in ,

موسيقي سوري يحيي 50 حفلة في ألمانيا في أقل من سنة

نبيل أربعين (مواليد 1981) عازف عود وملحن سوري، متزوج من الموسيقية السورية هيلين ميرخان التي تدرس في البرتغال حاليًا، عمل بالإنتاج الفني لمدة 6 سنوات في دمشق، أدار شركته الخاصة “الخيمة” التي كانت تعمل على دعم الفنانين الشباب في بداية مشوارهم الفني من خلال ربط الموسيقيين ببعضهم لتأسيس فرق موسيقية، وتأمين أماكن تدريب لهم، ومسارح لعرض نتاجهم، وكذلك إنتاج وتوزيع ألبوماتهم الموسيقية وترويجها داخل وخارج سوريا. درس الموسيقى في المعهد العربي للموسيقى في دمشق ثم أكمل دراسته مع عدة أساتذة منهم (عسكر علي أكبر) خبير آلة العود في المعهد العالي للموسيقى. عزف مع عدة فرق موسيقية في سوريا منها فرقة جوى للموسيقى العربية التي تهتم بالموسيقى الشرقية والموشحات، وفرقة الأستاذ عدنان النابلسي للموسيقى الكلاسيكية. كما قام بتدريس العزف على آلة العود للسوريين والأجانب.

الخروج من سوريا

بعد انطلاق الثورة السورية، قام نبيل بتأليف موسيقيّ لأغنية “حاجتنا يا ناس” التي أطلقتها فرقة وتر السورية في بداية الثورة، وهي أغنية مناهضة لنظام الاستبداد في سوريا، تقول كلمات أحد مقاطعها “لو بتفكر تفتح تمّك/ بتبطّل بتشوفك إمّك/ ويمكن تتحمم بدمّك/ ويمكن حتى تنسى إسمك/ علّي صوتك أوعى يهمّك/ كاس العزّة آخر كاس” ومع ازدياد الخطر شيئًا فشيئًا، وكثرة المراقبين حول مقر شركته في دمشق، لم يعد البقاء ممكنًا، فقد اكتشف أن اسمه على قوائم المطلوبين للنظام السوري بعد تقرير من أحد المخبرين، فغادر نبيل سوريا إلى لبنان في عام 2013.

هجرة أولى.. وموسيقى

سبعة أشهر في بيروت عمل نبيل فيها بالموسيقى، وشارك في عدة حفلات وفرق موسيقية أيضًا، كما شارك بتعليم الموسيقى لأطفال اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان، لم يكن الوضع جيدًا بالنسبة له، حاول كثيرًا الحصول على فيزا إلى أوروبا، خاصة وأن زوجته هيلين تدرس في البرتغال، ولكنه لم يفلح في ذلك، فقرر الانتقال إلى اسطنبول والمحاولة من هناك.

هجرة أخرى

في تركيا كان يعمل أيضًا في الموسيقى، سبعة أشهر أيضًا وهو يحاول الحصول على فيزا للحاق بزوجته التي كانت بحاجة لإجراء عملية جراحية، ليكون قربها، ولكن محاولاته باءت بالفشل أيضًا، بعدها قرر أن يخاطر ويركب البحر الذي كان رحيمًا لدرجة أنه لم يبتلع نبيل كما ابتلع غيره، نجا نبيل، ولكنه نجا بدون آلته الموسيقية، لم يكن يملك الوقت لترف العزف للمياه والأسماء ولتقريب الضفة الأخرى، كما أن “البلم” لا يتسع لعوده!

بداية جديدة بعد فراق

وصل إلى ألمانيا بشهر أيار/مايو 2015 تحديدًا إلى العاصمة برلين، ثم تم إرساله إلى براندنبورغ، بعد شهر ونصف من وصوله حصل على كيتار بسيط كهدية من صديق ألماني، ورغم أنه لا يعزف على آلة الكيتار، إلا أنه شارك بفعالية هدفها الحوار بين القادمين الجدد والسكان المحليين بمسرح مدينة فرانكفورت، وعزف على الكيتار بريشة العود وقدم فقرة موسيقية لاقت استحسان الكثيرين، بعدها بفترة قصيرة وصلت آلته من تركيا، وبدأ نشاطات فنية ببرلين ومدينة راتيناو ومنهما إلى كثير من المدن الألمانية.

نبيل أربعين: حين تعمل الثقافات مع بعضها تعطي نتيجة أفضل

عاد نبيل إلى نشاطه بعد أن التم شمله مع آلته الموسيقية، أيضًا، أصبح لقاؤه بزوجته أسهل، فقد زارته في برلين منذ فترة بعد غياب طويل. عمل نبيل على تأسيس عدة فرق موسيقية في ألمانيا منهم فرقة مطر للموسيقى الشرقية، التي حاولت تقديم الموسيقى الشرقية مع الموسيقى الكلاسيكية الألمانية بقالب شرقي، وفرقة سينغا المؤلفة من سوريين وألمان من ثلاث مدارس موسيقية مختلفة، عازف بيانو كلاسيك ألماني، وعازفة ساكسفون جاز ألمانية، وعازف عود شرقي وهو نبيل، وتعمل الفرقة على مزج هذه الأنماط الموسيقية الثلاث بهدف إيصال رسالة يقولها نبيل: “الثقافات حين تعمل مع بعضها تعطي نتيجة أفضل” حيث أن التجارب الإنسانية تضيف إلى الحضارة وهذا ما يستطيع القادمون الجدد تقديمه. كما يعزف بأوركسترا “بابل” التي أسسها مؤلف موسيقي ألماني بهدف مزج الموسيقيين الألمان والعرب لتقديم أعمال من تأليف القادمين الجدد -المصطلح الذي يفضله نبيل على كلمة اللاجئين- كذلك عزف نبيل في مدينة كولونيا مع كورال أطفال سوريين وعراقيين وكورال ألمان محترفين في الغناء الكنائسي، وعزف أيضًا في حفلة في مدينة دريزدن المدينة التي تعتبر أحد أهم معاقل اليمين الألماني، يقول عن هذه التجربة: “إنها فرصة مهمة بهذه المدينة لإعطاء فرصة لسكانها لرؤية ما يمكن للقادمين الجدد أن يقوموا به ومن أي ثقافة قدموا، كنت سعيدا جدًا بالحاضرين “النخبة” وأسئتلهم عن آلة العود وتاريخها واهتمامهم وشكرهم لي لأني أعرفهم على العالم الذي لا يعرفون عنه وكانوا متفاجئين، خاصة حين أخبرتهم أنها الآلة الأكثر شعبية في سوريا، وأن ما أعزفه هو تراث محفور في وجدان كل السوريين، وعمر هذه الآلة يزيد عن 4500 سنة وهي آلة ليست آثرية، مازالت حية وحاضرة”.

احمل خيمتك واتبعني

يسعى نبيل لإعادة تجربة الخيمة في ألمانيا، ومساعدة الفنانين القادمين حديثًا للبداية بمشروعهم الفني، حيث أن قنوات الاتصال تنقصهم، ولا يملكون أماكن للتدريب، تتلخص الفكرة بتوصيل الموسيقيين ببعضهم وبموسيقيين ألمان وشركات إنتاج مهتمة بهذا الشأن، وتأمين آلات موسيقية لهم وأماكن للتدريب، وهذا يساعد الفنانين القادمين الجدد الذين يعيشون في مخيمات اللجوء لبدء حياتهم الطبيعية الجديدة، والبدء بمشاريعهم الإنتاجية وتقديم خبرتهم وثقافتهم للألمان، وبالتالي العمل على فكرة الاندماج من الطرفين، بحيث يستطيع القادمون الجدد الاحتكاك والتواصل مع المجتمع المحلي والتعرف على ثقافة المجتمع الألماني، وكذلك يتعرف الألمان على ثقافة القادمين الجدد وما يمكن أن يضيفه هؤلاء الفنانون للهوية الثقافية الألمانية لإغنائها.

يقول نبيل: “الخيمة، هي إحدى رموز اللجوء، وارتبطت فكرتها بالضعف والألم والتشرد، ومن المهم تحويل هذا الرمز إلى رمز ثقافي ينقلها من نقطة الضعف إلى القوة والإنتاج، إذن، هي مواجهة فكرة اللجوء لا الهروب منها، وبالتالي تحت سقف هذه “الخيمة” يمكننا طرح وتقديم ما يمكن لهذا “اللاجئ” أن يقدمه، ومواجهة عدم معرفة المجتمعات الأوروبية بثقافة المجتمعات التي أتى منها القادمون الجدد، ومحاولة كسر الصورة النمطية”

عمليًا، سيسعى نبيل إلى زيارة مراكز اللجوء أو إيصال المعلومة لساكنيها، بالتزامن مع بحثه عن ممولين للمشروع الذي يحتاج إلى تمويل بسيط في البداية، ومن ثم سيصبح المشروع قادرًا على تمويل ذاته ذاتيًا عن طريق الحفلات التي يحييها الموسيقيون القادمون حديثًا مع الموسيقيين الألمان، ستتكون مجموعة من الفرق الموسيقية متعددة الجنسيات، والتي بدورها قد تكون قادرة على تشكيل حركة ثقافية جديدة ملوّنة وتنطلق من مبادئ عدم التفريق والتمييز بين البشر، وتطرح الفن والجمال بديلا عن الحرب والألم والكراهية.

يفرّق نبيل بين مساعدة اللاجئين وتمكينهم ويقول: “هناك نوعان للمساعدة، الأول يتمثل باطعام والشراب واللباس والمساعدة المالية، والثاني بتمكين القادم الجديد لأن يكون فاعلاً في مجتمعه الجديد، بالتأكيد الثاني هو الأفضل” ويتحدث عن الصعوبات التي تعيق عملية الاندماج: “الأمان والاستقرار عاملان مهمّان في عملية الاندماج، وحين لا يشعر القادم الجديد بالأمان الشخصي والحماية، لن يستطيع الاندماج” ويتمنى في النهاية أن يتم “دعم المشاريع الثقافية والفنية والمشاريع التي تبني الجسور بين الثقافات وتكسر الحواجز، خاصة وأن الفن من أفضل الوسائل لتمثيل والثقافات، والتأثير بالمجتمعات بفعالية”.

خيبة

جذور من ورق