in

الجاليات العربية والإسلامية، وقضايانا السياسية

طارق فكري*

تمثل الجاليات العربية في الدول الغربية الوجهَ المُشرق للمنطقة العربية، والحبل الموصول حضاريًا وفكريًا لعالمنا العربي بل والإسلامي مع المجتمعات الغربية. فكيف لهذه الجاليات العريقة في تواجدها الغربي، والأصيلة في امتدادها التاريخي والحضاري، أن تفتقر لوعي سياسي يدفعها للمشاركة الحقيقية في قضايانا العادلة بتكوين عمل سياسي مؤسسي يصنع لهذه الجاليات ثقلًا سياسيًا حقيقيًا في امتدادها العربي وتواجدها الغربي؟.

كما يجب أن يكون العمل السياسي المؤسسي بعيدًا عن تأثير الحكومات العربية، وهيمنة رجال الأعمال الموالين للأنظمة السياسية في بلادنا العربية، لِتكون هذه المؤسسات معنية بدعم قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية، ولتأخذ دورًا فاعلاً ومؤثرًا في الرأي العام الغربي، الذي بدوره يؤثر في القرارات السياسية المتعلقة بقضايانا العربية والإسلامية.

نعلم أن الجاليات العربية والإسلامية تفتقد للخبرات السياسية لما لأفرادها من توجه هاجروا لأجله، سواء كان العمل، أو الدراسة، أو هربًا من الحرب، ولكن مع توالد أجيال شابة في بلد المهجر، يجب تنمية الوعي السياسي، وتدريب كوادر شابة لخوض العمل السياسي الهادف، كما أن الاستعانة بجاليات الدول الإسلامية أو دول المهاجرين غير العربية والتوحد معهم داخل كيانات سياسية يمثل قوة سياسية، وكتلة شعبية تؤثر في القرار الغربي، والسياسة الغربية.

القضية الفلسطينية في المجتمع الدولي تُمثل حقوق اليتامى على موائد اللئام، وذلك ناتج من تأثير اللوبي الصهيوني المتعمق داخل صناع القرار الغربي، وافتقاد الأدوات الإعلامية الخادمة للقضية، كما أن تحرك الجاليات الفلسطينية بمفردها غير كافٍ، ولكن تتحق الفائدة مع تحرك الجاليات العربية والإسلامية في عمل سياسي قانوني منظم.

مؤتمر فلسطينيي أوروبا يمثل تجربة ناجحة تجاه العمل السياسي حيث عُقد في دورته الـ13 ليجمع شمل الجاليات الفلسطينية في القارة الأوروبية، ويصبح منبرًا سنويًا استقر في العاصمة الألمانية برلين ليناقش المشاركون فيه واقع وتحديات فلسطينيي أوروبا المتصلة في حقيقتها  بالقضية الفلسطينية.

هذا نموذج لعمل الجاليات وتوحيدية وتم صهرها في بوتقة سياسية تعمل لتحرير أوطاننا من التبعيات المَقيتة التي نَصَّبت حُكامًا أذلّوا شُعوبًا ولدتهم أُمهاتهم أحرارًا، وأضاعوا حقوقًا جغرافية وسيادية لأوطاننا العربية.

العامل الأساسي المساعد على عمل أرضية سياسية هو تعزيز الدور الإعلامي لإبراز معالم الحضارة الإسلامية والعربية، وأفضل ما يتواصل به الغرب مع الآخر هو الاطلاع على حضارته، كما أن الإعلام له دور أساسي في صناعة رأي عام غربي بالنسبة لقضية فلسطين، سوريا، بورما، …. وغيرهم.

نتكلم عن تعزيز دور الإعلام في حين نجد من يُحاول إخفاء هويته كعربي أو كمسلم، وكأنها سُبة، ربما يكون ذلك ناتج من عمل الميديا المُضادة للعرب مما أوقع البعض في التخلي عن إبراز أُصوله العربية أو الإسلامية. يقول الدكتور راغب السرجاني: قابلت أحد المسلمين في بريطانيا وهو شخصية علمية مؤثرة، ومع ذلك فقد قال لي إنه قد جاءهم في أحد الأيام استبيان من الحكومة البريطانية يسألون فيه عن أمور كثيرة في حياة الشخص بهدف الإحصاء، وكان من هذه الأمور دين الشخص، وكان هذا السؤال اختياريًّا؛ لأن الدولة علمانية، ولا تستطيع أن تفرض عليك أن تعلن دينك، وكان اختيار هذه الشخصية المسلمة ألا يكتب شيئًا في مكان الديانة، مع أن الإحصاء لو أظهر أن عدد المسلمين كبير في بريطانيا، فإنهم قد يعملون لهم حسابًا في قوانينهم وانتخاباتهم ومعاملاتهم مع الدول الإسلامية، ولكن آثر التخفي لكي لا يصيبه ضرر، وقال: إن المسلمين إذا كانوا غير واضحين ولا معروفين؛ فهذا أدعى لطول بقائهم!

 

وأقول: يجب أن تُستغل الشخصيات العربية والإسلامية البارزة علميًا أو تجاريًا في تغيير صورة العرب والمسلمين باستخدام إعلام مُنتشر ومسموع بأدواته المختلفة مثل الصحف الورقية والإلكترونية والسوشيال ميديا، وذلك بعمل لجان إلكترونية مُتخصصة، كما أتمنى أن تتبنى الجالية العربية والإسلامية عمل قناة فضائية تطرح مطالبهم وتعرض قضاياهم في الغرب، وقضايا أوطانهم الضائعة، وها هي أول صحيفة ورقية تصدر عن الجالية العربية  في ألمانيا صحيفة أبواب بداية موفقة وعمل مثمر ونافع، وأتمنى أن تكون محفزة للبعض، كما ننتظر أن تُصدر جرائد أكثر ناطقة بلغة الدولة لننشر قضايانا على الرأي العام الغربي.

ونتوجه بالنداء لأبناء الجالية العربية والإسلامية ونقول: أنتم الدبلوماسية الشعبية التي من الممكن أن تتحدث عن الشعوب المُستذلة في عالمنا العربي والإسلامي ، فاصنعوا رأيًا عامًا وتواصلوا مع مؤسسات العمل المدني لتكون بدورها ضاغطة على حكوماتها لتغيير سياستها تجاه قضايانا إلى ما يخدم عالمنا العربي والإسلامي، ولا تكونوا ألسنةً للحكام وأدوات لهم، بل كونوا سُفراء لأخوانكم في بلادكم المقهورة، وننتظر منكم المزيد.

*باحث في الشؤون السياسية والإسلامية – مصر

عن العلمانية والدين

بالفيديو، مخاوف أمنية في ألمانيا من استقطاب الإسلاميين للاجئين الجدد