in

زلزال في تشيلي، ولادة جديدة لمسرح متعدد الثقافات واللغات

“زلزال في تشيلي” … كلايست يتحدث ثلاث لغات بلسان لاجئين

على مسرح فيلي برامل في فرانكفورت، تحت الصخرة المدببة وقف 21 ممثلاً وممثلة في كورال، ضمن تشكيلات فنية ليحكوا لحظة وقوع الهزة الأرضية في مدينة سانتياغو في تشيلي، لتسقط الصخرة فوقهم بعد ذلك ويقعوا على الأرض، في تجربة مسرحية غير مسبوقة في تاريخ المسرح الألماني، التقت فيها ثقافات متعددة وجمهور متنوع، يعكس نموذجًا جديدًا في العمل المسرحي.

الممثلون الآتون من سورية وإيران وأفغانستان شكلوا لوحة متناغمة بألوانها، وصوروا للجمهور كيف يخرج العالم عن قوانينه ليتحول البشر فجأة إلى لاجئين، في انسجام تام بين اللغات العربية والفارسية والألمانية التي تم بها العرض.

المسرحية عرضت بمشاركة لاجئين وممثلين من ألمانيا، وتحكي قصة حب ممنوع، مسلطةً الضوء على قسوة البشر في خضم أحداث دراماتيكية تلت الزلزال المروع الذي دمر مدينة سانتياغو عاصمة تشيلي بأكملها، في مشهد يذكرنا بما يحدث اليوم من دمار وحروب في العالم.

أسلوب مبتكر

ويرى مخرج المسرحية فيلي برامل أن هذا العمل بصورته الجديدة يمكن أن يصبح نموذجا لمسرح متعدد اللغات والثقافات في ألمانيا، حيث يعتبر أن هذا العمل هو أسلوب مبتكر يعكس رؤية مستقبلية يمكن من خلالها القبام بأعمال مسرحية لأدباء ألمان، وإيصال الرسالة بشكلٍ يمكن أن يفهمه الجمهور بكافة أطيافه وثقافاته، وخصوصا أن هذا النوع من الأعمال الأدبية يصعب فهمها حتى على الجمهور الألماني بسبب صعوبة اللغة التي تمت بها كتابة النص الأدبي للقصة، حيث تم تقطيع الجمل بشكل متساوي بين اللغات الثلاثة، وعلى الرغم من ذلك لا يبدو العمل مملاً أو صعبًا على الفهم.

فالمسرحية لا تعتمد فقط على النص، وإنما ترافقها الموسيقى والتشكيلات الفنية، وتعتمد بشكل كبير على لغة الجسد، بحيث يمكن القول إن شخصًا لا يتقن أيًا من اللغات الثلاث التي يتم من خلالها التمثيل على المسرح، يمكنه على الرغم من ذلك أيضًا حضور العرض والاستمتاع به.

جنة عدن والجحيم

النهاية بدت قاسية كقسوة العالم الذي نعيش فيه، فبعد مشهد جنة عدن الذي انتقل إليه الجمهور ليتشاركوا مع الممثلين حالة الهدوء والطمأنينة التي تلت الزلزال، ذلك المشهد الذي فيه شعر الناجون من الزلزال بأنهم في جنة عدن، حيث أراد المخرج أن يعيش الجمهور هذه التجربة بأنفسهم ويندمجوا في العمل ليصبحوا جزءًا منه. من الذين أبدعوا خلال هذا المشهد الممثل السوري معاوية حرب بلباس الحمام “البرنص” واللعبة الكبيرة التي رحب بها بجميع حاضري المسرح، والسورية يارا بلتو الممثلة الهاوية وطالبة الاقتصاد في جامعة فرانكفورت بغنائها العذب للسيدة فيروز.

وفي مشهد يذكرنا بلحظة استقبال اللاجئين في محطة القطار الرئيسية في ألمانيا منذ عدة شهور، استقبل الممثلون وهم في غالبيتهم من اللاجئين، الجمهور الذي غادر مقاعده وحمل سجاداته التي يجلس عليها ونزل إلى خشبة المسرح حيث جنة عدن، في محاولة بالعودة بالذاكرة إلى تلك اللحظات التي وصل فيها اللاجئون إلى ألمانيا، وتبادل الأدوار ولو لدقائق معدودة.

لكن جنة عدن لم تدم طويلا، فجاءت النهاية القاسية التي احتوت على مشاهد من العنف والقتل بتحريض من رجال الدين، ورغم ذلك فإن كلايست ترك أملاً في النهاية تمثل بطفلٍ نجا من المذبحة، ولعب بالكرة في المشهد الأخير على خشبة المسرح، وكأنه يريد أن يقول، يوجد خلاصٌ على هذه الأرض في لحظة ما.

عن رواية “زلزال في تشيلي”

زلزال في تشيلي كتبها هاينريش فون كلايست في عام 1806، هي نص غني بمفرداته ذات المستويات اللغوية المتعددة ويستند إلى هزة سانتياغو التي حصلت عام 1647 وأيضًا إلى هزة أرضية في لشبونة عام 1755 ويربط الصراع بين الفكر الظلامي الذي كان سائدًا آنذاك مع الفكر المتنور في عصر النهضة، ويطرح مفهوم العدالة الإلهية والإيمان ويربطها بالكوارث البشرية، والآلام وفكرة الخطيئة والعقاب والخلاص وذلك من خلال قصة حب ممنوعة بين الشاب جيرونيمو وجوزيفه.

رؤية الممثلين للعمل

معاوية حرب الممثل السوري المحترف، يرى في هذا العمل المسرحي والذي لم يكن تجربته المسرحية الأولى، مساحةً واسعة من التنوع والتجدد، وبأنه أضاف إليه رؤية وخبرة جديدة.

ويضيف أن هذا العمل هو حجرة البناء الأولى له في ألمانيا لمتابعة مسيرته المسرحية بعد انقطاعها إثر مغادرته سوريا منذ قرابة العامين. بالطبع إن تبادل الأدوار بين الألمانية والفارسية والعربية يلخص مساحة كبيرة من الإبداع لاسيما القدرة على تقمص الحالات المختلفة وخصوصًا عند أداء أدوار متناقضة في الأيام المختلفة من المسرحية، حيث يختلف الممثلون باختلاف اللغة الأساسية للمسرحية.

وعن المسرحية يقول الممثل بهاء الشعار: التدريبات استمرت ثلاثة أشهر ولم تكن سهلة في البداية لكن لاحقًا أصبحنا نفهم بعضنا البعض بشكل أكبر وتمكنا من الانسجام في جو العمل، وبالطبع تعلمت من هذه التجربة روح الجماعة والعمل ضمن ثقافات مختلفة والحوار بينها وكانت بالنسبة لي تجربة مهمة للاندماج بالمجتمع الألماني. لامست المسرحية جانبًا مهمًا في داخلي، وهي تجربة الحرب واللجوء، حيث عشنا التجربة على المسرح مرة أخرى وقد وجد الناس أنفسهم فجأة بعد الزلزال لاجئين، بعد أن تدمر كل شيئ. وأضاف: مخرج المسرحية أخرج أفضل ما عندنا، وتعرفنا إلى جانبٍ جديد في الحياة في ألمانيا وهو الحياة الثقافية، حيث إن الألمان يولون الثقافة اهتمامًا كبيرًا.

وعن تجربته الشخصية في العمل يقول فادي الحموي: هذه التجربة من أجمل تجارب حياتي حيث مكنتني من التخلص من الضغوط بداخلي، والذكريات الحزينة التي عشتها خلال فترة الحرب، وأصبحت أشعر بقوة في داخلي، وأنا أتمنى المتابعة في مجال التمثيل مستقبلا. كما أن هذا العمل ساعدني على الاطلاع على ثقافات أخرى ولغات جديدة، وأصبح لدي أصدقاء جدد من جنسيات أخرى، وساعدني على الاندماج، فالمخرج وبقية الممثلين الألمان تعاملوا معنا بصبر ومحبة كبيرة، لقد اكتشفت نفسي من جديد وتعلمت أشياء جديدة، باختصاركانت تجربة رائعة.

إن مسرحية “زلزال في تشيلي” شكلت نقلة نوعية حقيقية في المسرح الألماني بأدائها بثلاث لغات وبثلاث أشكال وأساليب أبداعية مختلفة أيضًا. يتم عرضها حاليًا على مسرح ويلي برامل في فرانكفورت و سيستمر عرضها حتى الثالث من الشهر القادم.

القبض على سوري قتل زوجته طعنًا في ألمانيا

مؤلفة هاري بوتر تتحدث “عن الوحوش والأشرار واستفتاء الاتحاد الأوروبي”