in

“الثقافة الألمانية الرائدة”، تساؤلات حول خطة النقاط العشر لوزير الداخلية الألماني

تحت عنوان “ثقافة رائدة لألمانيا” – ما الذي يعنيه ذلك في الواقع؟”، قدَّم وزير الداخلية توماس ميزير خطةً من عشر نقاطٍ في صحيفة “بيلد أَم زونتاغ” الصادرة في 30/4/2017. وقد أشار إلى أنه يود بذلك أن يثير النقاش. وشجعني ذلك على طرح بعض التساؤلات.

في أكتوبر- تشرين الأول عام 2014، تأسست مبادرة “مرحبًا بكم في فِرمِلسكيرشِن” بوصفها “مبادرةً من المسيحيين لأجل اللاجئين”. قدم الدعم لهذه المبادرة أعضاءٌ من كلا الكنيستين الكبيرتين (الإنجيلية واالكاثوليكية) بالإضافة إلى الكنائس الحرة المحلية. كما شارك جزئيًّا ممثلون من كل الأحزاب الممثَّلة في مجلس المدينة – باستثناء حزب “Afd” – مشاركةً ملتزمةً جدًّا.

لقد كبرت المبادرة في مدينتنا بسرعةٍ. ومع مرور الوقت، شارك في هذه المبادرة عددٌ كبيرٌ من اللاجئين، وأعضاءٌ منتمون إلى دياناتٍ أخرى، وأناسٌ آخرون غير مرتبطين بأي دينٍ. وهكذا نشأ تحالفٌ واسعٌ من أجل الأعمال الخيرية، المعيشة والإنسانية المشتركة، والكرامة الإنسانية.

إلى جانب نشاطات المبادرة في مرافقها، والمتمثلة في دورات اللغة ومستودع الأثاث وورشة إصلاح الدراجات، يقوم كثيرٌ من الناس بالذهاب مع اللاجئين إلى الدوائر الحكومية. ونظرًا إلى سوء المواصلات من وإلى فِرمِلسكيرشِن، يستخدم كثيرٌ من الناشطين حافلاتهم الخاصة لإيصال اللاجئين إلى مراكز المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف) في بيلِفِلد ودوسلدورف وبون… إلخ. وانطلاقًا من هذه الخبرات، تنبثق تساؤلاتي الموجهة إلى وزير الداخلية بخصوص خطته ذات النقاط العشر.

يبدأ توماس ميزير النقطة 1 بالقول:

“نحن نولي أهمية كبيرة لبعض العادات الاجتماعية. نحن نقول أسماءنا. نحن نُظهر وجوهنا. نحن لسنا البرقع”. أود أن أسأل وزير الخارجية: لِمَ تبقى إذن مراكز المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين –التي يُدعى إليها اللاجئون لأخذ إفاداتهم– بدون أي لافتاتٍ تسمح بالتعرف عليها؟ على سبيل المثال، لا يوجد في مركز المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في بيلِفِلد أيَّ إشارةٍ ولا حتى ورقةٍ على النافذة لتحديد ماهية هذا المركز. ويحصل المرء فيه على معلوماتٍ تُقدَّم عمدًا بوصفها “بناءً على تعليماتٍ من فوق”.

مكتب سلطة اتحادية مغفل الاسم تمامًا، وبذلك لا يمكن التعرف عليه! كيف كان ذلك –السيد الوزير– “نحن نُظهِر وجوهنا. نحن لسنا البرقع”؟

في النقطة 3، يشير الوزير إلى فكر الإنجاز بوصفه أساسيًّا بالنسبة إلى ألمانيا.

“نحن ننظر إلى الإنجاز على أنه شيءٌ يمكن لكل فردٍ أن يفخر به”. لم يكن ينبغي لتوماس ميزير أيضًا أن يغفل انخراط كثيرٍ من المواطنين الألمان في كثيرٍ من المبادرات المرحِّبة باللاجئين. وكما هو الحال لدينا في فِرمِلسكيرشِن، يتم منح اللاجئين دروسًا مجانيّةً في الغة الألمانية ومساندتهم للحصول على فرصة عملٍ أو تأهيلٍ للعمل. وللأسف عندما يتعلق الأمر بالحق في البقاء في ألمانيا، لا يؤخذ في الحسبان التمكُّن من اللغة الألمانية والحصول على عملٍ ثابتٍ. يُضاف إلى ذلك أن اللاجئين الذين يتابعون تأهيلهم المهني أو العمل يمكن أن يتم ترحيلهم، حتى إلى أفغانستان، كما نعلم. وذلك نتيجةً لعدم وجود قانونٍ للهجرة في ألمانيا، يأخذ الإنجاز في الحسبان. ألا ينطبق فكر الإنجاز “في الثقافة الرائدة الألمانية” على اللاجئين؟

أود أن أسأل السيد الوزير: “لمَ لا يتم في النهاية إعطاء حق البقاء في ألمانيا لأولئك الذين تعلموا اللغة الألمانية ويعملون بجدٍّ؟” بحيث يستطيع الناس الذين يمكنهم أن ينجزوا شيئًا ما بدون الحصول على حق اللجوء، بناء مستقبلٍ ما في ألمانيا؟ لمَ لا يوجد حتى الآن قانونٌ للهجرة يأخذ في الحسبان أولئك الموجودين في ألمانيا منذ فترةٍ طويلةٍ والذين يقدمون إنجازاتهم في المجتمع الألماني؟

النقطة 6: “مسيحية” بلدنا اليوم ليست ناتجة فقط عن أبراج الكنائس الكثيرة الموجودة فيه.

المسيحية هي قبل كل شيء الخبرة الحية للأعمال الخيرية. فالمسيحيون الممثلون للكنائس الكبيرة (البابا على سبيل المثال) والجمعيات الخيرية ألحوا على ضرورة اتباع سياسة لجوءٍ مختلفةٍ وأكثر إنسانيةً في ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

يجب على سياسة اللجوء أن تحترم وتطبِّق، بوضوحٍ مميَّزٍ، القانون الألماني الأساسي (الدستور) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الأطفال. إن التغييرات التي أدخلتها الحكومة الاتحادية على حق اللجوء في السنتين الأخيرتين؛ على سبيل المثال، إن إدخال “الحماية الثانوية” إلى جانب الاعتراف بالحق في اللجوء أفضى، فقط وبشكلٍ بادٍ للعيان، إلى تقليص عدد اللاجئين. ويحصل ذلك على حساب حقوق الإنسان: على سبيل المثال، أصبح حق لمِّ الشمل محدودًا بشكلٍ كبيرٍ، على الرغم من أنه وفقًا للمادة السادسة من القانون الأساسي “تقع الشؤون الزوجية والعائلية تحت حماية خاصة من قبل نظام الدولة”.

أنا وُلدت في ألمانيا، ولا يمكنني فعل شيءٍ حيال ذلك. وفي ألمانيا ذهبت إلى المدرسة، وقرأت غوته، وأشعر أن بعض الأماكن فيها تمثل موطنًا لي.

ومع ذلك، أنا متأكدةٌ أنه، تحت سقف القانون الاتحادي، يمكن لأناسٍ آخرين من ثقافاتٍ مختلفةٍ أن يجدوا مكانًا لهم في ألمانيا. وهم أناسٌ قرؤوا حافظ شيرازي وارتبطوا بوطنهم بمشاعر مختلفةٍ مثلي. ليس من الضروري التوحد في ثقافةٍ واحدةٍ، حتى يمكننا أن نعيش سويةً في حياةٍ ديمقراطيةٍ. ففي الديمقراطية ثمة مجالٌ لتعدد الثقافات تحت سقف قانونٍ أساسيٍّ واحدٍ.

تحت سقف القانون الأساسي –حيث يكون للرجال والنساء حقوقٌ متساويةٌ– يكون كل شخصٍ حرًّا في اختيار دينه، والتعبير عن رأيه، والحياة وفقًا لثقافته الخاصة.

ما هو ضروريٌّ يتمثل فقط في تطبيق القانون الاتحادي من قبل السلطات الرسمية. والسلطات الألمانية ملزمةٌ بفعل ذلك. إن الأحكام القضائية العديدة التي صدرت ضد قرارات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين تثبت أن السلطة تعمل بطريقةٍ غير ملائمةٍ، ونحن هنا نتوخى الحذر الشديد في إطلاق الإحكام. إن طلبات اللجوء المرفوضة وتنفيذ عمليات الترحيل يبيِّن أن اتفاقية الامم المتحدة الخاصة بحقوق الأطفال لم تجد حضورًا لها في المراسيم والقرارات المتعلقة باللجوء. ببساطةٍ، تم وقف العمل بمطلب “حماية العائلة”.

ما نطلبه من اللاجئين، بوصفه إنجازًا للاندماج، ينبغي أن يتجسَّد بوضوحٍ في سلوكنا نحن أنفسنا أولًا. كرامة كل (إنسانٍ غير قابلة للمساس بها!)* رجاءً، نفذوا ما يترتب على هذا القول في تشريعات اللجوء الألمانية وفي تصرفات السلطات التابعة لحضرتكم، السيد الوزير!

————————————————————-

(*) هذا القول وارد حرفيًّا في الفقرة الأولى من القانون الأساسي الألماني. (المترجم).

كورنيليا زِنغ.
ترجمة: حسام الدين درويش.

اقرأ أيضاً

“معوقات الديمقراطية في سوريا” موضوع ندوة حوارية في برلين

افتتاحية العدد 24: ألمانيا وسؤال التعدّدية الثقافية

القادمون الجدد والمهاجرون القدماء.. أزمة الحاضر والماضي 1

مدونة المرأة: شوكولا لهبوط سكر الروح

الدامج والمدموج والكامخ بينهما*