in

صحافة السلام في سوريا الحرب!

ملك بيطار

بلاشك أن للصحفي دوراً هاماً في تعزيز التماسك المجتمعي على مرّ التاريخ، ولاشك بأن أهميته ازدادت في الوقت الراهن بعد الأزمات المتلاحقة التي طالت الوطن العربي كلّه، الذي بات يُشكّ باعتباره وطناً واحداً، فالشرذمات بين أبناء المدينة الواحدة كفيلة بالتأكيد على التفرقة التي جمعتهم تحت سقف وطن واحد.

لعب الإعلام العربي لعبته في تجييش التفرقة بكافة أشكالها العنصرية المذهبية والعرقية، بل واجتذب الخراب على امتداد ألاف الكيلوميترات بشكل ممنهج، في وقت غابت فيه المؤسسات الإعلامية المحايدة، المكتوبة منها والمرئية والمسموعة، وسأشير هنا إلى وطني سوريا الذي ألقيت المسؤولية الكبيرة فيه على عاتق “الصحفي الحر”، ليشير بعين الحق إلى الواقع الراهن بكل تجرّد وحيادية، وإلى المستقبل بعيداً عن أية عباءة تطرفية سورية أو أجنبية!

الأمر الذي صعّب مهنة “الصحفي الحر”، حين انقسم أبناء وطنه إلى طرفين، التهمت الحرب الحسّ الإنساني من قلوبهم. فكانت المهمة الأصعب هي طرح المواضيع المجتمعية ومحاولة تفكيكها دون الميل إلى كفة أي من أصحاب الآراء المتعصبة تجاه (الكارثة السورية). ولم يعد الأمر يقتصر على أصحاب الجمعيات والمنتديات الفكرية والمعنيين بتفعيل المواطنة في سوريا، أو غيرها من البلاد التي أكلت نصيبها من الصراعات والحروب، بل على الصحفي المهمة الأصعب من خلال التأكيد على شعار الإنسانية المتآكل أو محاولة جعل الطاولات التي تجمع بين أبناء البلد الواحد مستديرة قدر الإمكان، بل يكفي أن تثير المادة الصحفية فضول القارئ وتجعله يفكر في أبعادها الإنسانية قبل كل شيء مدة نصف ساعة فقط، ليعلم أن ما يحمله من تطرف وحشي لا يمت للتعايش السلمي الذي ينادي به البتة!

الحيادية التي ينبغي أن يتشربها قلب وعقل الصحفي الناضج تقرع أجراس رحلة التغيير، عندما يتم نشرها مع ثلة من أقرانه في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية، وإن كانت من منبر خارجي كما هو متعارف عليه، وهكذا كلما كبرت القاعدة الصحفية السلمية استطاعت أن تحرك إنسانية مئات بل آلاف المواطنين الذين يجلدون أنفسهم كل يوم بتطرف دموي، ويلحقون الأذى بأنفسهم من خلاله أكثر من شظايا الحرب.

سأتحدث هنا عن رقعة جغرافية هي مدينة اللاذقية الساحلية، فهي خير مثال على المدينة المكتظة بعشرات الطوائف والملل الدينية، والتي حققت أكبر نسبة نزاعات في سوريا، وإن كانت حتى اللحظة توحي بأنها المدينة السياحية الخلابة التي جمع شاطئها الذهبي وجبالها الخضراء كل هذه المذاهب، والتي استفزت في نفوس الكثير من شباب المشهد السوري فصنعت منهم صحافيين من رحم الألم، لما شهدوه من عراك مجتمعي على صعيد أصغر خلية في المجتمع (الأسرة) فما حال تآخي ما تبقى من الطوائف؟

استطاعت تلك الفئة المنبوذة من الصحفيين في محابر التماسك المجتمعي الضحلة سواء داخل سوريا أو خارجها طبع بصمة “وجع مكتوبة”. أشاروا إلى الفساد المجتمعي (ظاهرياً) والذي طال حتى المعونات الإنسانية لمتضرّري الحرب، وحاولوا مساندة كل من صفعتهم شظايا القذائف بعيداً عن مدنهم، ولو بكلمات تصف ما آلت إليه أحوالهم كمحاولة منهم للفت نظر الجهات الداعمة والمنظمات الإنسانية من قلب الحدث لمساعدتهم, بعيداً عن الإحصائيات المتداولة غير القابلة للضبط حتى الآن، والتي تداولتها القنوات التلفزيونية وأصبحت تتاجر بها، كل حسب سياسيات أصحابها والحكومات التابعة لها.

حتى هذه اللحظة لازلنا نفتقر إلى الكثير من الصحافة النقية والصحفيين الذين لم تغريهم الإنتماءات ومنافعها، ولا نستطع لوم المصفّقين والمهلّلين كثيراً، فعواقب الكلمات الصادقة في مجتمعنا العربي أكثر من وخيمة، أما الصيادون في المياه العكرة فيصولون ويجولون.

مقارنة بأولئك الصحفيين هناك كوارث حقيقية في الوسط الإعلامي السوري، وأخصّ هنا الصحافة الالكترونية التي جعلت كل “سوري صحفي حتى يثبت العكس”، وبات الغادي والبادي يطلق على نفسه الصحفي فلان للموقع الفلاني، وهو لا يفرق بين المقال والتقرير والتغطية الإعلامية!

ولم يقتصر الأمر على المواقع المرخص لها والبعيدة كل البعد عن المهنية والمصداقية، إلا أن هناك عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يتنصب إدراتها مجموعة من العاطلين عن العمل، شغلهم الشاغل القدح والذم وإلقاء السباب على كل من وضع تعليقاً لا يتوافق مع سياسة الصفحة.

لعل هذه المجريات المنهكة للصحافة السورية هي ما جعلت السعي وراء الحرية الفكرية الحقة من باب أولى، خاصة في بلاد أشعلتها نيران الحرب.

خاص أبواب

 

اقرأ/ي أيضاً:

الحكومة المصرية تمعن بقمع الصحافة وحرية الرأي وتغلق موقع قنطرة الإلكتروني

2018: حرية الصحافة في تراجع، الديموقراطيات في انتكاس، الديكتاتوريات في تقدم، الكوكب باتجاه الجحيم…

أكشاك بيع المطبوعات في برلين: حرية التعبير فوق الرفوف

محاكمة أفراد عصابة “عربية” سرقوا عملة ذهبية من متحف في برلين

سائق قطار مخمور يعيق مهمة أفراد من الشرطة الإتحادية بعد أن نسي التوقف في محطتهم