح لي أن البعض يقضي سنوات هنا، ويخافون أن يقتل أحد نفسه خلال فترة الانتظار. لذلك لا مرآة زجاجية في حماماتنا، ولا ممتلكات زجاجية أيضا. جردونا منها قبل دخولنا عبر الباب المعدني الكبير.

 

إفراج!

على ما يبدو، كان القرار المتردد بعدم تمزيق جواز سفري السوري ورميه في المرحاض قد أنقذني من تحقيق ثان و ثالث ورابع ومن أسابيع كنت قد أقضيها في هذا السجن المؤقت. بالإضافة إلى رسالتي: رفض لطلب الإقامة المؤقتة، وإذن العمل في الولايات المتحدة، وملف من عدة صفحات يشرح صعوبة وضعي النفسي من الاكتئاب باللغة الإنكليزية والألمانية.

لملمت أغراضي القليلة بفرح عارم وقلق بشأن مصير “ك”، الفتاة ذات الستة عشر ربيعًا. لم يعلنوا قرار الإفراج عنها بعد، فهي ما تزال قيد التحقيق لمدة تتجاوز ثلاثة أسابيع. أرسلتها عائلتها بجواز سفر مزور، خطوة هامة من خطة محكمة ألا وهي لم الشمل باعتبارها قاصرًا.

أربع أو خمس إفراجات اليوم، منها زميلتي في الغرفة ذات الاتهامات الرعناء. ودعتنا عائلتنا الصغيرة في محطة الترانزيت، ودعونا بعيون دامعة وأمل كبير لا باللقاء، إنما بتيسير الأمور والحصول على الإقامة سريعًا، فعائلتك في المخيم لن تتمنى رؤيتك مجددًا. العائلة الصغيرة المؤلفة من عدد متأرجح من السوريين -قيل لي، إن سبعة سوريين يطلبون اللجوء في مطار فرانكفورت يوميًا في المعدل-  و أحد الحراس وهو جندي السابق في الجيش الأميركي، وسيدة أفريقية مع ابنها البالغ من العمر سنتين.

ها أنا سأخطو لأول مرة أرض ألمانيا الاتحادية.

الوجهة: المخيم الأمريكي، مخيم إيسن.

 

سأخرق القانون.

بالقرب من محطة دورتموند الرئيسية. أشرب الليموناضة الغازية بعد أن قضيت ثلاث ليال عند أصدقائي “س” و “ن”. لولا هذه الدعوة لكنت قضيت عطلة نهاية الأسبوع في مخيم دورتموند المزدحم. فبعد ليلة قضيتها في إيسن. في غرفة تتسع لأربعة عشر شخصًا، وبعد أن غفيت جنبًا إلى جنب مع زميلتي من محطة الترانزيت خوفًا من الغرباء الجدد، تم نقلي إلى دورتموند، بالرغم من محاولات لإقناع الموظفة بأن ترسلني إلى برلين حيث يستطيع أخي تدبر أموري الباقية.

بقينا على باب المخيم ما يقارب الست ساعات. لا شواغر، لا أسرة ولا غرف ولا حتى طعام يكفي لعدد اللاجئين القادمين اليوم. فكرت طويلاً… سأخرق القانون لأول مرة في ألمانيا. اتصلت بـ” س” فدعتني للقدوم إلى مدينتها المجاورة في الحال. ساعة واحدة في القطار، وبضع كيلومترات خارج الحدود المسموح لي بها.

في ألمانيا، أشعر أنني أنا نفسي مجددًا. شعور جيد لانطلاقة جديدة.

المحطة التالية: أونا (Unna)

17/11/2014

 

يتبع..

ما هي الجمعيات الأهلية في ألمانيا؟ وما هي القوانين الناظمة لها؟

القاهرة تشهد انطلاق اجتماعات للدول المقاطعة لقطر لبحث الأزمة