in , ,

عفرين درس سوري في استعادة الهوية الوطنية

سردار ملا درويش*

يتكرر مشهد اتهام الكرد السوريين بـ”الانفصال” بنفس الروية والتفكير الجمعي، منذ سياسة حزب البعث سابقاً، وإلى المشهد المرتبط بالثورة السورية لاحقاً، وهو الأمر الذي لم يتّخذ حتى الآن كتطبيق ملموس لدى أي حزب أو تيار سياسي كردي في سوريا، وعلى الأخص حزب الاتحاد الديمقراطي بتصدره المشهد الكردي الحالي.

فالأخير يؤمن بمفهوم “الأمة الديمقراطية”، ونهج أخوة الشعوب المنبثق من فكر الزعيم الكردي عبد الله أوجلان. فيما تحمل الأحزاب السياسية الكردية التقليدية، الفكر القومي الأقرب إلى البحث في القضايا والحقوق القومية المشروعة للكرد وقضيتهم، وصولًا إلى حكم ذاتي داخل سوريا، كل هذا بعيدًا عن المطالبة بالانفصال.

في تاريخ الحركة السياسية الكردية، خلال العقود الماضية في سوريا، لم تبرز حالة النضال والإصرار على الانفصال عن سوريا، فحتى أدبيات الأحزاب السياسية الكردية كانت تركز على النضال لتحقيق هدف الحقوق القومية الكردية، بمراعاة الظروف المحيطة جغرافياً، والأخوة العربية الكردية، والشراكة مع السوريين في تقرير مصير البلاد، لذا كان العمل على التغيير السلمي الديمقراطية، والبحث في شكل اللامركزية الإدارية والسياسية، هما مطلبان واضحان في نهج الحركة في مناهضة النظام السوري، أو الأنظمة السورية بالمعنى الأدق.

وفي مرحلة الثورة السورية كان المطلبان الرئيسان هما اللامركزية السياسية أو الفدرالية، وهما كمطلبين ليسا معنيّين بطلب الانفصال، وبرغم هذا تم وصفهما بالانفصاليّين الساعيّين إلى اقتطاع جزء من سوريا، وهما تهمتان اتفق النظام والمعارضة سوية في توجيههما للكرد السوريين.

منذ العشرين من كانون الثاني ٢٠١٨ شنت تركيا هجوماً باستخدام الطائرات والآليات العسكرية، وبمساندة فصائل من المعارضة السورية المسلحة، (معظمها ذات توجه راديكالي إسلامي)، على عفرين، أسفر عن احتلال المدينة ونواحيها، وتدمير البنى التحتية في عدة مناطق. وأودى الهجوم بحياة نحو ٥١٢ مدني، كما جرح نحو ٧٦٠، فيما نزح غالبية سكان المدينة قسرًا نتيجة القصف، وإجبار تركيا والفصائل السورية الأهالي على التوجه إلى خيارات محددة، مثل مناطق “نُبّل والزهراء” وحلب ومناطق الشهباء بريف حلب، وصولًا إلى كوباني ومنبج والجزيرة.

شرعنت تركيا هجومها على عفرين، بحجة أنها ستحارب “أكراداً انفصاليين” تارةً، وتارة لمحاربة “حزب العمال الكردستاني”، وآخر لتأمين حدودها بحسب اتفاقية أضنة والمادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة.

وحشدت تركيا بعض الفصائل التي تدّعي أن لديها ثأراً لدى الكرد، حيث استطاعت تجييش الفصائل القادمة بجذورها من جغرافيا داخل المناطق الكردية، وكان النظام سابقاً قد ساهم في شيطنة الكرد بعيونهم، فتم توجيههم ودعمهم لمحاربة الكرد في عفرين دون التفكير للحظة أنهم أبناء بلد واحد، ودعمت هذه الهجمة قوى سورية فاعلة من منظمات مجتمع مدني منقسمة بين مؤيدة للعملية، وصامتة عنها بحكم أن عملها ينطلق من تركيا (فهي ليست مضطرة لأن تعادي الأتراك!)، إضافةً إلى حشد إعلامي صدّق بأغلبه أن تركيا بدأت بدعم الجيش السوري الحر، لاستعادة البعض من قيم الثورة!

وكانت هذه أشبه بنكتة لا يريد السوريون نفيها. حيث اعتقدوا أن تركيا ستعيد لهم مناطق في حلب وريفها، وسيواجهون النظام! رغم وضوح الأهداف التركية، فقد تتجه بعد عفرين إلى منبج، ثم الموصل في العراق، وقد زاد قادةٌ أتراك على ذلك، بأنهم سيتوجهون إلى القدس أيضاً. فلم ير هؤلاء أن ما يحدث لا يهدف للدفاع عن السوريين أو دعمهم لإسقاط النظام، ولم يروا أن تركيا اليوم تتقدم في عفرين السورية، على حساب استعادة النظام للغوطة وإدلب.

انتظر السوريون من قادة المعارضة الانتقال بهم إلى حقبة جديدة، تخلصهم من الاضطهاد الذي عاشوه على مدى عقود، لكن أبت المعارضة ذلك، فتحولت إلى مجرد واجهة لمشاريع إقليمية في القطاعين العسكري والسياسي، فهي دعمت تركيا في احتلال عفرين والاعتداء على ناسها السوريين، بل قبلت مشهد رفع العلم التركي في أنحاء مدينة سورية، وباركت عملية غصن الزيتون، وانتشرت فوق ذلك مشاهد السرقة والانتهاك بحق المدنيين، التي قامت بها فصائل المعارضة المسلحة، كل هذا يضعنا أمام تساؤلين:

أين أصبحت القضية الوطنية التي تحدث عنها السوريون (من الثوار)، والتي اتهموا الكرد بمحاربتها، بينما جاؤوا هم كبيادق لتنفيذ المخطط التركي؟ وكيف يمكن أن يقتنع مناهضو النظام السوري اليوم، بأن هؤلاء اللصوص والمنتهكون سيكونون واجهة سوريا جديدة بعيدة عن الظلم والاستبداد؟

أسئلة أخرى كثيرة سيتركها اعتداء عفرين في أذهان السوريين، بعدما غضّت المعارضة السورية الطرف عن عودة النظام وإعادة تدويره، وبات عدوها الأول بطلب ودعم ومساندة تركيا هم الكرد. وهنا هل بات منطقياً اتهام الكرد بالانفصاليين، وقد جلبت المعارضة الدولة التركية، ومنحتها شرعية رفع علمها في مدينةٍ سورية، إذاً أين الخيانة؟ ومن بات بيدقًا لمشاريع دولة إقليمية؟ ومن شرد قسراً أهالي مدينة عفرين؟ هل هم الكرد؟! أم هي المعارضة السورية التي باتت تصرفاتها نسخة عن تصرفات النظام؟ فهي ورقة لتنفيذ مخططات تركيا، كما النظام ورقة بيد روسيا.

ويُخشى أن ما يجري في عفرين اليوم سيتحول لصراع عربي- كردي، يكون المستفيد منه تركيا والخاسر السوريين!

سردار ملا درويش. صحفي سوري كردي

اقرأ أيضاً:

العدوان التركي يقوض سلام وزيتون عفرين السورية

بين ثورتين : واحدة مهزومة وأخرى مستحيلة

في ذكرى انطلاق الثورة ومعناها

وزير التنمية الألماني: الأديان تتعايش بسلام وعلى المسلمين النأي بأنفسهم بعيداً عن التطرف

ليفربول يرتدي ثوب “ثقة الأبطال” في ليلة القبض على “الكرة ‏الجميلة”