in ,

مهرجان مورغن لاند، أصالة موسيقا الشرق بعيدًا عن النمطية

Morgenland Festival Osnabrück \ مهرجان مورغن لاند، أصالة موسيقا الشرق بعيدًا عن النمطية

ريتا باريش – خاص أبواب

يعتبر مهرجان (مورغن لاند) في أوزنابروك عنوانًا سنويًا للموسيقى العالمية المتميزة، شارك في دورته الثانية عشر عدد من الفنانين العالميين الذين يقدمون موسيقى غير تقليدية من إيران، أذربيجان، أوزبكستان، سوريا، لبنان، وتركيا، تمتزج في ارتجالات رائعة مع موسيقا غربية يقدمها فنانون أوروبيون وألمان.

استمرت فعاليات المهرجان من الثاني إلى الحادي عشر من أيلول سبتمبر، على هامش المهرجان التقت أبواب مع فنانين سوريين أصبحوا من أركان هذا الحدث الفني والثقافي المهم وهم: الموسيقية والمغنية الأوبرالية ديمة أورشو، الموسيقي وعازف الكلارينيت كنان العظمة والفنان والموسيقي السوري إبراهيم كيفو، وكان الحوار التالي:

دير الزور والغوطة في مهرجان مورغن لاند:

كنان وديمة يجمعكما “حوار” وهو مشروع فني أبصر النور في دمشق عام 2003، واليوم أصبح حوارًا موسيقيًا يجوب العالم، ويغتني بالتجارب الموسيقية والفنية لموسيقيين عالميين. إلى أي حد يشبه حوار البدايات، حوار اليوم؟ وماهو تأثير الحراك في سوريا على مسيرة حوار؟

تجيب ديمة أورشو: “إن فكرة حوار لم تتغير منذ تأسيسها، والفضل يعود إلى المرونة التي تقوم عليها فكرة المشروع، وهي حوار بين موسيقيين يؤدون أنماطًا موسيقية مختلفة، ولديهم القدرة على التحاور لبناء أعمال موسيقية جديدة قائمة على التجريب ومزج الخبرات وتبادلها”. وعبر مسيرة حوار الطويلة فإن ما بدأ كمشروع فني تجريبي بين كنان العظمة وعصام رافع على العود وعمر مصفي على الإيقاع وكنان أبوعفش على التشيللو، في بيت عربي في جرمانا عام 2000 تحت اسم “ثلاثي وإيقاع” تطور ليضم إليهم موسيقيين سوريين في 2003 كسيمون مريش-إيقاع، وديمة أورشو-غناء، وخالد عمران-باص، ومن ثم تطورت الفكرة لتصبح حوارًا بين ثقافات مختلفة وموسيقيين عالميين كمانفريد لويشتر عازف الأكورديون الألماني، جاسر حاج يوسف عازف الكمان التونسي، وجيفان كاسباريان من أرمينيا وأندرياس موللر عازف باص من ألمانيا، وروني براك من لبنان على الإيقاع وأوركسترا الحجرة لمهرجان مورغن لاند، وغيرهم ممن شاركوا في ألبوم “رسائل إلى وطن” وكذلك موسيقيين سوريين كإبراهيم كيفو.

وتتابع ديمة: “حوار اليوم كمشروع يشبه إلى حد بعيد حوار البدايات، إلا أن التجربة اختمرت واغتنت وتنوعت وسافرت نحو ثقافات أخرى على الرغم من أن مؤسسيها (أي كنان وعصام وأنا) بقينا ثابتين. لا شك أن الحراك في سوريا وما تلاه من قمع وقتل واعتقالات ومن ثم الحرب والدمار والتهجير القسري قد أثر فينا كأفراد، مما انعكس على إنتاجنا الموسيقي، فكنان على سبيل المثال بقي يشعر بالعجز لفترة، وبعدم جدوى التأليف الموسيقي أمام هول الأحداث، إلى أن عدنا والتقينا في هذا المهرجان عام 2012 وكانت لحظة مؤثرة ولدت فيها مجموعة من القطع والمؤلفات الموسيقية التي عبرت عن أوجاعنا وكان لها وقعها الخاص، ومؤخرًا عملت على مشروع موسيقي من ثلاث مقطوعات “منسيون على ضفاف الفرات، هدوة، عالمايا” تم تقديمه في هذا المهرجان، تتحدث عن دير الزور كمدينة منسية ضائعة. كما قدمت مقطوعة أخرى من تأليفي بعنوان “رحلة إلى الغوطة” تحكي ذكرياتنا عن الغوطة في الأمس، وقدم كنان “جسرين” من تأليفه وهي تعبر عن حصار تلك البلدة في غوطة دمشق اليوم”.

img_6030

كنان العظمة: ثورتنا كموسيقيين هي أن نصرخ بأعلى أصوات آلاتنا لنعبر عن أوجاعنا ونكسر الصمت بالموسيقا.

تحرصان على المشاركة سنويًا في مهرجان مورغن لاند في أوزنابروك منذ عام 2010، حتى غدوتما من أعمدة المهرجان. ماذا أضاف المهرجان لكما، وماذا أضفتما للمهرجان؟

يجيب كنان العظمة: “لسنا نحن من يحرص على المشاركة في المهرجان، فالأمر يعود أولاً وأخيرًا إلى رؤية إدارة المهرجان، ويسعدنا أنها توجه لنا الدعوات بشكل مستمر منذ العام 2010، لأنها ترى أننا ننتمي إليه في ما نقدم. وحتى لو لم ندع كمشاركين، فحفلات المهرجان هي في حد ذاتها من أجمل ما يمكن للمرء أن يحضره ويغتني منه فنيًا من خلال موسيقى المشاركين، المهرجان أيضًا هو مطبخ المشاريع الجديدة، ولحظة من الكشف والإلهام. أما ما يعنيه بالنسبة إلينا، فهو مناسبة شخصية في غاية الأهمية، لأنه شهد على مرحلة زمنية مفصلية من مراحل نضجنا الموسيقي، مذ كنا طلابًا نبحث عن أدوات جديدة لتطوير موسيقانا وحتى اليوم. كما أصبحنا بدورنا شهودًا على تطور هذا المهرجان ليصبح واحدًا من أهم المهرجانات الموسيقية الخلاقة في أوروبا”.

ويضيف العظمة: “فكرة المهرجان تصب في ما نبحث عنه كأفراد في “حوار”، وهو فرصة للالتقاء بأفراد لا يشبهوننا والتعرف على أنماط موسيقية غير مألوفة منحدرة من ثقافات مختلفة وغنية، وخلق مشاريع مشتركة جديدة في جو حقيقي يقدم موسيقى جادة بعيدة عن الاستعراض، وهو يعني الكثير على الصعيد الشخصي لكل الموسيقيين المشاركين فيه والحاملين لنفس الهموم والأوجاع، فمعظمهم آت من بلدان تشهد نزاعات واضطرابات وقمع لحريات التعبير. ثورتنا كموسيقيين هي أن نصرخ بأعلى أصوات آلاتنا لنعبر عن أوجاعنا ونكسر الصمت بالموسيقا، فهي ما نستطيع أن نقدمه ونغير العالم من خلاله”.

في الولايات المتحدة البعيدة جغرافيًا عن مسألة اللاجئين، كان التزامكما بقضية اللجوء واضحًا مع العديد من الفنانين السوريين المقيمين هناك مثل كيفورك مراد، وقمتما بزيارات عديدة إلى مخيم الزعتري ومازلتما ملتزمين بالعمل وبالتواصل المباشر مع اللاجئين. كيف تساهمان اليوم في نشر الوعي بمسألة اللاجئين وبما يحصل في سوريا ضمن المجتمع الأمريكي المشغول حاليًا بانتخاباته الرئاسية.

تقول ديمة أورشو: “الولايات المتحدة ممتدة على مساحة جغرافية واسعة. ما نحاول القيام به هو تعريف الأمريكيين بالثقافة والتراث السوري من خلال ورشات عمل وتدريس الموسيقا والتراث السوري ودائمًا ما تترافق تلك الأنشطة بالحديث عن سوريا والتعريف بما يحدث، ولكن هذا ليس كافيًا، فالمنظمات التي ترعى وتمول تلك الأنشطة محدودة، كما أنها للأسف تطرح ما يحصل في سوريا من باب الكارثة الإنسانية والتعاطي معه من باب الشفقة دون الرجوع إلى أسبابه. وتبقى جهود الأفراد هي ما يمكن أن يعول عليه”.

كنان العظمة متفائل بدور الفن في التعريف بسوريا وتغيير الصورة النمطية وإحلال التنوع مكانها، عبر إيصال رسالة إنسانية ذات مضمون نوعي: “ينتشر اليوم فنانون من سوريا عبر العالم ويقدمون فنًا رفيع المستوى، بعيدًا عن التعاطف بسبب كونهم سوريين. كما ساعدت منصات التواصل الحديثة على هدم الحواجز وخلق أشكال جديدة للتعبير الفني، يساهم فيها الشباب يقدمون سوريا كما يراها كل واحد منهم. مما يمكّن المتلقي أن يختار تكوين صورة متنوعة وغنية عن سوريا، لا صورة نمطية واحدة. كما أن الثورة حررت أشكال التعبير الفني اليوم من كل ما كان يقيدها، وأكسبتها معنىً جديدًا.
الفن رسالة أكبر من الانتماء، في الفن ينتمي الفنان إلى الإنسانية، انطلاقًا من جذوره ومخزونه الثقافي، ليمزجه مع الثقافة الإنسانية”.

img_6022

كنان العظمة: الموسيقا حريّة، لماذا علي أن أسمح لهم بأن يجردوني من هويتي كموسيقي

في إطار فعاليات مهرجان أوزنابروك، شاهدنا كنان في فيلم بعنوان “موسيقا الغرباء” الذي يدور حول مشروع طريق الحرير الموسيقي الذي أطلقه المؤلف وعازف التشيلو الأمريكي يو-يو-ما ويجمع موسيقيين متميزين من أنحاء العالم وعلى وجه الخصوص من مناطق ساخنة تشهد اضطرابات ونزاعات. في أحد المشاهد يقول كنان إن الموسيقا أصبحت في مرحلة من المراحل، عاجزة عن التعبير بما يشعر، فالعالم بأسره يدير ظهره لسوريا، هل تشعر اليوم بأن الجهود التي تبذلها في نشر الوعي حول سوريا والموسيقا التي تؤلفها وتعزفها تساهم ولو بدرجة قليلة في التغيير؟

كنان العظمة: “لا أخفي بأنني في مرحلة من المراحل عند الإحساس بعدمية مآلات الأحداث في سوريا سألت نفسي: لم نصنع موسيقا؟ هناك نظريتان فلسفيتان تقول الأولى إن الموسيقي يعيد خلق العالم المحيط به أو انطباعاته عن العالم الخارجي، والمدرسة الثانية تقول إن دور الفنان هو إعادة خلق العالم بطريقة مثالية. أما أنا فأؤمن بأن صناعة الفن هي للتعبير عن مشاعر لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، فليس هناك على سبيل المثال موسيقا حزينة أو موسيقا سعيدة. هناك ما هو أعقد، وقصور اللغة هو سبب الحاجة إلى الموسيقا للتعبير.

عند قيام الثورة في عام 2011 و2012، مررنا بأحاسيس لم نختبرها قط. وسألنا أنفسنا، ما الذي يمكن للموسيقا أن تقدمه في مواجهة الدبابة والسلاح؟ وفكرنا أن هناك أولويات في تلك المرحلة ربما ليست الموسيقى إحداها. ثم فكرت في أنني موسيقي، وهذا هو دوري ورسالتي في الحياة، لم علي أن أسمح لهم بأن يجردوني من هويتي كموسيقي؟ الموسيقى حرية، وعلي أن أستمر في ما أقدمه، وأن أساعد من خلاله، فالحياة مستمرة. ولهذا ننظم دائمًا العديد من الحفلات التي يذهب ريعها لدعم المشاريع الإغاثية والإنسانية وبناء المكتبات، وزرنا الزعتري بشكل متكرر، مع ديمة والرسام السوري كيفورك مراد. بعد عرض فيلم موسيقا الغرباء في أوزنابروك، أتى عدد من الأشخاص ليسألوا بكل جدية كيف يمكنهم المساعدة بشكل حقيقي دون الشعور بالشفقة، وهكذا فإن الوعي ينتشر”.

img_6055

إبراهيم كيفو: من يملك “صك ملكية” للجزيرة السورية فليرِنا إياه

الفنان إبراهيم كيفو من أوائل وأهم الفنانين الذين نجحوا في نقل تراث الجزيرة الغني بكل تنوعه الإثني والثقافي، والمنسي حتى من السوريين أنفسهم، إلى العالمية من خلال القدرة على استيعاب  كل ألوان الغناء في تلك المنطقة، من أرمني وميردلي وكردي وسرياني، وأيزيدي. كيف ينظر اليوم إبراهيم كيفو إلى تلك البقعة الرائعة التي ظلمها التاريخ عبر تهميشها أولاً وزرع الأحقاد بين أبنائها ثانيًا؟ كيف يرى إبراهيم كيفو المستقبل؟ وماهي الجهود التي تبذل للحفاظ على هذا التراث من الضياع في بوتقة الحرب والكراهية والنسيان؟

يجيب إبراهيم كيفو: “إن الأنانية هي ما يخرب كل شيء ويذهب بالتراث إلى أدراج النسيان، أما إذا فكّر الإنسان بانفتاح فيستطيع أن يخلق التقارب، عاش سكان تلك المنطقة على اختلافهم إلى جانب بعضهم البعض لآلاف السنين، وتعاقبت شعوب وإثنيات مختلفة على الجزيرة السورية، فإن كان أحد دون غيره يملك “صك ملكية” لتلك الأرض وثقافتها، فليرنا إياه وعليه يقع البرهان. كل الشعوب والإثنيات التي سكنت الجزيرة السورية امتزجت وأخذت عن بعضها البعض. وإذا فكرنا بالموسيقا والمنطق السليم، فإن الطريق الوحيد هو أن نجتمع، فسوريا متنوعة، سوريا كردية، سريانية، أرمنية،  وآشورية بقدر ما هي عربية. وجميعهم يملكون الحق في تلك الأرض وتلك الثقافة. أعرف عن نفسي من خلال الموسيقا التي أقدمها كإنسان وفنان في المقام الأول، ينتمي إلى كل هذه الفسيفساء التي أثرت بي، هكذا أرى سوريتي. الموسيقا تجمع ولا تفرق ويمكن أن تكون نقطة انطلاق لحوار بين سكان الجزيرة السورية لبناء مستقبل يقوم على التعايش المشترك شرط وجود إرادة وقرار يدعمان هذا التعايش”.

بالتفاصيل: سطو مسلح ارتكبه ملثمون بلباس الشرطة على كارداشيان

وفاة صاحب أطول وأسعد زواج في العالم استمر تسعين عام