in ,

منتخب بلجيكا يثبت نجاح الأكاديميات في صناعة التاريخ

عبد الرزاق حمدون*

القصة بدأت تحديداً بعد سلسلة الانتكاسات التي تعرّضت لها منتخبات بلجيكا في كأس العالم 1998 ويورو 2000، وخروجها من ‏الدور الأول لكلتا البطولتين، ليتم تعيين شخص اسمه “ميشيل سابلون” ليدير فنّياً منتخب بلجيكا.

سابلون هذا جاء بعصاه السحرية ‏التي ستعطي الفائدة على المدى البعيد لبلجيكا في مجال كرة القدم، والعمل على بناء أجيال سيحكى عنها لعصور قادمة.‏ بدأ سابلون خطّته لتطوير منتخب بلجيكا ببناء مدارس رياضية مختصّة بحصص كرة القدم، ليتسنى لهذا الجيل ممارسة هذه الرياضة في مدرسته التي يتلقى ‏بها العلم من ثم في ناديه، أي يقضي معظم وقته اليومي مع الكرة. خطّة رسّخت مبادئ كروية عديدة لأطفال لديهم شغف كبير بالجلد ‏المدوّر.‏

بعد إتمام المرحلة الأولى من خطّة سابلون، جاء عام 2006 ليكون البداية الجدّية للنهضة البلجيكية، لتتحول كرة القدم هناك من ‏شيء يقدّم في الملاعب التدريبية إلى مجال يدخل فيه العلم والرياضيات والإحصاءات الرياضية، لكي يوصي أن تتبع جميع الفرق ‏السنية في بلجيكا خطة 4-3-3، فما كان من سابلون إلى أن طلب من جامعة لوفان تصوير 1500 مباراة في مختلف الفئات ‏السنية وتحليل هذه المباريات، وبالمقابل فقد أوكل سابلون إلى شركة ‏Double PASS‏ التابعة لجامعة بروكسل بدراسة وضع الفرق ‏السنية في كل الفرق البلجيكية وتقديم توصياتها.‏

 

نتائج هاتين الدراستين أوضحت أن اللاعب الشاب لا يلمس الكرة سوى مرتين كل نصف ساعة وبالتالي فإن معظم اللاعبين لا ‏يملكون المهارات اللازمة للجري مع الكرة. أما السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة كان انتشار التكتيكات الدفاعية وثقافة الفوز بأي ‏وسيلة في بلجيكا. فما كان من سابلون إلا أن ألغى نظام النقاط في جميع مباريات الفئات السنية في بلجيكا وبالتالي تحول الهدف ‏الرئيسي في هذه المباريات من الفوز إلى تطوير اللاعبين‎.‎

سابلون قام أيضاً بتخفيض اللاعبين في الفرق السنية إلى ثمانية أو خمسة لاعبين في الفريق بهدف زيادة الوقت الذي يقضيه اللاعب ‏مع الكرة. هذه الخطوات وبالإضافة إلى مدارس التفوق الرياضي الثمانية التي كان قد افتتحها الاتحاد في جميع أنحاء بلجيكا بين ‏عامي 1998 و2002 شكلت نقلة نوعية في مستوى الثقافة الكروية التي يتلقاها اللاعبون.‏

في كأس العالم 2014 شارك منتخب بلجيكا بأسماء مشابهة للأسماء التي تابعناها في روسيا 2018، وكان المرشح ليكون الحصان ‏الأسود في مونديال البرازيل، لأنه ضمّ جيلاً قد تعلّم كرة القدم بالشكل المناسب حتى الإشباع أمثال هازارد دي بروين ميرتينز ‏ولوكاكو والبقية، وبالرغم من عدم تخطّي المنتخب البلجيكي للدور ربع النهائي حينها، إلا أنّ جميع المتابعين قد توقّعوا أن هذا المنتخب سيأتي ‏بالشيء الأفضل وسيكتب اسم بلجيكا بأحرف ذهبية.‏

ليأتي مونديال روسيا 2018 ويبرهن أفضل جيل بلجيكي أنه كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق اللقب الأغلى، لكن ‏الخسارة أمام فرنسا في نصف النهائي جعلتهم ينتفضوا على انكلترا في مباراة المركز الثالث، ويحقق جيل هازارد ورفاقه أفضل ‏نتيجة بتاريخ البلد ويرسخ فكرة أن عمل الأكاديميات كتجربة ألمانيا 2014 تأتي بالفائدة في مثل هذه المحافل.‏

*عبد الرزاق حمدون – صحفي رياضي مقيم في ألمانيا

اقرأ/ي أيضاً:

إنكلترا سلاح الجو ضُرب بمضادات كرواتية أرضية

في مونديال روسيا.. جودة الحرّاس تفوّقت على كمّية المهاجمين

مونديال العوامل غير المألوفة

دعوة للانضمام إلى برنامج Open Doors Open Minds للتوجيه المهني والتدريب السياسي

مدونة الشباب المهاجرين : منصة أدبية للشباب من خلفيات مهاجرة