in ,

مرحبًا باللاجئين .. بعض الأفكار الشخصية عن ألمانيا و”اللاجئين”

د. رينيه فيلدانغل

 

حتى وقت قريب كنت أعمل في مدينة رام الله الفلسطينية، وأتابع على التلفاز مئات آلاف المواطنين السوريين والعراقيين والأفغان ومن جنسيات أخرى، يسافرون إلى بلدي ألمانيا.

من المحزن جدًا رؤيتهم صغارًا ومسنين وعائلات بأكملها وأطفالاً وحيدين وشبابًا يغادرون أوطانهم التي مزقتها الحرب، ويبدؤون رحلة طويلة وقاسية وخطيرة، عبر الأراضي الأوربية ذات العدائية المتزايدة. الآن لقد عدت إلى ألمانيا وأقمت في برلين.

وبينما شرعت بلدان أخرى ببناء الجدران والأسوار، ناشدت المستشارة الألمانية بشكل علني زملاءها المواطنين والمواطنات في ألمانيا قائلةً: “بإمكاننا فعل ذلك”، معبرة عن تفاؤلها بخصوص إيجاد حلول ألمانية ناجحة للوضع الحالي الصعب. كان ذلك رائعًا حيث أن لألمانيا كدولة علاقة معقدة بالهجرة، ولم يتم الاعتراف بحقيقة أن ألمانيا هي في الواقع بلد مهاجرين إلا حديثًا جدًا. وعلى الرغم من أن الناس بدؤوا بالهجرة بأعداد كبيرة منذ القرن التاسع عشر، فقد أعلنت ألمانيا كدولة في وقت متأخر جدًا عام 1871، وعرفت عن نفسها كدولة للألمان ذات أصل ألماني ولغة ألمانية مشتركة. من الناحية القانونية، وحتى وقت قريب، لم يتمكن سوى هؤلاء الألمان، أبناء وبنات المواطنين الألمان، من الحصول على حق المواطنة الألمانية.

لقد تغير الزمن، وأبدى الجيل الجديد قبولاً واسعًا وإيمانًا جزئيًا “بألمانيا الجديدة” بمواطنيها ذوي الأصول المختلفة والهجرة المستمرة والجمال الخاص لتعدد ثقافاتها. تم الاحتفاء بألمانيا هذه خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم الذي أقيم في ألمانيا عام 2006 من خلال لاعبين متعددي الثقافات ومشجعين من أصول مختلفة. لكن بعض الألمان يرفضون بشدة قبول أن ألمانيا قد تغيرت. ومع موجة الهجرة الحالية، والتي يصفها بعض المحافظين بـ “موجة المد التي تحتاج إلى إيقاف”، لاحظت نوعين من ردود الأفعال: أحدهما مرحّب، ونشير إليه في ألمانيا هذه الأيام بثقافة الترحيب، والآخر معاد، تحث عليه الجماعات والأحزاب الوطنية المتطرفة. لقد شعرت بالخجل من رؤية الهجوم على طالبي اللجوء الواصلين حديثًا، والذين فرّوا لتوهم من ويلات الحروب والصراعات الدامية. يحاول هؤلاء المتعصبون تحميل المهاجرين، أو بشكل أدق اللاجئين الفارين من العنف والحروب الشاملة، مسؤولية مشاكلهم الخاصة وفشلهم.

لقد عشت في بلدان عربية، وكانت لدي الكثير من التجارب مع “ثقافة الترحيب” هناك. وخلال عام قضيته في مدينة دمشق السورية (1999-2000) وأربعة أعوام في فلسطين والكثير من الزيارات الأخرى، عوملت بكثير من اللطف والحرارة. من المحزن بالنسبة لي كألماني أن أرى مئات آلاف اللاجئين القادمين من البلدان العربية ومن أماكن أخرى أيضًا، يصلون إلى ألمانيا ويجابهون الكثير من المشاكل الكبيرة؛ ككيفية الوصول إلى هذا البلد الأجنبي، وإيجاد حياة جديدة ومكان خاص للسكن، وعمل وأصدقاء جدد، وطريقة تعلم اللغة الألمانية. أعلم تمامًا أن العديد ممن وصلوا إلى ألمانيا قد خسروا الكثير من الأشياء، وإن أكبر أمنياتي أن تتعلم ألمانيا معاملة القادمين الجدد بالاحترام والكرامة التي يستحقها كل إنسان. لقد وصل العديد من أصحاب المواهب والشخصيات الرائعة، وأعرف أن آلاف الشباب يبحثون عن فرصة للمساهمة في المجتمع الألماني ثقافيًا واقتصاديًا وشخصيًا وسياسيًا، وآمل أن تجعل بلدي ذلك ممكنًا، وأن تجتاز اختبار دمج الناس الذين ينتمون إلى البشرية أولاً قبل أن يصبحوا لاجئين.

حتى الآن لم تقم ألمانيا كدولة بفعل ما هو كاف، ولسوء الحظ، فإن الوضع في الكثير من المناطق صعب وتعمه الفوضى كما هو الحال في مدينتي برلين. لم يتم تأسيس نظام جيد يؤمن المأوى والحماية الكافية. ألمانيا لديها الكثير من الموارد ويجب أن تقدم ما هو أفضل. يتطلب تحسين النظام وقتًا إضافيًا، لكن آلاف المتطوعين الألمان من كل المناطق والأعمار بدؤوا مشكورين بالعمل والمساعدة في هذه المهمة الضخمة في العديد من المشاريع العملية. يمكنكم أن تروا إشارات #مرحبًا_باللاجئين في جميع أنحاء البلاد وعلى شبكة الإنترنت. أعرف أنه في هذه الأيام المليئة بالفوضى يصبح من الصعب العثور على المعلومات الصحيحة، خاصة إن لم تكن تتكلم الألمانية أو الإنكليزية. أستطيع أن أوصيكم فقط بمحاولة تعلم الألمانية بالسرعة الممكنة، حيث أنه من الصعب تدبر أموركم بدون اللغة. لقد بدأت صفوف اللغة الألمانية في العديد من المخيمات، وأنا أحثكم على البحث عن الإمكانيات والمشاريع المختلفة التي يمكن الاستفادة منها. يمكنكم العثور على العديد من المعلومات على شبكة الإنترنت كبرامج وتطبيقات تعلم الألمانية، أو المبادرات التي تحاول ربطكم بالألمان الذين يملكون غرفًا احتياطية في شققهم. في بعض أماكن الإقامة في جميع أنحاء ألمانيا هناك إنترنت مجاني لللاجئين، وهؤلاء الذين يملكون إمكانية التواصل من خلال هواتفهم الذكية قد يساعدون في توجيهكم نحو المبادرات الصحيحة. أنا سعيد بولادة فكرة إنشاء جريدة عربية، سوف تستمر كما آمل بدعمكم ومساعدتكم في المستقبل، وآمل أن يستطيع العديد منكم المساهمة في الجريدة أو غيرها من الأنشطة الثقافية.

من أجل المسائل الأكثر إلحاحًا كتصاريح الإقامة أو العلاج الطبي، ستحتاجون إلى مساعدة محامين محترفين أو أطباء، ولسوء الحظ ستحتاجون بعض الصبر. أعرف أن الحياة في المخيمات في ألمانيا بدون قدرة على العمل أو الاهتمام بحياتكم بعد كل الصعوبات التي مررتم بها مختلفة تمامًا عما كنتم تأملون، ولكنني متأكد أن الوضع سيتحسن بإصراركم ، شيئًا فشيئًا.

أتمنى لكم حظًا سعيدًا، وأؤكد لكم أن لديكم الكثير من الأصدقاء بين الشعب الألماني سيقدمون لكم أكبر دعم ممكن، أما في الوقت الحالي، فأهلاً وسهلاً بكم في ألمانيا.

*د. رينيه فيلدانغل: مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول في رام الله – فلسطين سابقًا (2012-2015)، درس التاريخ في كولونيا، واللغة العربية في دمشق.

سمر يزبك للألمانيين: أنا متعاطفة مع أدوات الشر ضد من يصنعون الشر!

يومي الأول في مدرسة اللغة الألمانية