in

سلسة ألمانيا تتلون بالأخضر: في البدء كانت الغابة

بقلم. ليليان بيتان
ترجمة: د. هاني حرب

حفظ الطاقة، تكرير النفايات، وعدم شراء البيض القادم من دجاج داخل الأقفاص! هذه الأمور قد تبدو غريبة جدًا لكثيرين ممن أتوا حديثا إلى ألمانيا ليعيشوا بها. كيف وصلت ألمانيا إلى هذا الحد من الهوس بحماية البيئة والطبيعة؟ في هذه السلسلة من المقالات سنقوم بشرح الأمر وتبسيطه

(الجزء الأول: عن الغابات في ألمانيا) يسير القطار السريع شاقًا طريقه بين الحقول والغابات والقرى الصغيرة في ألمانيا. الصمت المطبق على المكان بسبب الزجاج العازل، حيث نسير قرب هذه القرى بسرعة كبيرة جدا. هذه القرى الألمانية الصغيرة تعبر عن الروح الألمانية كما الغابات تمامًا.

الغابة السوداء، هونسروك أو حتى الغابات البافارية: أكثر من ثلث مساحة ألمانيا تغطيها الغابات بحسب إحصائيات مركز الغابات الوطني في العام 2012. إن الحفاظ على هذه الثروة الشجرية أمر مهم جدًا، حتى إنه تم إصدار قانون خاص بها يدعى قانون الغابات.
من ينظر إلى العدد الهائل من أشجار البلوط، الجوز، الصنوبر وغيرها من أنواع الأشجار المختلفة، قد لا يستوعب بسهولة أن الغابات في ألمانيا كانت مهددة بالانقراض في فترة من الفترات.

عالم التاريخ يواخيم رادكاو، الذي يعتبر أحد أهم مدوني تاريخ البيئة في أوروبا، سجل تاريخ بدء “الوعي البيئي” في ألمانيا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. خلال النهضة الرومنسية للأدب الألماني تم الاستعانة بالطبيعة، الغابات، الجبال والبحيرات لتكون الملهم الأساسي للفنانين والشعراء. من هنا تقع الفترة التي بدأ الاهتمام فيها بالغابات في وقت قريب.
من أهم المواضيع التي كانت موضع نقاش دائم في ألمانيا: الاحتطاب الدائم وغير المنقطع للغابات، لحاجة ألمانيا الدائمة لكميات كبيرة جدا من الخشب. إضافة لها كانت النقاشات تدور حول تدهور حجم المواطن الطبيعية للعديد من الحيوانات الصغيرة.

أقدم مؤسسة مدنية لحماية البيئة في ألمانيا هي مؤسسة “حفظ البيئة” التي تم تأسيسها على يد “ليزا هينلة” في العام 1899 كرابطة للحفاظ على الطيور البرية. ليزا وزملاؤها في المؤسسة هدفوا في ذلك الوقت إلى الحفاظ على مواطن الطيور البرية في ألمانيا من الزوال ورعايتها.
حاليا تقوم منظمة الحفاظ على البيئة بالعديد من النشاطات للحفاظ على البيئة ومنها تأسيس “المجتمع الشاب للحفاظ على البيئة”. يقوم عضو إدارة المجتمع الشاب للحفاظ على البيئة، كريستوف روتغرز، بدعوة الشباب والشابات للحفاظ على البيئة ورعايتها. هذا الأمر يعتبر أمرًا صعبا للغاية فعدد قليل جدا من الشباب الحالي يقترب من الطبيعة ويتفاعل معها.

يقول كريستوف روتغر: “المشكلة أنه لولا هذه الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تدفع الشباب للتفاعل مع الطبيعة والبيئة، ستتراجع المعرفة البيئية في ألمانيا بشكل كبير جدًا، وسيكون عدد العارفين بأنواع الزهور والنباتات ضئيلاً جدًا”.
يكمل روتغر: “إن النظر إلى الغابة عبر شباك القطار هو أمر مألوف جدا، ولكن الدخول إليها والمشي داخلها، أمر غير عادي على الإطلاق في هذه الأيام. ولهذا تقوم جمعيتنا بتنظيم العديد من المشاريع وورشات العمل التي تقوم بالتحدث عن حماية البيئة، حيث يستطيع الشخص الانضمام لمجموعة معينة أو مشروع معين بما يتناسب مع وقته وانشغاله”.

إن الجمعيات الأهلية كجمعية الحفاظ على البيئة قد كبرت وأصبحت جمعيات ومؤسسات أهلية ضخمة لها وزنها في المجتمع الألماني، وذلك لنمو الوعي البيئي في ألمانيا منذ أواسط القرن العشرين. حسب عالم التاريخ رادكا، وبدأت الحركة البيئية بتنظيم نفسها في ألمانيا حوالي العام 1970 وذلك عند ظهور حركات مشابهة في نفس الوقت في الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا بدأ: “زمن البيئة” كما يسميه رادكاو.
خلال هذا الوقت كانت مكافحة تلوث الهواء والماء من أساسيات الحركة البيئية في ألمانيا. ومن أهم أمثلتها: مكافحة الاحتطاب في الغابات الألمانية، والذي تم مناقشته بشكل كبير جدًا بدءًا من العام 1980.

تعتبر “الأمطار الحامضية” والتي تأتي تحت تأثير تلوث الهواء بثاني أوكسيد الكبريت وأول أوكسيد الكربون من أهم أسباب تدمير الغابات في ألمانيا ببطء. حتى عندما يقوم العلماء بوضع العديد من الأسباب الأخرى التي سببت دمار الغابات في ألمانيا، فإن الأمطار الحامضية لها الفضل الأكبر حيث كان “الرعب” من هذه الأمطار سببًا للدعم الهائل الذي حصلت عليه الحركة البيئية في ألمانيا. وعلى هذا انتشر الوعي البيئي بشكل ضخم في المجتمع الألماني ليشمل العديد من نواحي الحياة: حيث وصل إلى الطاقة التي تقوم بتدفئة المنازل، الطعام الذي نتناوله يوميا، وحتى رمي النفايات المنزلية. ولهذا يقوم الألمان بالعديد من الأفعال اليومية التي يعتبرونها “أفضل من أجل البيئة”.

يرى كريستوف روتغرز من المجتمع الشاب للحفاظ على البيئة، عددا من التغييرات والاختلافات بين الأجيال في ألمانيا: “أرى أن الشباب الألمان يقومون بدمج حماية البيئة في حياتهم اليومية من خلال أكل كميات أقل من اللحم أو الحصول على الطاقة من مزودات الطاقة النظيفة (الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح) أو الاستخدام المواد مكررة الصنع بدلا عن شراء مواد جديدة. أما الجيل الأكبر فهم يحافظون على البيئة بطريقتهم الخاصة عبر العناية بحقول الفواكه العامة (وهي حقول عاة يقوم الناس بالعناية بها بشكل طوعي، ويتم توزيع محصولها مجانًا) والمساعدة بمكافحة الحشرات وضفادع الطين في الشوارع والأماكن العامة.

ولكن وعلى الرغم من هذا كله فإن تصرف الألمان ليس مساعدًا للبيئة بشكل متكامل، حيث يقوم الألمان بالسفر إلى إجازاتهم عبر الطائرة، وهي تعتبر من أكثر الأشياء تلويثًا للبيئة بما تنتجه من غازات سامة، بدلا من استخدام القطار، وهو البديل الأكثر أمانا وصداقة للبيئة، ويمكنهم عبره مشاهدة الغابات أيضا.

من يرغب بالانضمام للمجتمع الشاب للحفاظ على البيئة يمكنهم الحصول على المعلومات عبر: www.naju.de

اقرأ/ي أيضاً:

الستار الحديدي: من قطاع للموت إلى حزام أخضر

إجابات غير متوقعة عند سؤال الشباب الألمان أين يفضلون السكن

ألمانيا بصيف متوسطي. معلومات مثيرة عن موجة الحر الحالية

لاجئون أم سكان جدد؟

فضاء مفتوح لجريمة بلا عقاب