in

ملف العدد 48: الطفرة/الحفرة الاقتصادية الألمانية

د. هاني حرب*

في العام ٢٠٠٩ بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية. الآلاف في الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان وغيرها من الدول الصناعية الكبرى خسروا منازلهم، أعمالهم، حياتهم كما كانوا يعرفونها تماماً بما أصبح يعرف لاحقاً، بالفقاعة العقارية.

هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي هزت العالم كله تقريباً، وضعت معايير جديدة للاقتصاد العالمي. بضعة دول فقط استطاعت التنصل من هذه الأزمة وكانت ألمانيا من بين تلك الدول. لم يكن هذا فحسب، بل استطاعت ألمانيا وخلال العديد من السنوات أن تنهي ميزانياتها السنوية بأرقام إيجابية ودفعات اقتصادية جبارة. هذا الأمر دفع الكثير من المحللين الاقتصاديين بالتنبؤ بثورة اقتصادية ثالثة في ألمانيا بعد ثورة القرن التاسع عشر وثورة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. 

في بداية العام ٢٠١٥ ومع موجة الهجرة الكبيرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا بشكل عام وإلى ألمانيا بشكل خاص، استطاع الاقتصاد الألماني وبشكل منقطع النظير استيعاب أكثر من مليون مهاجر جديد وأكثر من ٣٠٠ ألف عامل جديد في مختلف القطاعات الاقتصادية، الخدمية منها والصناعية.

استطاعت الحكومة الألمانية وخلال فترة بسيطة من الزمن، توجيه طاقات العديد من هؤلاء المهاجرين الشباب منهم والرجال إلى القطاعات المختلفة التي تحتاجها الدولة. بالطبع علينا الإشارة هنا، إلى أن الكثير من الأمور التي قامت بها الحكومة الألمانية، كانت لدعم الاقتصاد الألماني، دون مراعاة رغبات الكثير من هؤلاء المهاجرين ولكن دعونا نناقش هذا الأمر في مرة ثانية.

تأثير الحرب الاقتصادية الأمريكية

في بداية عام ٢٠١٧ ومع استلام دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ الرئيس الأمريكي الجديد بتنظيم هجوم ممنهج على الاقتصاد الألماني بشكل خاص والاقتصادات العالمية المختلفة ومنها الصينية بشكل عام. في بداية الأمر، ظن الكثيرون أن الاقتصاد الألماني لن يتأثر بذلك الهجوم السياسي، ولكن وخلال أقل من عامين، بدأت علامات خطيرة للانكماش الاقتصادي في ألمانيا بالظهور.

ففي الربع الأول والثاني من العام ٢٠١٩ انكمش الاقتصاد الألماني بنسبة ٠.١٪. قد تبدو النسبة ضئيلة جداً بالنسبة للكثيرين ولكن تبعات هذا الهجوم لم ينحسر فقط بانكماش اقتصادي محدود، أو تأثير مباشر على قطاع السيارات، بل امتد إلى العديد من الشركات الضخمة كشركة “ثيسن-كروب” التي لم تجد أي حل لمشاكلها الاقتصادية إلا بتقسيم الشركة إلى شركتين لتستطيع الاستمرار.

رغم ذلك، لا يتوقع وزير الشؤون الاقتصادية حدوث أزمة اقتصادية لأن الطلب المحلي لا يزال مرتفعاً. يقول بيتر ألتماير وزير الشؤون الاقتصادية “العمالة والدخل في ارتفاع وما زال قطاع البناء يزدهر”. علاوة على ذلك، أدت الإصلاحات الأخيرة إلى تخفيض الضرائب والمساهمات في الضمان الاجتماعي للموظفين، وبالتالي فإن المزيد من الناس لديهم المزيد من الأموال المتاحة. لذلك ليست هناك حاجة لحزم التحفيز الاقتصادي حتى الآن. ومع ذلك، أرادت الحكومة خلق المزيد من الحوافز للاستثمار من خلال الإصلاح الضريبي والمزيد من الإعفاءات، خاصةً للشركات.

لم تشفع هذه الإصلاحات الاقتصادية المختلفة وقامت مؤسسة النقد الدولية بتخفيض توقعات النمو في ألمانيا لعام ٢٠٢٠ من ٣٪ إلى ١٪ في أفضل الأحوال.

توقع العديد من الخبراء الماليين للأسف ورغم ما تم ذكره سابقاً، حالة من الركود الاقتصادي تبدأ في نهاية ٢٠١٩ وتمتد إلى نهاية ٢٠٢٠ في حال لم تقم الحكومة الألمانية باتخاذ الإجراءات المناسبة، بأخذ العديد من القروض الجديدة وضخها بشكل كبير ضمن الاستثمارات السنوية ضمن القطاعات المختلفة هناك.

حالياً تظهر المؤشرات الاقتصادية جميعها تحسناً ملحوظاً بالأداء الاقتصادي، بينما تظهر مؤشرات التوقعات الاقتصادية أموراً سلبية. هذا الاختلاف الحاد في مؤشرات الأداء الحالي والتوقع أمر نادر الحدوث. قبل الأزمة المالية فقط، كان المكونان يختلفان على نطاق واسع.

تقول دانييلا أوردونيز، الخبيرة الاقتصادية لمنطقة اليورو في جامعة أكسفورد للاقتصاد في لندن: “مؤشر مؤسسة النقد الدولية يعطي سبباً للراحة من النظرة الأولى”. يستفيد المؤشر فقط من الحركة الفنية المضادة. ومع ذلك، يشير التراجع في التوقعات إلى أن المخاوف من الركود حقيقية للغاية. تقول دانييلا أوردونيز إن التوقعات تبطل أي أمل في الانتعاش تقريباً في الربع الرابع من عام ٢٠١٩ وكامل عام ٢٠٢٠”.

البريكزيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وتأثيره على الاقتصاد الألماني

إن تأثير خروج بريطانيا والمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سيكون بشكل عام بعيد الأمد. قد لا تتأثر ألمانيا لحظياً بالخروج لوجود حزمة من الإجراءات المختلفة التي قامت الحكومة بدراستها وتجهيزها انتظاراً لخروج بريطانيا من الاتحاد. 

التأثير سيكون بعيد المدى بشكلين منفصلين. الأول من ناحية انتقال العديد من الشركات إلى ألمانيا وهذا سيدفع الاقتصاد الألماني للنمو من جديد. من ناحية ثانية، سيكون الضغط على قطاع العقارات هائلاً لوجود هجمة ضخمة للعمالة الخارجية وربما الداخلية للانتقال للعمل في هذه الشركات المنتقلة.

المشكلة تكمن في أن قطاع العقارات الألماني حالياً بدأ بالتضخم ليدخل مرحلة الفقاعة كما في عام ٢٠٠٩ في الولايات المتحدة الأمريكية. السبب الأساسي لهذا هو توقع هذا القطاع البريكزيت وانتقال الشركات.

إن النمو الهائل في أسعار العقارات، على سبيل المثال في برلين زادت أسعار العقارات أكثر من ٢٠٪ خلال أقل من عامين، سيؤدي في مرحلة ما إلى انفجار هائل وفجوة اقتصادية هائلة. إن انفجار فقاعة العقارات في ألمانيا، إن لم تقم الحكومة بتفاديها أو بتداركها مباشرة حال وقوعها، سيؤدي في النهاية إلى أثر الدومينو لتنهار قطاعات اقتصادية أخرى.

*د. هاني حرب. باحث ومحاضر في جامعة هارفرد – الولايات المتحدة الأمريكية، رئيس هيئة الباحثين الشباب في مشفى الأطفال في بوسطن، مؤسس الجمعية الألمانية – السورية للبحث العلمي وأمين سرها

اقرأ/ي أيضاً:

الاقتصاد الألماني ما بين هجمات ترامب وبريكزيت بريطانيا.. حين يقف اليمين واليسار على ضفةٍ واحدة

وزير الاقتصاد الألماني يشيد بدور المهاجرين الملتزمين في ازدهار الاقتصاد

سيدات سوريات ينجحن في إقامة وإدارة مشاريعهنّ في ألمانيا.. “بيت ستي”

حقوق المشتري عبر الإنترنت وفق القانون الألماني: حق ارجاع البضاعة بدون أسباب