in ,

لقاء السوريين في الغربة

لينا وفائي*

وحيدة تقريبا، أبلغ من العمر نهاية أوسطه، أو أستطيع القول بداية خواتمه، وصلت إلى ألمانيا منذ أكثر من عامين بعد أن غادرت سوريا، لا أعرف اللغة ولا اعرف تقاليد الحياة في هذا البلد الغريب، كان علي ابتداء الحياة اليومية هنا في بلدة صغيرة جميلة ليس فيها الكثير من العرب، كنت تقريبا أول اللاجئىن فيها. وكان علي معرفة كل شيء، بدءًا من أين أشترى أي شيء أريده، إلى كيف أنهي معاملاتي الورقية هنا، وهي كثيرة جدًا، ما هي حقوقي وما هي واجباتي، ما المهم الذي يجب معرفته، ما القوانين التي أجهلها والتي لا يحميني جهلي بها من سطوتها. بحثت طويلا عبر النت، لجأت إلى كل صفحات التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تعطيني أية معلومات، وتلقيت طبعا المساعدة عبر الهاتف من أصدقاء سوريين سبقوني إلى المانيا ولكن يقطنون في مدن بعيدة.

كانت فترة صعبة جدا، ورغم أني مررت بالكثير جدا من الصعوبات في حياتي، ولكنها كانت من أصعبها، عندها وعندما بدأ يتوافد السوريون إلى مدينتي خطرت لي الفكرة، لم لا نلتقي هنا ونتساعد؟ قد لا يملك القادم الجديد من يساعده فلم لا اكون هذا الشخص رغم ضآلة ما استطيعه خصوصا وأني لم أتقن اللغة بعد؟ توجهت إلى كاريتاس إلى السيدة التي تلقيت منها المساعدة في أول وصولي، وأبديت لها رغبتي بمساعدة القادمين الجدد، طورت والسيدة دي كريوف الفكرة، لنبدأ لقاءً سوريًا في مبنى كاريتاس مرة في الشهر.
IMG_1828

ابتدأ لقاؤنا منذ أكثر من سنة ونصف، بعدد قليل، كان علينا في البدء وضع السياسة خارجا، والتركيز في لقائنا على حياتنا هنا في المانيا، ببطء كان لقاؤنا يكبر، وعدد المترددين عليه أكثر،  بدأت علاقات شخصية تتطور فيما بيننا، وبدأنا نعرف الآراء السياسية لكل منا، فهذا معارض وآخر رمادي، والتالث موال فهو قد هرب من سوريا نتيجة سطوة داعش.

التحدي الأكبر الذي واجهه لقاؤنا هذا كان في الاسبوع متعدد الثقافات الذي أقامته المدينة، إذ قدمنا عرض بوربوينت مدعمًا بالصور عن سوريا تاريخا وحضارة، ولماذا جئنا إلى هنا، وما الذي دفعنا للجوء، وأنا أعمل على البوربوينت كان من الصعب جدًا إبعاد السياسة فهي في صلب أسباب مجيئنا إلى هنا، بل هي السبب الرئيس، حاولت جاهدة ألا يحمل هذا العرض رأيي الشخصي وأنا المعارضة تاريخيا (منذ أكثر من ثلاثين عاما) لنظام الأسد الديكتاتوري، وقد نالني وأسرتي منه ما نالي، كان علي إبداء آراء لا تصطدم مع الآخرين ولا تفجر لي هذا اللقاء، كمن يسير في حقل ألغام تحدثت عن الثورة وعن المظاهرات، وضعت فيه صورًا لمدينتي حمص قبل وبعد، توضح مقدار الدمار الذي تعرضت له بما فيها من مبانٍ ومستشفيات ومساجد وكنائس، وتحدث عن غزو الإرهاب مستغلا الثورة، وإلى الحرب الدائرة الآن والتي يدفع ثمنها المدنيون.

عندما انتهيت من العرض، احتج موال ومعارض معتبرين أني لم أعبر عن الحقيقة، فضحكت وقلت شكرا لقد نجحت في تجاوز ذاتي.

IMG_2125الآن أصبح عمر لقائنا السوري أكثر من عام ونصف، ومازلنا نلتقي، إنه الآن يشبه حلمي لسوريا القادمة، سوريا التي تضم كل السوريين المختلفين، من كافة الأديان والطوائف والأعراق والقوميات، من مختلف الآراء السياسية والقناعات، سوريا التي يقبل فيها الجميعُ الآخرَ المختلف عنهم. الآن يلتقي الجميع فيه على مصالحهم في الحياة هنا، نتبادل المعلومات والخبرات، نقدم المساعدة للقادم الجديد، بل اصبحوا يلتقون أكثر على إعادة طقوس حياتنا السورية هنا، فنحن نحتفل معًا بعيد الفطر وعيد الميلاد مثلا، ونقيم فطورا سوريا تقليديا (فطور يوم الجمعة) فنتناول الفول والحمص والمخللات مرة والحلويات مرة أخرى، وندعو أصدقاءنا الألمان ليتعرفوا أكثر علينا وعلى عاداتنا.

أحلم أن يستطيع السوريون في المستقبل اللقاءَ في سوريا بدون الأحقاد التي عمل النظام السوري على تغذيتها، والتي دفعت بالمجتمع السوري إلى التشظي، أحلم أن يستطيع الجميع غدًا وبعد بناء سوريا الديمقراطية أن يعودوا ليلتقوا ببعضهم، ومن ثم أن يقبلوا الآخر المختلف في جو من الديمقراطية وتحقيق العدالة، والى أن يتحقق حلمي والذي أعمل لأجله بكل ما أستطيع ، أتمنى أن يبقى لقاؤنا هنا صورة مصغرة عن سوريا الحلم.

اللقاء السوري في جوسلار

متى: السبت الثاني من كل شهر من الساعة العاشرة صباحا حتى الثانية عشر ظهرا.

أين : في مبنى كاريتاس في  ليندنبلان ١٨ جوسلار ٣٨٦٤٢

Caritas

Lindemplan 18

38642 Goslar

*جوسلار: مقاطعة صغيرة في وسط ألمانيا، تبعد مدينتها الرئيسية “جوسلار” والتي تدعى المقاطعة باسمها ٩٠ كم عن مدينة هانوفر وإلى الجنوب الشرقي منها، تقع المدينة على سفوح جبال الهارتز ويمتد الريف عبر الجبال، الجزء القديم من المدينة يعود إلى القرن العاشر الميلادي، وهي محمية من قبل اليونسيكو، كان عمدتها منذ عام قد أبدى رغبته لاستقبال اللاجئين، وقد وصل عدد اللاجئين الآن فيها لأكثر من ألف لاجئ أغلبهم من السوريين.

*لينا وفائي. ناشطة سياسية ونسوية، مهندسة مدنية، تعمل الآن مع كاريتاس في مساعدة اللاجئين على الاندماج.

السوريون في ألمانيا والتفكير في المستقبل

منتخب سوريا الحرّة يشارك في بطولة أوروبا المفتوحة للكاراتيه