in

حشيش وكحول وألعاب الكترونية.. عواصف تذهب بأحلام الشباب السوري في ألمانيا

الشباب السوري في ألمانيا

يارا الحمد: صحفية سورية مقيمة في نيورنبيرغ
“لم يكن أمامي متسع من الوقت لتعلّم اللغة بالشكل الذي يخوّلني لأكمل دراستي كما الحال مع رفاقي الألمان.” يقول مُرهف لأبواب مسوّغاً خروجه من المدرسة”.

هي عبارة من عشرات العبارات التي يحاول الشباب السوري في ألمانيا تبرير تقاعسهم عن العمل أو الدراسة من خلالها. فما هي الأسباب التي تؤدي إلى انزياح الشباب السوري عن أهدافهم ولماذا تضلّ هذه الفئة من الشباب طريقها؟ ومن المسؤول عن ذلك من وجهة نظرهم؟

لا للعمل .. نعم للألعاب!

حضر أنس (27 عاماً)، لاجئ سوري في ألمانيا، دورة تدريب مهني لحلاقة الشعر بعدَ أن انهى مستوى اللغة B1، غير أنّه اليوم لا يحاول حتّى البحث عن عمل في مجاله رغم تعاون الدولة الألمانية ومؤسّساتها المسؤولة عن التشغيل (مركز العمل) مع أنس لتأمين فرصة عمل لهُ.

وعن سبب ذلك يقول لأبواب :”لم أكن راضياً منذ البداية عن موضوع الحلاقة هذا، فكنت في سوريا أدير مكتباً عقارياً إلى جانب والدي. وعملياً الاستثمار في العقارات والبيع والشراء هو مجال عملي الذي أحبّه ولا أرغب في أن أكون حلّاقاً هنا في ألمانيا. أمّا عن مجال عملي فيرتهن هنا في ألمانيا بشهادات ومستوى تعليمي لا يوجد ما يؤهّلني له”. يضيف أنس: “كنت أحلم عند مجيئي إلى ألمانيا بأن أبدأ في الاستثمارات العقارية الضخمة، وأن ابني عائلةً كبيرة كما هو الحال مع عائلتي .. لكنّ احلامي كلّها تبخِّرت فور وصولي ومعرفتي كيف تسير الأمور هنا”.

اقرأ/ي أيضاً: غورليتزا بارك البرلينيّ.. على خارطة المخدرات واللجوء 

يقضي أنس معظم أوقاتهِ في غرفة صغيرة في مدينة ريغينسبورغ الألمانية، يتبادل وأصدقائه الأخبار والنكات على غرف المحادثة أثناء خوضهم لـ”تيمات/ جولات” قتالية في لعبة pupg على الانترنت، إضافة لبعض الأعمال المنزلية كالتنظيف والطهي. يعمل أسبوعياً لمدّة ثلاثة أيّام في عمل أسود في أحد البارات في ريغينسبورغ وهذا ما يكفيه لدفع إيجار المنزل والفواتير الخدمية، بينما يتلقّى مساعدة مالية من والده في السعودية للمأكل والمشرب.

حاججنا أنس بتقصيره وتضيعه للوقت بالألعاب والمحادثات وكلّ ما ليس له طائلة وعدم تعلّمه للغة بشكل كافي فكانت الإجابة: “حاولت لمرّات عديدة تعلّم اللغة ولكنّ الأمر كان في غاية الصعوبة فأنا لم أدرس شيئاً منذ كنت في صفّ التاسع، أمّا عن الوظائف التي كانت تأتيني من خلال الجوب سينتر فكانت غالباً غير مناسبة إمّا لأوقات الدوام أو الراتب أو طبيعة العمل أو المسؤولين عنه. وأنا ألعب هذه اللعبة برفقة أصدقائي كي لا أشعر بثقل الوقت والوحدة التي أعيشها هنا في ريغينسبورغ”. 

“الحياة المختلفة”.. بين الحرّية والتقاعس

لا يعوز نَغَم (24 عاماً)، لاجئة سورية في ألمانيا، اللغة الألمانية أو المناخ الجيّد لبدء الدراسة كما الحال مع أنس؛ فنغم استطاعت اجتياز امتحان مستوى اللغة C1 منذ عام 2017 وحصلت على قبولٍ جامعيّ من جامعة “Technische Universität Berlin” في مجال هندسة المعلوماتية بعد شهور من تحصيلها للغة، وانتقلت نغم للعيش في برلين مطلع عام 2018 لتبدأ دراستها الجامعية.

تحوّلت هذه الخطّة مع الأشهر الأولى في برلين إلى شيء من الماضي، فَتَعَرُّفُ نغم إلى شلّة من الأصدقاء الجُدد هنا في برلين كانت هي نقطة التحوّل التي دفعت بنغم إلى توقيف تسجيلها الجامعي والبدء في حياة “مختلفة” كما تسمّيها، فتقول لأبواب: “لقد اكتشفتُ نفسي من جديد هنا في برلين ولم تكن هندسة المعلوماتية من أولوياتي كما بدت لي عندما كنت لا أزال ذلك الشخص المسيطر عليه مجتمعياً وفكرياً؛ لقد اكتشفت أنّي بحاجة لأكون إنساناً مستقلّاً يخطّط لأهدافه على مهلٍ ويستشير شركاء حياته بها، وهذا ما أفعله اليوم عندما أؤجّل دخولي إلى الجامعة إلى ما بعد اكتشافي للحياة بشكل يجعلني أقرّر المجال الذي أودّ خوض غماره حقّاً”.

اقرأ/ي أيضاً: اللاجئون العرب في ألمانيا.. كيف تنزلق الأقدام إلى وادي المخدرات العميق؟

على الرغم من الإيجابية التي تتحدّث بها نغم إلا أنّها تعاني من مشكلات عديدة في حياتها “المختلفة” لا تنكر وجودها، فتعاني الشابّة العشرينية من مشاكل مادّية بسبب توقّف المنحة الدراسية bafög التي كانت تعتمد عليها عندما جاءت إلى برلين إضافة إلى مشكلة إدمانها على بعض المواد المخدّرة، واستجابة لهذه المشكلات تعمل نغم على تنظيم حفلات منزلية أسبوعياً مع مجموعة من أصدقائها، تقول: “تساعدني تلك الحفلات في تغطية مصاريفي بشكل جزئي، وإضافة إلى كونها عمل فهي الشيء الذي أحبّ أن أقوم بهِ: الرقص على موسيقى التيكنو، التعرّف إلى أشخاص جدد، الوصول إلى مستويات جديدة من الشعور. هذه هي الحياة التي أحبّ”.

وعن الإدمان تقول نغم: “لم أكتشف أنّي مدمنة إلّا منذ فترة قصيرة عندما لم يتوفّر معنا مالاً لشراء الحشيش، شعرت حينها بصداعٍ استمرّ لساعات، وإعياء، وتقلّب حاد بالمزاج، ومن يومها قرّرت السيطرة على تعاطيي من خلال تقليل الكمّية اليومية شيئاً فشيئاً، ولكنّ الحفلات تغريني أحياناً فلا أعود ملتزمةً بالكمّية المحدّدة”.

اقرأ/ي أيضاً: عرض علاج للاجئين الذين يعانون من ضغوط و صدمات نفسية وإدمان المخدرات

الإحباط .. جزء من المعادلة

لعلّ اختلاف الحياة أيضاً عاملٌ من العوامل التي حَدَتْ بمرهَف (21 عاماً)، لاجئ سوري في ألمانيا، إلى ترك المدرسة والاكتفاء بعمل جزئي يعيلهُ في مصروفهِ اليومي في منزلهِ الصغير في مدينة نورنبيرغ. في المدينة والمدرسة الجديدة واجه مرهف صعوبات كثيرة في التعامل مع المواد الأدبية والعلمية خاصّة أنّه لم يطوّر لغته في بلدتهِ. وبعدَ فشله في اجتياز بعض الاختبارات الشفوية والكتابية الدورية في المدرسة، وتعرّفهِ إلى أشخاص بعمره وأصغر وقد بدأوا حياتهم العملية، شعر مرهف بالإحباط.

يقول مرهف لأبواب: ” لقد كانت سنةً صعبة جدّاً حيث لم أتمكَّن من مواكبة طلّاب صفّي على مستوى الدراسة والفهم، ناهيك عن عدم انسجامي معهم لفارق العمر (4 سنوات) ومسائل أخرى لا تقلّ صعوبة كلّ ذلك دفعني للخروج من المدرسة والبحث عن عملٍ”. لم تكن هي خطّة السوري مرهف منذ سنوات عندما قَدِمَ إلى ألمانيا فكان يحلمُ: “متابعة تعليمي المدرسي والدخول إلى الجامعة ودراسة الأحياء تيّمناً بمدرِّسٍ لي في سوريا كان يرى لي مستقبلاً في هذه المادّة”. 

يعمل مرهف اليوم بمطعم وجبات سريعة في مدينة نيورنبرغ إلى جانب متابعتهِ لشغفه في العزف على آلة العود، يخرج وأصدقائهِ من العازفين إلى البارات في العُطل يعزفون ويشربون الكحول، يقصد بعدها الأصدقاء من السوريين في مدينتهِ بحثاً عن أُلفة ما، وتدور عجلة أيّامهِ كغيره من الأشخاص الذين باتوا بعيدين كلّ البعد عن تحقيق أحلامهم التي جاؤوا من أجلها إلى المانيا. 

اللاجئين أفغانستان ألمانيا

غالبية الألمان يخشون تدفقاً كبيراً للاجئين في أعقاب التطورات الأخيرة في أفغانستان

أفغانستان اللاجئين ألمانيا

ألمانيا: وزارة الداخلية تنأى بنفسها عن تصريحات وزيرها حول أفغانستان واللاجئين