in

رواية لالين … “أمشاج من اللاهوت والحب والسياسة والحرب”

Alex Basanoff

أسعد فخري

بعد روايتها الأولى “الزفير الحار” ثابرت، وما انفكت الروائية السورية المجتهدة “وجيهة عبد الرحمن” على إصدار عملها الروائي الجديد تحت عنوان “لالين” المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت /2016/ وهي رواية لافتة، وتستحق التقرّي، والتأمل جراء تصديها لإشكالية لها من الأهمية بمكان، حيث محاولتها الجادة في تفكيك المقدس داخل تابوهات اللاهوت ومفاصله العميقة عبر سردية حملت الكثير من مشاهد القسوة، والألم والكثير من إرهاصات المواجهة بين القلب، والعقل، ومحاكاة مفهومة الحب، وعذريته البكر الخالية من قسر اللاهوت، وعثراته.

%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86-%d9%84%d9%84%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d9%88%d8%ac%d9%8a%d9%87%d8%a9-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86

وفق مقاربات كان في مقدمتها الخروج من عنق زجاجة تابوهات اللاهوت وأحفورة الأديان ومتفرقات مذاهبها المتعددة.

تبدأ رواية “لالين” إيقاع سرودها اشتغالا على قصة حب بين “كاترين المسيحية، وزارا الأيزيدي” عبر مشهد طويل من الوقائع التي أثْرَت تلك العلاقة الإنسانية، ومنحتها أبعادًا حميمية أماطت اللثام عن تفاصيل الخيط الواهي لميراث المأساة التي تبدت على لسان غلام الخطيئة المقدسة “لالين” لتَمكين التعاقب، والاستمرار عبر الظهورات المتباعدة لشخصية “مارتا” مما يدلل بصورة لا تقبل الشك أن الروائية أجادت لعبة التأثيث برشاقة حين استَبقَت “مارتا” في الظل مرارًا ريثما يحدث ما حدث لكاترين التي تركت دفتر مذكراتها في مكان تعلمه “مارتا” التي تظهر في الفصول المتأخرة للرواية، وتقدم نفسها على أنها الوجه الآخر “للسارد العليم” مُعيدة السرود مجددًا إلى قصة الحب، ووقائع مفاصلها الشيقة.

في”دهوك” كردستان العراق التي استقبلت وفدا من “المسيحيين” جاء من أجل زيارة المعالم المسيحية في المدينة وقتئذٍ تعصف مُستقر اللعبة السردية لتظهر السيدة “كاترين” التي كانت من عداد الوفد، بعد أن تتعرف على الدليل السياحي “زارا الأيزيدي” الذي كانت مهمته مرافقة الوفد حيث يتفقان “كاترين وزارا” على زيارة معابد الايزيديين.

في الطريق إلى “لالش” تنصت كاترين إلى زارا وهو يحدثها عن طقوس الديانة الأيزيدية وطبقاتها غير أن المعبد الأيزيدي، ومعالمه غدت أشبه بعصا سحرية بعد أن دخلا إليه سوية فراحت كاترين ترسم صورًا من خلالها استطاعت حثَّ السرود على استثمار حكاية عشقها لزارا، وهيامه هو الآخر بها في الوقت الذي فتحت الأبواب للتسرير الذي راح يلامس كل مفاصل حياتهما  لنتعرف آنذاك على سيرة “زارا” وسيرية “كاترين” عن كثب وعلاقتها المتوترة بزوجها إضافة إلى استحضار كم كبير من المعلومات التاريخية التي تخص الديانة الايزيدية، وما تعرضت له تلك الأقلية الإثنية من مذابح، ودمار، وتشريد عبر التاريخ.

يكتمل نشيد العاشقَينِ “زارا وكاترين” بلقاء جنسي حميم يثمرعنه “لالين” الخطيئة المقدسة فيما بعد، وقبل أن تعود كاترين إلى بلادها تطلب من زارا تعميدها في المعبد الأيزيدي بعد أن أصبحت في نظره “ميان خاتون”، والتي تُعد عند الإيزيديين المرأة الأهم بين النساء الإيزيديات.

ينهل السرد مجددًا من وقائع العلاقة غير المتكافئة في حياة كاترين الزوجية بطلة الرواية، والتي دفعت من أجلها ثمنًا باهظًا حين أصرَّت على إبقاء الجنين في رحمها بعد أن كُشِف أمرها حيث تتطور الحكاية إلى مواجهة حقيقة بين امرأة مسيحية أحبت من خارج ملتها رجلا أيزيديًا، وحملت منه فتصبح عدوَّة للجميع، فبعد أن تنجب “لالين” بعدة أيام تضعه أمام بوابة جمعية خيرية للأيتام محَمَّلاً برسالة توصي كاترين فيها عدم فتحها، وتسليمها إلى لالين حين يبلغ من العمر عشرين عامًا.

“سوزان وجورج” هما من تبنيا “لالين” بعد أخذهما له من الجمعية الخيرية، واحتضنانه حيث تبدأ ظهورات جديدة لأصوات سردية تمتح من المعنى المجازي للخطيئة المقدسة وفق حالة من “التبئير” الذي يستحوذ عليه لالين بعد أن يعلم حكاية منبته وجوده ومسألة تبنيه من قبل “جورج وسوزان” في الوقت الذي تخبرنا الرواية أن “لالين” يعيش هو الآخر قصة حب، وأن ما وجده في الرسالة دفعه للبحث عن والده “زارا” دون التخلي عن والديه المتبنيين له.

تنتهي الرواية، ولا تنتهي لتبقى معقودة على أفق مفتوح يخبرنا في الخواتيم بأن لالين غادر المدينة التي عاش فيها إلى كردستان العراق بحثا عن والده.

ربما تكون رواية لالين هي الأكثر اختلافًا بين العديد من الأعمال الروائية التي تصدت لمسألة اللاهوت، وقصص الحب التي تدور رحاها بين محبين من ديانتين مختلفتين تمثلاً بما قاله مولانا جلال الدين الرومي: “دين الحب منفصل عن كل أشكال الديانات، العاشقون أمة واحدة وهذا هو الله” .

أما مسألة اختلاف رواية “لالين” عن كوكبة تلك الأعمال الروائية المهمة فيعود إلى مسألة أساسية، وهي أن أغلب الأعمال الروائية العربية التي اشتغلت على هذا الجانب استثمرت “اللاهوت والحب” اعتمادا على الديانات الكبرى “الإسلام والمسيحية” أو “اليهودية والإسلام” خلافًا لما اشتغلت عليه رواية لالين التي انكبت على تأثيث أحفورة المذاهب الدينية الصغرى أمام الديانات الأصيلة الكبرى، وهي بذلك تكون قد حققت ولفتت إلى مسألة غاية في الأهمية طالت تغيبًا تاريخيًا لتلك المذاهب، والملل داخل السرود الروائية العربية. محققة بذلك حضورًا جميلاً للنهاية المفتوحة في خواتيم نصها الروائي وهذا ما ساهم في انتشال القارئ والحدوثة من قاع الرتابة محققة “أي الروائية” بذلك كسر حالة انتظار القارئ “نهاية الحكاية” وذلك من خلال استدخال الأحداث المريعة التي تمر بها بلدان الشرق الأوسط واستحضار حكاية الربيع العربي والعصف الذي يلتهم سوريا والعراق واليمن مؤكدة على مجريات الثورة السورية، وتحولاتها من خلال اختيارات حاذقة حاولت عبرها تربيط الأحداث مع الحضور الطاغي لشخصية كاترين “كراوية عليمة” حيث جعلت منها الروائية قناصة للحظات الهاربة داخل المتون السردية محققة بذلك تغيبًا حاذقًا لتراخي السرود.

والذي خدم بصورة أو بأخرى المعاني الكبرى لرواية لالين وانحيازها الصريح إلى أمثولة الاعتقاد بانتصار الحب في كل حروبه الضارية.

لم أُعرّفكم بي بعد

سلسلة شخصيات ألمانية -2- “مارتن لوثر” راهب ألمانيا الثائر